الوقت - في خطوة تعكس حجم التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي قرارًا مشتركًا يقضي بحجب قناة الأقصى الفضائية عن جميع الأقمار الصناعية. لم يكن هذا القرار مفاجئًا في ظل الحرب المفتوحة التي تشنها القوى الغربية ضد كل من يفضح جرائم الاحتلال في فلسطين، لكنه يؤكد مرة أخرى أن معركة الإعلام ليست مجرد مواجهة بين قنوات وصحف، بل هي صراع على الرواية والحقيقة.
لم تقتصر العقوبات على مجرد حجب القناة، بل شملت فرض غرامات مالية كبيرة على أي قمر صناعي يستضيفها، بالإضافة إلى تهديد إدارات الأقمار الصناعية بتهمة "رعاية الإرهاب"، في محاولة لقطع الطريق أمام وصول صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم. فهل جاء هذا القرار نتيجة لخوف الاحتلال من تأثير الإعلام الفلسطيني، أم أنه يعكس فشل الرواية الصهيونية في التغطية على جرائمها أمام الرأي العام الدولي؟
قناة الأقصى: عين الحقيقة التي تؤرق الاحتلال
على مدار سنوات، لعبت قناة الأقصى الفضائية دورًا محوريًا في نقل الأحداث من قلب الميدان، حيث كانت شاهدًا على العدوان الإسرائيلي المتكرر ضد قطاع غزة، ووثقت بالصوت والصورة معاناة الفلسطينيين تحت القصف والحصار. لم تكن مجرد قناة إخبارية، بل منصة مقاومة تكشف الانتهاكات وتعرض جرائم الاحتلال أمام العالم، في مواجهة آلة الدعاية الصهيونية التي تسعى لتشويه الحقائق وطمس الرواية الفلسطينية.
لقد أصبحت قناة الأقصى مرجعًا موثوقًا في تغطية الأحداث داخل فلسطين، حيث نقلت عبر بثها المباشر وقصصها الميدانية الانتهاكات الإسرائيلية لحظة بلحظة، بدءًا من استهداف المدنيين، مرورًا بتدمير المنازل، وصولًا إلى الاغتيالات الممنهجة للصحفيين والنشطاء الفلسطينيين. هذه الدقة والمصداقية جعلت الرواية الصهيونية في موقف دفاعي ضعيف، حيث بات من الصعب تبرير جرائم الاحتلال في ظل وجود إعلام فلسطيني قادر على فضحها بالصوت والصورة.
لم يكن استهداف قناة الأقصى جديدًا، فقد تعرض مقرها للقصف عدة مرات خلال الحروب على غزة، وقُتل أكثر من 25 صحفيًا من طاقمها، في محاولات بائسة لإخماد الصوت الفلسطيني الحر. ومع ذلك، ظلت القناة مستمرة، تؤدي دورها رغم كل التحديات، ما جعلها هدفًا مباشرًا للحصار الإعلامي الدولي المفروض عليها اليوم.
حجب القناة: عقاب على كشف الحقيقة
يأتي قرار الحجب في سياق أوسع من التضييق على الإعلام الفلسطيني، حيث تسعى القوى الغربية، بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى فرض رقابة مشددة على القنوات والصحف التي تفضح انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين. هذا الإجراء ليس مجرد قرار إداري، بل هو جزء من الحرب الإعلامية التي تهدف إلى طمس معاناة الفلسطينيين، ومنح الاحتلال حرية ارتكاب جرائمه دون أن يواجه أي تدقيق دولي.
يبدو أن التأثير الواسع لقناة الأقصى في توثيق العدوان الأخير على غزة، ونجاحها في تسليط الضوء على مجازر الاحتلال، قد شكل ضربة قوية لمحاولات "إسرائيل" في تزييف الحقائق. لم تعد الرواية الصهيونية قادرة على الصمود أمام الأدلة الدامغة التي تنشرها القناة، ولم تعد الأكاذيب التي تروجها وسائل الإعلام الغربية كافية لتبرير القتل والتدمير الذي يمارسه الاحتلال يوميًا.
في ظل هذا المشهد، لم تجد "إسرائيل" وحلفاؤها وسيلة سوى اللجوء إلى خيار القمع المباشر، عبر الضغط على الأقمار الصناعية لحجب القناة، ظنًا منهم أن هذا الإجراء سيؤدي إلى إخماد الصوت الفلسطيني. لكن هل يمكن حقًا إسكات الحقيقة؟
ردود فعل غاضبة وإدانات واسعة
لاقى القرار الأمريكي الأوروبي استنكارًا واسعًا من مؤسسات إعلامية وحقوقية دولية، حيث اعتبره المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) تصعيدًا خطيرًا ضد حرية الصحافة، وانتهاكًا صارخًا لحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات.
من جهتها، أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) القرار، واصفةً إياه بأنه محاولة مكشوفة لمنع وصول الصوت الفلسطيني إلى العالم، مؤكدة أن هذه المحاولات لن تفلح في طمس الحقيقة. وأكدت الحركة أن هذا الإجراء يعكس حجم الهلع الذي تعيشه "إسرائيل"، نتيجة افتضاح جرائمها أمام الرأي العام العالمي.
منتدى الإعلاميين الفلسطينيين بدوره، شدد على أن القرار يمثل تواطؤًا دوليًا مع الاحتلال، داعيًا المؤسسات الصحفية والإعلامية حول العالم إلى رفض هذه الممارسات القمعية والضغط من أجل إعادة بث القناة.
أما المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد اعتبر الحجب بمثابة "جريمة جديدة" ضد الإعلام الفلسطيني، مشيرًا إلى أن الاحتلال قتل أكثر من 205 صحفيين، من بينهم 24 من طواقم قناة الأقصى، في محاولاته المستمرة لتكميم الأفواه وطمس الحقيقة.
وفي سياق متصل، دعا رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، صلاح عبد العاطي، إلى تحرك دولي عاجل لوقف هذه الانتهاكات، مؤكدًا أن القرار يُعد جريمة تستوجب المساءلة الدولية.
قناة الأقصى: مستمرة رغم الحجب
على الرغم من الحجب، أكدت قناة الأقصى في بيانها أنها لن تتوقف عن أداء رسالتها الإعلامية، وستبحث عن جميع الوسائل الممكنة لمواصلة بثها ونقل معاناة الفلسطينيين إلى العالم. فقد أثبت الإعلام الفلسطيني، عبر سنوات من القصف والتضييق، أنه قادر على التأقلم مع الظروف الصعبة، وأنه سيظل حاضرًا رغم كل محاولات الإغلاق والتكميم.
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استهداف قناة الأقصى، ولن تكون الأخيرة. لكن كما فشلت المحاولات السابقة في إسكات صوتها، فإن هذا القرار الجائر لن يكون نهاية الطريق، بل دافعًا لمواصلة العمل الإعلامي المقاوم.
يظن الاحتلال الإسرائيلي ومن يدعمه أن حجب قناة الأقصى عن الأقمار الصناعية سيمنع الحقيقة من الوصول إلى العالم، لكن التاريخ أثبت أن القمع لا يمكنه إسكات صوت الحق. قد يتم منع القناة من البث الفضائي، لكن صوتها سيظل حاضرًا عبر وسائل الإعلام البديلة، وشبكات التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية التي باتت سلاحًا فعالًا في مواجهة الرواية الصهيونية.
إن هذه المعركة ليست فقط معركة قناة الأقصى، بل هي معركة كل إعلامي فلسطيني، وكل إنسان يدافع عن حرية التعبير. ومع تزايد الوعي العالمي بحقيقة الاحتلال، ستظل الحقيقة أقوى من أي محاولات للحجب والتضليل، وستبقى الرواية الفلسطينية صامدة رغم كل المحاولات لإخفائها.