الوقت- غادة عون هي قاضية لبنانية والنائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان. بينما يراها البعض بارزة وغير قابلة للإفساد، يتهمها الآخرون بالانحياز إلى رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون, الذي لا تربطها به صلة عائلية. لا تُشبه غادة عون أيّ قاضٍ آخر فهي حالةٌ فريدة يصعب أن تتكرر في القضاء اللبناني.ففي عقل غادة عون، معظم القضاء فاسد.
وترى أنّ القضاء هو خط الدفاع المنيع عن تحالف الفاسدين. وترى في زملائها متخاذلين عن إحقاق الحق وإقامة العدل. العدل لدى غادة عون يختلف عن تطبيق القانون. في عُرفها، يعرف الفاسدون كيف يتحايلون على القانون. وهي صادقة في حربها على الفساد والفاسدين. ولا يُزعجها اتهامها بالخروج عن القانون إذا ما كانت الغاية سجن فاسد. تكره أصحاب المصارف. وتكره القضاة الذين يقودون سيارات فارهة ويلبسون الماركات العالمية. في نظرها، هؤلاء فاسدون مستترون.
تحوّلت القاضية غادة عون إلى قاضية خارجة عن القانون في الفترة الأخيرة. يرتفع رصيدها شعبياً، إنما تزداد النقمة عليها قضائياً. فقد اجتمع مجلس القضاء الأعلى قبل أيام خصيصاً لمناقشة حالة القاضية غادة عون، ولا سيما أنّها تتعامل مع المجلس بخفة وتُجاهر باتهام أعضائه ورئيسه بالفساد.
حُددت جلسة للاستماع إليها في الدعوى الجزائية المرفوعة ضدها من رئيس مجلس إدارة سوسيتيه جنرال أنطون صحناوي على خلفية ملف شحن الدولار إلى الخارج. في المرة الأولى، أبلغت القاضي الذي اتصل بها طالباً منها الحضور أنها تُريد استشارة مرجعيتها السياسية، ثم أخبرته أنها ستحضر، لكنها لم تحضر وتتالت هذه الاحداث عدة مرات.
ولهذا تَوافق مجلس القضاء الأعلى على أن يؤخذ إجراء ضدها، على أن يتخذه المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات. فأصدر الأخير قراراً قضى بتعديل توزيع الأعمال لدى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بحصرها بثلاثة محامين عامين فقط، من دون أن يلحظ القرار اسمها مع قاضيين آخرين سبق للمجلس التأديبي للقضاة أن كفّ يدهما عن العمل.
جُنّ جنون القاضية عون، ولا سيما أنها كانت ترى أن هناك مؤامرة تُحاك ضدها لعزلها من القضاء تبعاً للمادة 95 من قانون القضاء العدلي الذي يتيح عزلها. غير أنّ مسألة العزل نفاها عدد من أعضاء مجلس القضاء الأعلى، مؤكدين أنها غير واردة إطلاقاً. وبعد انتشار خبر كفّ يدها، استأنفت عون تحقيقاتها في ملف سحب الدولار من السوق وشحنه إلى الخارج. وبعدما كانت قد طلبت من ميشال مكتف، صاحب إحدى أكبر شركات شحن الدولار، تزويدها بالأرقام والمبالغ التي شحنها لمصلحة مصرف «سوسيتيه جنرال» وغيره من المصارف، وتذرّعه بالسرية المصرفية، وإصدارها إشارة بختم مكاتبه بالشمع الأحمر لاعتبارها عدم تعاونه بمثابة عرقلة لسير العدالة، قررت أن تدهم مكاتبه شخصياً. فهي تبلّغت أن الشمع الأحمر فُكّ بقرار قضائي آخر. توجهت عون على رأس قوة من أمن الدولة ومرافقيها إلى مكاتب مكتّف في عوكر.
وأحذت معها المحامي رامي عليق ممثلاً عن «متحدون» لمرافقتها، مع أنه أحد المدّعين في الملف. كان المحامي ألكس نجار وكيل مكتّف هناك. أبلغها أنه لا يحق لها الدخول لأن الدعوى نُقلت من عندها بقرار من النيابة العامة التمييزية، لكنها لم تعبأ به. دخلت بالقوة، إلا أنّ اتصالاً ورد من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا يطلب منه الانسحاب لأن القاضية عون تُخالف القانون، وأن هناك إشارة منه.
انسحب عناصر أمن الدولة، لكن القاضية عون رفضت التراجع. دخلت مع مرافقيها لتضبط المستندات بالقوة، لكنها صُدّت ببوابة حديدية. ارتفع صوت القاضية عون التي اتصلت بأحد الضباط، طالبة منه مؤازرتها وأنها سوف تُغطيه، لكنه لم يأت. قاتلت عون بشراسة وهي مقتنعة بأنّ مكتف يُخفي الكثير ولم تَعنِ لها شيئاً مخالفة القانون. وهي في الأصل فتحت ملفاً يُعدّ فتحه من المحرمات.
وليس في الأساس حتى في الشكل، هي اقترفت خطيئة قضائية. إذ إنّ الملف نفسه موجود أمام الهيئة الاتهامية في بيروت. المعطيات نفسها لم تتغير بشأن قيام مصرف «سوسيتيه جنرال» بشراء الدولار من السوق وشحنه إلى الخارج. إنه الملف نفسه الذي منع فيه قاضي التحقيق في بيروت شربل بو سمرا المحاكمة عن مدير الخزانة في مصرف «سوسيتيه جنرال» كريم خوري ومدير العمليات النقدية في مصرف لبنان مازن زيدان. غير أن النيابة العامة المالية استأنفت الحكم لينتقل الملف إلى الهيئة الاتهامية في بيروت برئاسة القاضي ماهر شعيتو. وبالتالي، بات المصرف ملاحَقاً بالجرم نفسه أمام محكمتين.
كذلك رأى خصوم القاضية عون أنها تنفّذ أجندة رئيس التيار الوطني الحر لابتزاز حاكم مصرف لبنان وصحناوي، إذ إنّ هناك مصارف أخرى اشترت الدولار وشحنته، فلماذا التركيز على مصرف وإهمال مصارف أخرى؟
وكانت القاضية عون قالت أمام مجلس القضاء الأعلى “أنا غادة عون نذرت نفسي لاستعادة حقوق شعبي”، وأكدت بحسب مداخلة تم تداولها على حسابات ناشطين في التيار العوني أن “المنهوب هو الشعب اللبناني أهلي وأهلكم وحق الشعب في رقابكم كلكم كقضاة عدل”، معتبرة أن “لا خط سياسيا أو مذهبيا لي والحق هو الله وهو ناصر أصحاب الحق، والباطل والفاسد هو الشيطان الرجيم”، سائلة “هل يقبل أي منكم أن يكون رجل باطل وينصر الباطل؟”. وأضافت “أنا غادة عون وهبت نفسي للحق ولحقوق الناس فإما أن يعود الحق لأصحابه، للشعب المنهوب أو أهلك شهيدة للحق، فأخرجوني من كل أثواب السياسة والطائفية التي في يومنا هذا تحمي الباطل والسارق والفاسد”. وختمت “انتهت محاضرتي وانتهت مرافعتي في حضوري بينكم يا مجلس القضاء الأعلى بناء لطلبكم. ولا أنتظر حكمكم لأنني ابنة القضاء التي تحكم باسم الشعب ولا تحكم إرضاء للفاسدين على الشعب”.
وكانت غادة عون حضرت اليوم الأربعاء أيضا إلى مكاتب شركة مكتف في عوكر لاستكمال تحقيقاتها رغم قرار مجلس القضاء الأعلى. وأوضحت أن “أصحاب الشركة منعوني من الدخول بسيارتي فدخلت سيرا على الأقدام”. وقالت عون ان ما صدر عن مجلس القضاء الأعلى بيان لا قرار ولم أتبلغ به بعد. وما حصل من منعي دخول شركة الصيرفة بسيارتي جرم مشهود وأناشد القوى الأمنية ورئيس الجمهورية التدخل”.