الوقت- كشفت العديد من المصادر الإخبارية، أن سلطات البحرين ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سجونها، عبر استخدام أساليب قمعية لإخراس أي أصوات تطالب بحقوقها المدنية، فضلاً عن تعذيب منهجي للمدافعين عن حقوق الإنسان، من الرجال والنساء، وتستخدم البحرين جهاز الأمن الوطني، في التغلب على الاحتجاجات السلمية منذ حراك 2011. ولقد اتهمت منظمات حقوقية خلال السنوات الماضية هذا الجهاز البحريني باللجوء إلى القوة المفرطة وتعذيب المعتقلين في السجون. واتهم حقوقيون وزير الداخلية البحريني بالإشراف شخصياً على عمليات تعذيب في سجون البحرين، وذلك في مؤتمر حقوقي استعرض دراسة بشأن أوضاع السجون في السعودية. ولفتت تلك المصادر الاخبارية أن سلطات سجن "جو" المركزي جنوبي شرق البحرين، قامت قبل عدة أيام بالاعتداء على السجناء السياسيين بالضرب المبرح، وقمعتهم بشدة، فقط لأنهم احتجوا ضد أوضاعهم المتردية بالمعتقل.
وحول هذا السياق، ذكرت العديد من الجمعيات البحرينية المعارضة، أن اعتداءات وقعت بالفعل ضد سجناء في "جو"، وذلك بعد احتجاجهم ضد أوضاعهم السيئة بالسجن. وطالبت تلك الجمعيات، بالسماح لجهة مستقلة ومحايدة أممية بالتحقيق فيما حدث في السجن. وكشفت العديد من التقارير الاخبارية أن القوات الأمنية البحرينية هاجمت يوم السبت الماضي 17 أبريل 2021 المعتقلين في مبنى 12 و13 بسجن "جو"، ولفتت تلك التقارير عن وجود أنباء مقلقة إضافية تحكي عن العنف المفرط والقسوة في تعامل الشرطة مع السجناء، وهو ما أدى إلى اعتصام بعض الأهالي عند مبنى السجن مطالبين بالحديث مع المسؤولين لطمأنتهم بشأن أبنائهم. لكن كما كان متوقعاً فإن إدارة السجن بدلاً من طمأنة السجناء ومحاولة احتواء الموقف، استخدمت الطريقة الأسهل، وقامت بقمع السجناء بصورة قاسية، مذكّرةً بالهجوم الواسع الذي تعرض له معتقلي جو قبل 6 أعوام.
ولقد خرجت تقارير حقوقية من منظمة العفو الدولية، "هيومن رايتس ووتش"، ومنظمات بحرينية تحكي تفاصيل مروعة عن انتهاكات تعرض لها المعتقلون في سجن "جو"، لكن وكما كان متوقعاً فإن من كانوا يستحقون العقاب، أفلتوا مرة أخرى منه نظراً للحماية التي توفرها الدولة لهم. إن العدالة المزيفة في البحرين لم تحاكم شرطياً واحداً بسبب انتهاكات سجن "جو"، وكلما غابت العدالة عن مثل هذه الأحداث، تمادى المجرمون في إجرامهم، ولذلك فإن حادثة سجن "جو"، للأسف ستتكرر مرة ومرتين حتى نصل ليوم يحاسب فيه هؤلاء على انتهاكاتهم، وأن توضع قواعد حقيقية يتم اتباعها لحماية حقوق السجناء والمعتقلين أياً كانت أسباب سجنهم واحتجازهم. ولقد وثقت منظمات حقوقية عالمية شهادات شهود عيان لعمليات الاعتداء على السجناء في سجن "جو" البحريني وتغييب مكان عدد منهم واتفقت كل من منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية على أن العديد من السجناء السياسيين في سجن "جو" في البحرين لا يزالون محتجزين في الحبس الانفرادي وغير قادرين على الاتصال بعائلاتهم بعد الاعتداء عليهم نهار السبت 17 أبريل من قِبَل شرطة مكافحة الشغب.
وعلى صعيد متصل، تزايدت في الفترة الأخيرة وتيرة التحركات ضد البحرين، وضغوط تمارسها عدد من الحكومات الغربية لوضع حد لتعنت السلطات البحرينية. حيث انضمت "مدريد" للعواصم الغربية التي يتحرك ساستها ويضغطون حتى تتبنى حكوماتهم إجراءات صارمة ضد السلطات البحرينية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المتكررة، خصوصاً بعد أحداث سجن "جو". وفي أحدث خطوة، طرح نواب إسبان بارزون أسئلة خطية حول الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان في البحرين. وتقدمت عضوة البرلمان الإسباني، "ماريا غلوريا إليزو سيرانو"، بسؤال مكتوب بشأن حالة حقوق الإنسان في البحرين، ولا سيما قضايا المحكوم عليهم بالإعدام والمدافعين عن حقوق الإنسان. وتضمن السؤال أدلة وبراهين على الانتهاكات المسجلة في المنامة والاستفسار عن موقف "مدريد" منها. ولقد نوه السياسيون الإسبان بأن استراتيجية الاتحاد الأوروبي للعمل الخارجي 2021 - 2024 تسلط الضوء على تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية كأحد محاورها الرئيسية. ووثق النواب عدداً من القرائن على تجاوزات سلطات المنامة ضد النشطاء والمعتقلين السياسيين.
وشدد النواب، في رسالتهم إلى سلطات مدريد، على ضرورة الإجابة بشكل صريح ما إن كانت الحكومة ستنفذ توصيات البرلمان الأوروبي بشأن أوضاع حقوق الإنسان في البحرين. ثم خاطبوا حكومة بلادهم بشكل محدد ما إن كانت ستعبر صراحة لنظيرتها البحرينية عن قلقها بشأن أوضاع سجناء الرأي مثل "حسن مشيمع" زعيم المعارضة السياسية، أو "زكية البربوري" الناشطة في مجال حقوق الإنسان. كما أكدت الوثيقة على ضرورة تأكيد الحكومة الإسبانية نيتها اتخاذ إجراءات لتسليط الضوء على مخاوفها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في البحرين، مثل تلك التي ارتكبها اللواء "راشد بن عبد الله آل خليفة" وزير الداخلية، أو "ناصر بن حمد آل خليفة" قائد الحرس الملكي. ورحبت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين بهذه الخطوة التي اتخذها النواب الإسباني، وعبرت عن امتنانها للنائبة "سيرانو" وجهودها في لفت الانتباه إلى أزمة حقوق الإنسان المستمرة ومحنة المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين المسجونين في البحرين.
الجدير بالذكر أنه في الأسبوع الماضي، وجه نواب بريطانيون رسالة عاجلة شديدة اللهجة إلى وزير الخارجية وعدد من وزراء الحكومة البريطانية حيال التطورات التي يشهدها سجن جو بالبحرين في الآونة الأخيرة. وأشارت الرسالة إلى تسجيل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لعدد من السجناء السياسيين بسجن جو بتعريض حياتهم للخطر الشديد. وحملت الرسالة العاجلة بعنوان "التعذيب والإخفاء القسري للسجناء السياسيين البحرينيين"، تعبيراً عن انزعاج عددٍ من الشخصيات البريطانية حيال حالة حقوق الإنسان في السجن المذكور. ودعا النواب البريطانيون الوزراء المعنيين للتحرك بسرعة واتخاذ عدد من الإجراءات العاجلة، كمطالبة الحكومة البريطانية بتوجيه دعوة للمنامة بالكشف الفوري عن ظروف وأماكن وجود ما لا يقل عن 25 نزيلا مخفيا قسريا. وشدد السياسيون البريطانيون على ضرورة تدويل القضية على مستوى الأمم المتحدة وهيئاتها المعنية وفتح تحقيق دولي جاد لكشف الحقائق، ومنح المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب حق الوصول إلى سجن "جو".
وفي هذا السياق، وجه أيضا عضو مجلس الشيوخ البلجيكي "فيليب كورارد"، سؤالاً خطياً إلى وزيرة الشؤون الخارجية البلجيكية، "صوفي ويلميس"، بخصوص تفشي وباء كورونا في سجون البحرين. وقال "كورارد" في سؤاله، أن "تفاقم انتشار وباء كورونا في سجون البحرين أمر مثير للقلق". وذكّر بالقرار الذي تبناه البرلمان الأوروبي الشهر الماضي بشأن أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، والذي صنف فيه الأوضاع الصحية في سجون البحرين بأنها مقلقة. ولفت "كورارد" إلى أن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حثت الدول في أبريل الماضي، على إطلاق سراح السجناء المحتجزين من دون أساس قانوني وكذلك السجناء السياسيين أو المحتجزين لتبنّيهم آراء تنتقد الدولة، وهي الحالة السائدة في البحرين. وطلب النائب في أسئلته من الوزيرة معرفة عما إذا كانت لديها معلومات إضافية، وفيما إذا كانت هناك اتصالات مع وزراء آخرين بهذا الشأن.
وفي الختام يمكن القول أن البحرين لا تزال تمر هذه الأيام بأزمة سياسية وأخرى على صعيد حقوق الإنسان وتزعم الحكومة أنها ملتزمة بإجراء إصلاح حقيقي وفعلي، وهي ما انفكت تدعي قطعاً أنها قد أدخلت بالفعل تحسينات تتجاوز ما أشار إليه تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق على أنه إجراءات ينبغي تنفيذها على عجل ولكن واقع الممارسة العملية يشير إلى استمرار ارتكاب انتهاكات خطيرة على نطاق واسع وما زالت مستويات الإحساس بالظلم مرتفعة بين الضحايا وعائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية. ولقد تزايدت انتقادات حلفاء البحرين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي خلال الايام الماضية، وهذا الأمر يُظهر أنهم لم قبلوا مزاعم الحكومة البحرينية حول إجراء الإصلاحات، وقيامها بتقديم الدعم على صعيد بناء المؤسسات والتدريب على حقوق الإنسان بشكل عام.