الوقت - بعد جولتين من المحادثات الاستراتيجية بين مسؤولي الحكومة العراقية وإدارة دونالد ترامب، جرت جولة جديدة من المحادثات الاستراتيجية بين ممثلي بغداد وواشنطن بعد تولي جو بايدن منصبه، والتي وصفت بأنها الجولة الثالثة من المحادثات الاستراتيجية.
منذ بداية المفاوضات الاستراتيجية بين الجانبين، كان المطلب الرئيس للتيارات السياسية العراقية هو معالجة موضوع طرد القوات الأمريكية، والذي واجه بالطبع نهجًا معكوسًا من قبل واشنطن.
وفي الحقيقة، وراء كواليس المفاوضات الاستراتيجية، تسعی واشنطن لتمهيد الطريق لاستمرار وجودها في العراق.
نتائج وإنجازات الجولات الثلاث من المفاوضات؛ محاولة واشنطن استمرار الاحتلال تحت عناوين جديدة
المحادثات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، والتي تم عقد ثلاث جولات منها حتى الآن، عقدت للمرة الأولى يومي 10 و 11 حزيران 2020، بهدف مراجعة وتعزيز التعاون بين الجانبين في المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية.
في غضون ذلك، منذ الجولة الأولى من المحادثات، كانت قضية طرد القوات الأمريكية على جدول أعمال التيارات السياسية بشكل جدي، وفي الجولة الأولى تم إعداد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية، والذي بالطبع لم يتم تنفيذه عملياً.
وجرت الجولة الثانية من المحادثات الاستراتيجية في 18 آب 2020، خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لواشنطن والتي استمرت عدة أيام.
وتوصل الطرفان في الجولة الثانية من المحادثات إلى اتفاق أمني طويل الأمد لمواجهة التهديدات، بحسب ما أعلنه ترامب والكاظمي. وخلال هذه الجولة من المحادثات أيضًا، وقعت الحكومة العراقية عقدًا بقيمة 8 مليارات دولار مع خمس شركات طاقة أمريكية.
في الجولتين الأولى والثانية، كانت مسألة انسحاب القوات الأمريكية خارج نطاق تركيز المفاوضين العراقيين، ما أدى إلى انتقادات داخلية واسعة النطاق.
لكن في 7 أبريل 2021، عُقدت الجولة الثالثة من المحادثات الاستراتيجية عبر مؤتمر فيديو بين وزير الخارجية الأمريكي "أنطوني بلينكين" ونظيره العراقي "فؤاد حسين"، والتي ركزت، على عكس الجولات السابقة، على مسألة انسحاب القوات الأمريكية.
حول الجولة الثالثة من المحادثات الاستراتيجية، قالت الولايات المتحدة والعراق في بيان مشترك إن الجانبين اتفقا على أن القوات العراقية "مستعدة لتحمل المزيد من المسؤولية".
وأضاف البيان: کما "جدد الطرفان التأكيد على أن مهمة القوات الأمريكية وقوات التحالف قد تحولت الآن إلى مهمة تركز على التدريب وتقديم المشورة، ما يسمح للقوات المقاتلة المتبقية بالالتزام بالجدول الزمني المحدد في المفاوضات الفنية المستقبلية".
وفي هذا الصدد، أكد "قاسم الأعرجي" مستشار الأمن القومي العراقي، أنه خلال المحادثات مع الجانب الأمريكي، تم الاتفاق على عدم بقاء أي قاعدة عسكرية أمريكية داخل العراق. كانت الجولة الثالثة من المفاوضات ناجحةً. حيث تعهد الجانب الأمريكي بسحب عدد كبير من قواته من العراق، وأكدت الحكومة العراقية بدورها التزامها بحماية الكوادر والوفود الدبلوماسية. کما تحدثنا للجانب الأمريكي عن التقدم الذي أحرزته القوات العراقية في مكافحة الإرهاب.
خارطة طريق واشنطن في المفاوضات الاستراتيجية وکسب المزيد من الوقت
جاء إجراء ثلاث جولات من المحادثات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، فيما تقوم الاستراتيجية الرئيسة للولايات المتحدة في المفاوضات الاستراتيجية مع العراق، على تهميش قضية طرد القوات الأمريكية من هذا البلد، أو على الأقل تأجيل تنفيذ قرار برلمان بغداد بشأن طرد القوات الأجنبية، والذي تمت الموافقة عليه في 5 كانون الثاني 2020.
وبعد ثلاث جولات من المفاوضات، يبدو أن الأمريكيين حققوا إلى حد ما بعض النجاح في تحقيق هذا المطلب، خلافاً للإرادة العامة للمواطنين العراقيين والتيارات السياسية. وقد استخدموا في تنفيذ هذا الإجراء تكتيكين رئيسيين.
اللجوء إلى مسألة الإرهاب ذريعةً للبقاء
بالتزامن مع بدء المفاوضات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، كان الجدل المهيمن والمطلب الرئيس للتيارات السياسية العراقية من الحكومة، هو كيفية وضع خارطة طريق لانسحاب القوات الأمريكية والدول الأخری الأعضاء فيما يسمى بالتحالف المناهض لداعش. لكن على الرغم من هذا الهدف الأولي، يسعى مندوبو واشنطن الآن بمهارة إلى إزالة قضية طرد القوات الأمريكية من جدول الأعمال. وفي الواقع، يحاول الأمريكيون زيادة حضورهم ونفوذهم، من خلال تضخيم قضية الاحتجاجات الشعبية في مختلف المدن العراقية، فضلًا عن تسليط الضوء على خطر داعش والإرهاب.
إعطاء الأولوية للإصلاحات الاقتصادية
على مستوى آخر، حاول الأمريكيون خلال الجولات الثلاث من المحادثات الاستراتيجية مع بغداد، صرف الرأي العام عن تنفيذ القرار البرلماني بشأن طرد القوات الأجنبية، من خلال اقتراح إصلاح الهيكل الاقتصادي كأولوية قصوى. من وجهة نظر واشنطن، طالما أن إصلاح البنية الاقتصادية يمثِّل أولويةً للمواطنين، فإن قضية التدخل والاحتلال الأمريكي في العراق ليست بحاجة إلى المعالجة في الوقت الحالي. وفي هذا الصدد، نرى أن الأمريکيين يحاولون تحويل عملية التفاوض من القضايا الأمنية إلى المطالب الاقتصادية والاتفاقيات الاقتصادية، من خلال تقديم مقترحات اقتصادية خاصة إلى بغداد.
بشكل عام، إن التكتيكات الأمريكية لصرف الرأي العام والتيارات السياسية عن قضية الانسحاب العسكري الأمريكي إلى قضايا مثل الإرهاب والإصلاح الاقتصادي، والتي ترافقت مع تسامح كبير من قبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، تعرضت لانتقادات شديدة من قبل العديد من التيارات السياسية العراقية.
وبحسب التيارات السياسية في هذا البلد، كان يجب أن تركز الهيئة الرئيسية للمفاوضات الاستراتيجية على الاتفاق على كيفية إنهاء الاحتلال الأمريكي، لكن الممارسة الحالية تدل على هزيمة الفريق المفاوض العراقي أمام تكتيكات واشنطن، ونحن نشهد نوعاً من السلبية في تنفيذ عملية طرد القوات الأجنبية.