الوقت- تتصاعد وتيرة الأحداث في اليمن يوما تلو الآخر، خاصة بعد أن دخلت غارات تحالف العدوان الذي تقوده السعودية شهرها السابع على التوالي، وهو ما يتطلب من القاهرة تحركا يتناسب مع حجم وانعكاسات الأزمة على مصر، لا سيما وأن اليمن تقع في صلب المجال الاستراتيجي للقاهرة، و أي تغيير يطرأ على صنعاء سوف ينعكس سلبا أوإيجابا على القاهرة ودوائرها الأمنية والسياسية.
موقف القاهرة من الأزمة التي تشهدها اليمن من رفض المشاركة العسكرية في تحالف العدوان وإن كانت نقطة تحسب لصالح القاهرة لكنها تحتاج إلى مزيد من الخطوات التي تتبعها، حتى تتمكن من لعب دور مؤثر في الأزمة، خاصة وأن حركة أنصار الله تقدر حجم مصر في المنطقة العربية، وطالبت قياداتها كثيرا بالتدخل والوساطة السياسية في الأزمة بهدف التوصل لتسوية تُنهي الأزمة، لكن حتى الآن ما زالت القاهرة بعيدة عن مركز الأزمة، وتكاد تحركاتها الخارجية بعيدة عن الهدف الرئيسي الذي يجب تحقيقه من وراء تلك التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
يعتبر الوقت الراهن هوالأكثر ملاءمة لتحرك القاهرة خارجيا من أجل حلحلة الأزمة اليمنية، لکن هناك بعض الضغوط المفروضة على مصر مازالت تمنعها من التحرك في هذه الأزمة بالشكل المرجومنها، ولعل أبرز هذه الضغوط التعنت السعودي واستكبارها الذي يمنعها من الجلوس على طاولة المفاوضات والتسوية قبل تحقيق إنجاز عسكري يجعلها تبدوفي موضع المنتصر، دون النظر إلى الضحايا المدنيين الذين يسقطون في الغارات الجوية، أويهاجرون من موطنهم بحثا عن الأمن والاستقرار بعيدا عن الحروب وضربات الطائرات الحربية التي لا ترحم صغيرا ولا كبيرا.
فمصر دولة معتدلة منذ فجر التاريخ و دولة بهذا الثراء لا يمكن أن يتحكم في مقاديرها بلد مهما كان. فمن خلال استعراض آراء المفكرين و المثقین المصريين للعدوان السعودی علی الیمن یتبین لنا أن مصر دولة و شعبا تخالف هذا العدوان الهمجی الصهیونی علی الشعب الیمنی المضطهد.
نبدأ مع الموقف اللافت لوزير الخارجية المصري سامح شكري مع قناة "سكاي نيوز العربية" أعرب فيه عن قلق مصر من الأوضاع الإنسانية السيئة التي وصلت إليها الحال في اليمن وما وصفه "بلإنقضاض على الشرعية بالوسائل العسكرية" وأكد عدم مشاركة بلاده بأي تدخل بري في اليمن حاليا أو مستقبلا قائلا بأن ليس هناك ضرورة في تدخل بري كما أكد على ضرورة إشراك الحوثيين في اي حل سياسي وأمل في توصل الأطراف اليمنية إلى توافق سياسي سلمي يحافظ على استقرار اليمن ووحدته.
أما رئيس مجلس إدارة موسسة الأهرام أحمد النجار في مقابلة خاصة بثتها قناة "النهار TV " الإخبارية الجزائرية عندما سئل عن طبيعة مشاركة مصر في العدوان على اليمن الجريح فأجابها بأن المشاركة بالحرب مقصورة في تأمين باب المندب بإعتباره مدخلا لقناة السويس وأمنه من أمنها مضيفا بأن مصر لا تشارك في عدوان على شعب عربي ولكن تأمين باب المندب مصلحة عامة دولية عربية ومصرية. كما أكد على أهمية دولة اليمن وإستمرارها والمحافظة عليها موحدة وحث اليمنيين على حل أزماتهم بألية داخلية تجمع جميع الأطراف. وعندما سئل عن المشادة الكلامية بينه وبين السفير السعودي أحمد القطان في منزل السفير الجزائري في القاهرة والخلاف الكبير الذي حصل بينها على خلفية الكلام عن الإعلام المصري الذي ندد بالعدوان السعودي على شعب عربي وأنه تجاوز كل الحدود والأخلاقية العربية والقومية فقال النجار كنت أحافظ على كرامة بلدي الأقدم والأهم في العالم وكرامة مؤسسة الأهرام وماضيها العريق.
و الكاتب الصحفي والمفكر الكبير محمد حسنين هيكل الذي أثار عاصفة من الجدل بمواقفه الجريئة والقوية حول التدخل في حرب ظالمة على بلد عربي فمع بداية العدوان أعلن ضمنا عن رفضه له من خلال تأجله حلقة كانت ستبث عبر قناة ال CBC قائلا إن طوارئ وقعت وحدث خطير تمثل ببداية العمليات العسكرية في اليمن قبل توافق عربي عليها وإنتقاده للتدخل الأمريكي قائلا بكل وضوح بأن الطيران الأمريكي يشارك علنا في العدوان، وهو منذ البداية قال بأن السعودية ستغرق بالرمال اليمنية وهي الخاسر الأكبر لأنها جارة اليمن ولها حدود مشتركة معها والقبائل تعرف بعضها جيدا هناك والتوغل برا في اليمن له عواقب وخيمة على السعودية اجتماعيا واقتصاديا وحتى عسكريا و و نصح عبدالفتاح السیسی بعدم الدخول في هذه الحرب بين الدول الشقيقة لما له من أثار سلبية على مستقبل الدولة المصرية وماضيها العريق مذكرا إياه بأن الرئيس السابق جمال عبد الناصر تدخلا قبلا لمساندة القوى الشعبية اليمنية لتنال إستقلالها.
أما الكاتب والمفكر الاسلامي المصري المعروف فهمي هويدي نظرته إلى عاصفة الحزم والعدوان على بلد اليمن من اللحظة الأولى كانت مشخصة وهو الذي تمنى لو أن العالم العربي يتحد لقتال عدوه الحقيقي ألا وهو العدو الإسرائيلي ففي إحدى مقالاته يصف حالة الفرح العارم للعدو الصهيوني بعد إتحاد الدول العربية على بلد شقيق فحالة السرور والنشوة بالإنتصار الكبير ألذي تحقق لا توصف وبلا أدنى شك الرابح الأول من هذا العدوان هو الکیان الاسرائیلی، ولطالما تحدث هذا الكاتب عن معانات الشعب اليمني وما يجري له جراء العدوان الظالم كما يصفه. الهویدی تحدث فی مقاله الأخير بحرقة قلب عن ما حل بدولة اليمن وشعبه من دمار بعد اكثر من 1200 غارة جوية وبحرية وتأسف للحال التي وصلت إليها الدول العربية من إستعمال السلاح لقتال بعضها البعض ولتحكيم السياسة مع عدونا الأصلي، كما أبدى أسفه وإنزعاجه من قصف القوات البحرية المصرية لمواقع الحوثيين في عدن في الأيام القليلة الماضيه وقال رغم أنني تفهمت الملابسات السياسية التي دفعت مصر إلى الاشتراك في الحرب، إلا أنني توقعت أن يقتصر دورها على تأمين باب المندب دون أن تشارك في القتال بين الطرفين.
و البرلماني المصري السابق أحمد عبد العال فقد تحدث في مقال نشر في يمن لايف عن قلقه من الأثار السلبية للعدوان على اليمن ومشاركة مصر فيه وأهمها علاقات مصر الخارجية مع روسيا وايران ودعا المسؤولين السياسيين التفكير جيدا في هذه السلبيات وقال يمكن لمصر أن تكون لاعبا أساسيا على مستوى المنطقة وتلعب دورا هاما في الحرب الدائرة على اليمن وشعبه المظلوم.
وفي الختام يمكننا القول بأن المفكريين المصريين وأصحاب الأقلام الحرة والنيرة لا زالت تصدح وتكتب بحرية واستقلالية لتوصل الحقائق كاملة إلى الرأي العام و ننتظر الدولة المصریة أن تدخل علی الخط لإیقاف هذا العدوان السعودي-الصهيوني الهمجی علی الشعب الیمني المضطهد و ترجع دورها الرائد على مستوى المنطقة والعالم.