الوقت - قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 20 آذار (مارس) 2021 بتغيير محافظ البنك المركزي للمرة الثالثة خلال العامين الماضيين، لكن هذا الحدث كان له أثر سلبي كبير ولافت على سوق الصرف في البلاد. وشهدنا انخفاضاً ملحوظاً في قيمة الليرة مقابل الدولار الأمريكي. اذ أصبحت أسباب وتداعيات هذا الحدث الآن قضية جدية ويبدو أن استمرار هذه العملية في المستقبل سيصعب على حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان الفوز أكثر من اي وقت مضى في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
تراجع الليرة بنسبة 14 بالمئة مقابل الدولار
جاء التغيير في رئاسة البنك المركزي التركي بعد ثلاثة أيام من قيام المؤسسة برفع سعر الفائدة البنكية من 17٪ إلى 19٪ ، لكن هذا الإجراء كان له أثر سلبي على الفور على سوق الصرف الأجنبي في البلاد؛ كما رأينا فان الليرة التركية انخفضت بنسبة 14٪ مقابل الدولار الأمريكي، وهذه الخطوة المفاجئة من قبل أردوغان دفعت الليرة إلى أدنى مستوى لها منذ نوفمبر 2020. حيث بلغت قيمة الدولار الأمريكي الواحد حوالي 8.4 ليرات في بداية الأسبوع في أسواق شرق آسيا. وبلغ الرقم يوم الجمعة 7.22 ليرة، وهو ما يدل على انخفاض كبير تشهده العملة المحلية في البلاد. ومع ذلك، ارتفعت الليرة إلى 8.2 مقابل الدولار في سوق شرق آسيا بعد ساعات قليلة.
الحقيقة أنه قبل 10 سنوات، كان يتم صرف كل دولار أمريكي مقابل 1.48 ليرة، وقد وصل هذا المعدل إلى زيادة قدرها 7.91. وفي عام 2015 على سبيل المثال، كان كل دولار أمريكي يعادل 2.5 ليرة تركية، ومنذ ذلك الحين انخفضت قيمة الليرة بأقل من الثلث. ويأتي هذا الموقف في سياق وصول حكومة بايدن إلى السلطة واحتمال اندلاع اشتباكات جديدة بين واشنطن وأنقرة حول مختلف القضايا واحتمال فرض عقوبات أمريكية على تركيا، ما وضع احتمالية غامضة ومظلمة أمام رجب طيب أردوغان لتحسين الوضع.
دومينو طرد محافظي البنك المركزي من قبل أردوغان
في العامين الماضيين، وضع رجب طيب أردوغان سياسة تغيير محافظي البنك المركزي على جدول الأعمال في مواجهة تخفيض قيمة الليرة. حيث تمثل هذا الاتجاه بقيامه بتغيير 4 محافظين للبنك المركزي في العامين الماضيين، وهو ما يمكن اعتباره نهجاً لتجنب تحمل المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد. وهذا يعني أن أردوغان يحاول دائما التملص من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخرين في الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، حتى يتمكن من الحفاظ على فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2023.
كان تغيير محافظ البنك المركزي التركي السابق له ما يبرره إلى حد ما، ولكن في غضون ذلك، فإن النقطة التي فاجأت المراقبين السياسيين والاقتصاديين كانت الأداء الإيجابي لناجي إقبال خلال الأشهر الأربعة الماضية وإقالته من قبل رجب طيب أردوغان. حيث تمكن إقبال، الرئيس السابق للبنك المركزي التركي خلال توليه المنصب من رفع قيمة الليرة، التي كانت عند أدنى مستوى لها خلال الاشهر الأربعة هذه. وخلال فترة توليه المنصب القصيرة، حاول اقبال التصدي لارتفاع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم فوق 15 في المئة.
كما ازدادت نزعة الاستثمار في هذا البلد بعد أن أبدى المستثمرون المحليون والأجانب إعجابهم بالسياسة النقدية للبنك المركزي التركي تحت إدارة إقبال. حتى انه في الآونة الأخيرة، تمكن ناجي إقبال من رفع قيمة الليرة أكثر من خلال رفع أسعار الفائدة بنسبة 2٪. ومع ذلك، فإن استبدال اقبال بشهاب قافجي أوغلو وهو خبير مصرفي أقل شهرة، أثار مخاوف عدة.
تعرض تركيا لخطر التدفقات الكبيرة لرؤوس الأموال الأجنبية إلى الخارج
على مدى السنوات القليلة الماضية، دعا المستثمرون إلى سياسات مالية أكثر صرامة في تركيا لتعديل التضخم بأكثر من 15 في المئة ومنع المستثمرين الأجانب من المغادرة. وبالفعل، أدى ارتفاع التضخم في تركيا إلى تأخير المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في البلاد، لكن سياسات نجيب إقبال كرئيس للبنك المركزي التركي، والتي تضمنت رفع أسعار الفائدة المصرفية ووعود بسياسات مالية صارمة، قد جذبت انتباه المستثمرين ورفعت الآمال لتحسين الوضع الاقتصادي لتركيا.
ولكن الآن، يشعر المحللون والمستثمرون بالقلق من أن قرار أردوغان بتعيين شهاب قافجي أوغلو كرئيس جديد للبنك المركزي التركي قد ينثر انجازات إقبال قصيرة الأجل في مهب الريح. هذا وكتب جافجي أوغلو، الأستاذ المصرفي الأقل شهرة في مذكرة صحفية موالية للحكومة الشهر الماضي: "رفع أسعار الفائدة سيعزز التضخم بشكل غير مباشر". لكن سعر الفائدة في تركيا يبلغ حاليا 19 بالمئة، الأمر الذي جذب المستثمرين الأجانب.
وفي هذا الصدد، يعتقد روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، أن تركيا معرضة لخطر تدفق المستثمرين "الكبار" للخارج، ما سيؤثر على قيمة الليرة. وحتى الآن، هناك تكهنات بأن حكومة أردوغان قد تطيح بمحافظ البنك المركزي الجديد في المستقبل القريب لتبرير تخفيض قيمة الليرة.