الوقت- بسبب القلق العارم على أرواح ذويهم، طالب أهالي معتقلي الرأي في سجن "الحائر" أو "غوانتانامو السعودية" كما يصفه البعض، بكشف النقاب عن الحالة الصحية لذويهم من المعتقلين ظلماً وعدواناً بعد تأكدهم من انتشار وباء كورونا في جناح المعتقلين بشكل كامل، فيما أكّد حساب "معتقلي الرأي" في تغريدة على تويتر خبر انتشار حالات كورونا في جناح (٨أ) بسجن الحائر بالرياض، وذلك بعد إعطاء مجموعة منهم ما قالت السلطات أنّه "لقاح كورونا" في 1 أبريل/ نيسان الجاري، ويفتقد السجن المذكور لأدنى المعاير الإنسانية والحقوقية إذ تصف تقارير حقوقية ودولية معتقل الحائر بأنه أخطر سجون العالم وأكثرها انتهاكاً لكرامة الإنسان، لكن أن يصل الأمر بالنظام السعوديّ إلى اتباع أساليب العدو الصهيونيّ المُجرم في القضاء على الأسرى والمقاومين داخل زنازينه، فهذه قمّة الإجرام والاستبداد.
دعوات كثيرة وجهتها أسر وعائلات معتقلي الرأي في السعودية عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ لإنقاذ ذويهم من "لقاح كورونا" داخل سجن الحائر، حيث طالبت السيدة مها القحطاني، بتمكينها من الاتصال بزوجها محمد القحطاني، أستاذ الاقتصاد والناشط السياسي السعوديّ، وأحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، في 9 مارس/ آذار 2013، والذي حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات والمنع من السفر 10 سنوات أخرى بعد تجريمه بعدة تهم تتعلق بأنشطته في مجال حقوق الإنسان، حيث أثارت إصابته بفيروس كورونا قبل أكثر من 10 أيام من ضمن من اصيبوا بالوباء القاتل في سجن الحائر، هلعاً كبيراً بالنسبة لعائلته، بسبب عدم تجاوب مسؤولي في البلاد، إضافة إلى الخشية من أن يتكرر سيناريو حالات الوفاة مجدداً مع زوجها المعتقل، حيث يوجد خطر حقيقي على حياته ولا تريد عائلته أن تتكرر مأساة المعتقل عبدالله الحامد، الذي توفي في 24 أبريل/ نيسان 2020، بعد حرمانه من الرعاية الطبية.
وفي ظل الاتهامات الغريبة التي توجهها السلطات إلى معتقلي الرأي بهدف إصدار أحكام سجن طويلة ضدهم، تؤكّد تقارير إعلاميّة أنّ السلطات السعودية لا تفعل الكثير لحماية حياة السجناء المحتجزين في الزنازين المكتظة، حيث إنّ فيروس كوفيد- 19 ينتشر بشدة في السجون السعودية، بالتزامن مع سوء معاملة ممنهج وتعمد في تجاهل أوضاعهم الصحية، بما يهدد حياتهم، ويجعل أُسرهم تعيش في قلق ورعب دائم.
وفي هذا الشأن، ذكر مركز "الخليج" لحقوق الإنسان، وجود إهمال طبيّ في السجون السعودية، وأنّ بعض السجناء الذين تم تطعيمهم لديهم بالفعل أعراض فيروس كوفيد-19، موضحاً أنّ الإجراء الطبي المناسب هو عزلهم وتوفير برنامج علاج مناسب لهم تحت إشراف فريق طبيّ متخصص، وبالطبع هذا لن يحدث في السجون السعودية، وإنّ تعريض حياة السجناء الآخرين لخطر الإصابة بالفيروس، يصب في مصلحة ولي العهد السعوديّ الذي يرغب بالتخلص من معارضيه والمدافعين عن كرامتهم، رافعاً سيفه بوجه حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين، في الوقت الذي تحتاجهم السعودية بشدة للسير نحو التقدم والتطور.
يُذكر أنّ ما تسمى "إدارة مصلحة السجون" التابعة للعدو الصهيونيّ ومنذ بداية انتشار الفيروس المستجد، عملت على نشر الفيروس بين الأسرى الفلسطينيين عن طريق الإهمال الممنهج وسحب كل أدوات التعقيم والتنظيف داخل الزنازين، ما يعني أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، تعلم أصول الإجرام جيداً من صديقه نتنياهو رئيس وزراء العدو، وراح يُبدع في أساليب الطغيان ضد ناشطي المعارضة، بعد أن تخلص من أبرز منافسيه من خلال موجات من الاعتقالات التي شملت أهم وأبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، فيما شملت أيضاً دعاة وعلماء وسياسيين وتجار، ولم تستثن الأقرباء المنافسين لولي العهد كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم، وكل فترة تتجدد تلك الحملات القمعيّة.
وبسبب غياب أيّ قانون يحمي السعوديين من المعاقبة بهذا الأسلوب الساديّ، تغيب أيضاً الإحصائيّات الرسميّة حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون آل سعود، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، وتقولُ لجنة "حقوق الإنسان الإسلاميّة" التي يقعُ مقرها في المملكة المتحدة، أنّه يوجد أكثر من 30 ألف سجين سياسيّ في سجون البلاد، وتضيف إنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتصفُ السجن السياسيّ في المملكة بالـ "وباء" بحيثُ يشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.
وتبرهن الوقائع أنّ مستبدي الرياض انتهجوا سياسة "إرهاب الدولة" ضد مواطنيهم من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد استفحل هذا النهج بشكل كبير منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها.
ومع وصول ولي العهد إلى السلطة بدعم من والده الملك سلمان، توسعت سلسلة الاعتقالات لتشمل رجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء، وتنبع سياسات محمد بن سلمان الرعناء من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة خارقة بعد أن كان سابقاً أميراً عادياً داخل الأسرة السعودية الحاكمة، الشيء الذي دفعه لسجن واعتقال كثيرين.
وبما أنّ النظام الجاثم على قلوب السعوديين هو ملكيّ بالمطلق ولا يتيح أيّ مجال لمعارضة سياسيّة في البلاد التي تحولت إلى سجن كبير بالنسبة للمعارضين أو من يُتهمون بذلك، قام محمد بن سلمان بالاعتقالات التعسفيّة بحق العديد من النشطاء والسياسيين ورجال الدين السعوديين، بعدما أحس بأنّ هناك ثورة شعبيّة تتنامى في الشارع السعوديّ ولهذا فقد أسرع وقام بالكثير من جرائم الحبس والاعتقال والقتل للعديد من معارضيه الذين طالبوا بالعديد من الاصلاحات الحقيقة في السعودية، وترى بعض التحليلات أنّ خوف العائلة الحاكمة في بلاد الحرمين من أن تجتمع جميع تلك الاصوات المعارضة تحت مظلة المطالبة برحيل النظام، هو ما دفع ابن سلمان للقيام بحملته المسعورة ضد شعبه.
وفي مملكة محمد بن سلمان المعروفة باستبدادها، يُعتبر المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعلهم يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها.
وقد جعلت السلطات السعوديّة هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً، حيث لجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، خاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
وتؤكّد تلك المنظمات الدوليّة، أنّ الاعتقالات داخل السعودية تتم دون التقيد بالإجراءات القانونيّة والقضائيّة، ناهيك عن منع المعتقلين من أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية الصحيّة مع غياب كامل لتقديمهم إلى محاكم عادلة، وقد أشارت المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان، في وقت سابق، إلى أنّ السلطات السعودية تواصل احتجاز جثامين عشرات المواطنين الذين جرى قتلهم دون محاكمات قضائيّة أو نفذت في حقِّهم عمليات إعدام تعسفيّة، ودعت المنظمة سلطات البلاد إلى الاستجابة لمطالب أسرهم وتسليمهم جثامين أبنائهم بشكل فوريّ.
ولم تهتم مملكة آل سعود للانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة كـ "هيومن رايتس ووتش"، ولا حتى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، ولم يصغ المجتمع الدوليّ لدعوات لجنة "الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربيّة"، التي تطالب بإيقاف الدعم السياسيّ عن نظام آل سعود، ما يطرح تساؤلات عديدة حول آلية التعامل الدوليّة مع الرياض وغياب محاسبة قياداتها، ويعتقد البعض أنّ المجتمع الدولي إما منخرط مع السعودية مع إجرامها الداخليّ والخارجيّ، أو أنّه يقبض ثمن صمته كما كان يفعل الرئيس الأمريكيّ السابق دونالد ترامب.
ختاماً، لم تترك سلطات محمد بن سلمان وسيلة للقضاء على المعارضين إلا واستخدمتها، وإن كانت اليوم تستعمل ما تقول إنّه "لقاح كورونا" لتصفية الأبرياء، فقد وظّفت انتشار الجائحة منذ أكثر من عام، كذريعة لمواصلة أنماط قمع الحق في حرية التعبير الموجودة مسبقاً، وكان سجناء الرأيّ ومازالوا "الضحية الأكبر" في بلاد يقودها "يافع انقلابيّ".