الوقت_ في ظل حالة التوتر والفتور التي تشهدها العلاقات الأردنيّة – الصهيونيّة، ما زالت تلك القضية تتصدّر الأجندة الإعلاميّة والسياسيّة والأمنيّة في كيان الاحتلال الصهيونيّ، حيث انتقدت صحيفة عبريّة، تعامل حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو، مع الملك الأردني، عبد الله الثاني، مشيرة إلى أنّ تل أبيب تفعل كل ما بوسعها لتمس بمكانة الملك، وذلك نقلاً عن مصادر صهيونيّة مطلعة، في الوقت الذي كانت فيه علاقات عمّان وتل أبيب تتجه نحو المجهول مع اتجاه الأخيرة نحو ضم أجزاء من الضفة الغربية والتلويح بضم غور الأردن، الأمر الذي أثار حفيظة الملك الأردنيّ ودفعه للحديث عن "صدام كبير" بين بلاده والكيان الصهيونيّ الغاصب في حال أقدم على مثل هذه الخطوة.
لا يخفى على أحد أنّ الأزمة بين الكيان الغاصب والأردن تفاقمت بشكل كبير منذ وصول رئيس الوزراء الصهيونيّ بنيامين نتنياهو إلى السلطة، وما تبعها من أزمات سياسيّة ودبلوماسيّة متلاحقة، أوصلت الأمور الى الحد الذي وصف فيه الملك عبد الله العلاقة مع "إسرائيل" بأنها في "أسوأ حالاتها" وإمكانيّة أن تتفاقم الأزمة في حال قام العدو بتشريع قانون ضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربيّة، ومؤخراً بيّن المُحلّل العسكريّ لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبريّة، أليكس فيشمان، أنّ ما وقع مؤخرًا في الأردن، فتح الاحتمالات لإمكانية وقوع ما أسماها “هزة إقليميّة”، معتبراً أنّ الإسرائيليين لم يعرفوا عن هذا شيئاً، مضيفاً أنّه "لسنوات يمر قادة أجهزة الاستخبارات والأمن في الكيان بإحساس أنهم أبناء بيت في القصر".
وفي هذا الخصوص، لا تزال العلاقات بين الكيان الصهيونيّ والأردن متوترة بشدّة، إذ شهدت الفترة الأخيرة حلقة جديدة من مسلسل الفتور الذي بدأ بينهما منذ عدة سنوات، وتصاعدت حدته إبان حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وما سميت بـ "صفقة القرن" التي تهدف إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة وما تلاها من دخول بعض الدول العربيّة حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع العدو الغاشم.
وعقب محاولة الانقلاب الفاشلة بالأردن، وما تبع ذلك من تطورات حول أزمة الأخ غير الشقيق للملك، الأمير حمزة، تساءل الخبير العسكريّ الصهيونيّ، وهو أحد الأبناء المُدللين للمؤسسة الأمنيّة في الكيان، بقوله: “ماذا تساوي كل هذه العلاقات مع رجال الاستخبارات والجيش الأردنيين، إذا كان في ساعة أزمة تهدد استقرار النظام، تجد تل أبيب نفسها متفاجئة والاستخبارات الإسرائيلية تقرأ عن ذلك في الصحيفة؟”، بحسب ادعائه.
وبالتزامن مع الأزمة الدبلوماسيّة بين الجانبين، والتي أدت إلى تفاقم المشكلات بينهما، نوه فيشمان بأنّ الغرور الصهيونيّ، واللامبالاة النابعة من فائض الثقة بالذات، يضرب مرة أخرى، وفي تل أبيب لا يزالون واثقين بأنّه يكفي أنْ يقفز رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، و”الموساد” وربما رئيس هيئة الأمن القومي، للحظة إلى الأردن، وينهوا على الفور الأمور لصالحهم، وأوضح بحسب المصادر ذاتها، أنّ “ردّ الفعل الإسرائيليّ العلنيّ، كان مكالمة هاتفية بادر إليها وزير الأمن، بيني غانتس للقصر، أعرب فيها عن التأييد، أمّا ديوان رئيس وزراء العدو نتنياهو، فلا شيء، مشدّداً على أنهم في بلفور (مقر إقامة نتنياهو) واثقون بأنّ الأردن في جيبهم، وأنّ أمن النظام الأردنيّ متعلق بهم.
وقد ظهر هذا التوتر على السطح أكثر من مرة، وقد قامت عمّان في نوفمبر/ تشرين الثاني بمنع دخول الصهاينة إلى منطقتَي "الباقورة" و"الغمر" اللتين كانتا مستأجرتين من العدو المُستبد، وإعلان الأردن رفضه طلب تل أبيب مد فترة الاستئجار، إلا أنّ الخلاف مؤخراً أصبح يأخذ أشكالاً جديدة ربما تكون أكثر جدية من ذي قبل، والتي كان آخرها إلغاء زيارة رئيس الوزراء الصهيونيّ إلى الإمارات، بسبب صعوبات طرأت على تنسيق مرور رحلته عبر الأجواء الأردنيّة، بالتزامن مع إلغاء ولي العهد الأردنيّ، زيارته التي كانت مقررة قبل مدة إلى المسجد الأقصى الواقع تحت الوصاية الهاشميّة في اللحظة الأخيرة، عقب خلافات مع سلطات العدو تتعلق بالترتيبات الأمنيّة، لكن الخلاف على ما يبدو أكبر من ذلك بكثير، حيث أكّدت الصحيفة العبرية أنّ نتنياهو والملك عبد الله لا يتحدثان منذ سنوات طويلة، ويكتفيان بتوجيه الإهانات المتبادلة بين الحين والآخر، وهذا بدوره يقوض المصلحة المشتركة، غير أنّ هذا ليس موضوعًا شخصيًا، فاتفاقية السلام مع العدو الصهيونيّ التي وقعتها عمان عام 1994، فيما يعرف باتفاقية "وادي عربة"، ليصبح ثاني دولة عربيّة تقدم على هذه الخطوة بعد مصر عام 1979، هي حجر أساس في أمن الكيان، ويمنحه عمقًا إضافيًا من 350 كيلومترا حتى حدود العراق.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه التقرير أنّ الأردن يقف في وجه ما أسماه "التوسع الإيرانيّ" وتوسع “الجهاد الإسلامي”، ذكر الخبير الصهيونيّ أنّ الكيان بيد واحدة يستثمر في العلاقات الأمنية مع الأردن وفي ضرب ما وصفها بـ "المصالح الإيرانية" في المنطقة، وباليد الأخرى، تفعل كل شيء كي تمس بمكانة الملك وتفتح الباب لطهران.
بالمقابل، كشف المصدر أنّ حكومة العدو تجد صعوبةً في فهم أن التعاون مع الأردن في المسائل المتعلقة بالحرم القدسي، ليس موضوعًا دينيًا من ناحية النظام الأردني، بل هو موضوع وجوديّ، في ظل المحاولات الإسرائيليّة لتقليص صلاحيات المملكة الأردنيّة على الأوقاف الإسلاميّة في القدس وعلى المسجد الأقصى الذي يتعرض منذ مدة طويلة لهجمة شرسة من الاستهداف الممنهج، ومنذ فترة طويلة يمارس الاحتلال الغاشم ضغوطاً شديدة على وزارة الأوقاف والأردن من أجل إحداث تغييرات جذريّة في مجلس الأوقاف الإسلاميّة، لتحقيق مبتغى العدو في أن تنوب السعوديّة عن الأردن في تلك المسألة، ومؤخراً كشفت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبريّة، النقاب عمّا أسمته "صراعاً خفيّاً" بين المملكة الأردنيّة والسعودية حول الوصاية على الأماكن الإسلاميّة بمدينة القدس والمسجد الأقصى الذي يشهد بشكل متواصل اقتحاماً لحرمته من قبل الجماعات المتطرفة اليهوديّة، التي تسعى لأن يكون لها موطئ قدم داخل المسجد المبارك، بغطاء سياسيّ وقانونيّ من قوات الاحتلال المعتدية.
وبما أنّ السعودية تسعى لأنْ يكون لها موطئ قدم في المسجد الأقصى، كقوة إسلاميّة عظمى تسيطر على مكة والمدينة، تحاول إقامة وضع جديد في القدس، وهي مستعدة للاستثمار بمبالغ طائلة لتحقيق ذلك، إلى جانب تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيونيّ بشكل علنيّ، ولا غرابة في أن يستميت العدو في وضع السعوديّة على خط المقدسات، لأنّه يعلم أنّ من ضحى بكامل القضيّة لن يأبه بما سيحِل بمقدسات فلسطين ورجال دينها، وفي هذ الإطار اعتبر المُحلّل الصهيونيّ أنّ الحديث في الكيان عن إمكانية نقل المسؤولية عن الحرم إلى السعودية مثلها مثل "البصقة في وجه الأسرة المالكة الأردنية”.
من ناحية أخرى، نوهت الصحيفة العبريّة بأنّ “اتفاق السلام" الموقع بين الكيان الباغي والأردن أكثر أهمية بأضعاف من اتفاقات الخيانة مع الدول الخليجيّة، بما يتقاطع مع تصريحات سابقة لوزير الحرب الصهيونيّ، بيني غانتس، تحدث فيها أنّ العلاقات مع الأردن تمثل "ثروة عظيمة"، مشيراً إلى أنّها من الممكن أن تكون أفضل بألف مرة، بحسب تعبيره.
يشار إلى أنّ الكيان الصهيونيّ أبرم اتفاقيات عديدة في مجالات مختلفة مع الإمارات والبحرين، وتبادل المسؤولون الخليجيون الزيارات مع الصهاينة عقب توقيع اتفاق العار في العاصمة الأمريكيّة واشنطن منتصف سبتمبر/ أيلول المنصرم، ليقوم كلاً من المغرب والسودان أيضاً عام 2020، بتوقيع اتفاقيتين لتطبيع علاقاتهما مع أكثر الكيانات إجراماً ودمويّة على وجه الأرض.