الوقت - في الأربعينيات، وقبل الإعلان عن تأسيس الكيان الصهيوني، كان هؤلاء في فلسطين؛ مناحيم بيغن ورفاقه. قد ذهبوا لإخلاء الأرض من أصحابها.
في تلك الأيام، انطلقت حركة صهيونية مسلحة أرادت إقامة حكومة في فلسطين، وكانت بحاجة إلى أرض، وهذه الأرض کانت لأصحابها وسکانها وشعبها. وأخيرًا، كان يجب أن يذهب أشخاصٌ لإفراغ الأرض بأي شكل من الأشكال.
كان مناحيم من هؤلاء الناس، وكان بالطبع أسوأهم. بل كان قائدهم. فعل مناحيم كل شيء وكانت لديه مجموعة مسلحة تدعی "الإرغون" مهمتها إفراغ القرى من أهلها؛ وأحد الأمثلة علی ذلك مذبحة قرية "دير ياسين" عام 1948.
كما قاموا بزرع القنابل في كل مكان، والمثال على ذلك تفجير "فندق الملك داوود" عام 1946.
وكان لديه حزب أيضاً، وقد أسس الحزب بنفسه. ومن الأمثلة على ذلك تأسيس حزب الليكود عام 1973.
شكّل مناحيم أيضًا التحالفات وکان له الكثير من العلاقات، وهكذا وصل من قاتل إلى شخصية مهمة؛ والمثال على ذلك أنه أصبح رئيس وزراء الكيان الصهيوني عام 1977.
رأيت حلمًا الليلة الماضية!
فعل مناحيم بيغن أشياءً أخرى أيضاً. وکان يری الأحلام أيضاً! يقول: "في الليلة الماضية، رأيت النبي داود وقال لي لا تشك في عظمة إسرائيل. إن اسمي لا يهدأ إلا إذا هدأت قلوبكم".
وادعى أنه رأی هذا الحلم ليقنع رفاقه بتفجير أحد الفنادق. فندقٌ حمل اسم النبي داود عليه السلام.
وغني عن القول إنه لم يكن منزعجًا على الإطلاق من أفعاله؛ لدرجة أنه كان فخوراً بمذبحة دير ياسين، وقال: "هذه العملية كانت لها نتائج عظيمة وغير متوقعة، لأن العرب باتوا مذعورين بعد أحداث دير ياسين وهربوا، ومن بين 800 ألف عربي کانوا يعيشون في إسرائيل الحالية(أي فلسطين المحتلة عام 1948)، لم يتبق سوى 165 ألف شخص".
القتل أولاً ثم السلام!
كانت مذبحة دير ياسين إحدی العمليات الإرهابية والمجنونة للصهاينة؛ وكانت هناك جماعات مسلحة أخرى أيضاً.
إضافة إلى مجموعة إرغون وقائمة طويلة من الجرائم لتطهير الأراضي الفلسطينية، هناك فظائع في سجلهم لا يمكن محوها أو نسيانها. حيث نفذ الصهاينة سلسلةً من الأعمال الإرهابية في الأراضي الفلسطينية في أربعينيات القرن الماضي حتى تشكيل الکيان الصهيوني عام 1948، بدعم سياسي وعسكري واستخباراتي من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الغربية.
ومن بين هذه المذابح الفظيعة، قتل أهالي قرى بلدات الشيخ والعباسية والخصاص وسعسع والحسينية وقالونيا وناصرالدين وطنطورة وعين الزيتون والدوايمة والحولة.
وبعد تشكيل الكيان الصهيوني أيضاً، وجدوا أنفسهم أحراراً ليرتکبوا الجرائم کما يحلو لهم بسهولة أكبر. وبالطبع، كانوا دائماً تحت ضغط الرأي العام بسبب قتلهم لأصحاب الأرض وطردهم وتشريدهم. کما كانوا في حالة حرب مع كل جيران فلسطين حول هذه القضايا نفسها.
هنا، قام مناحم بعمل مهم آخر، حيث ذهب إلی "أنور السادات" المصري، وقال له: دعونا لا نقاتل ولا نحارب ونصنع السلام.
هذا السلام كان ضرورياً جداً للمحتلين الصهاينة من الناحية السياسية في تلك الأيام. وهکذا توجَّه مناحيم والسادات إلى أمريكا وعقدا ميثاقًا وصنعوا السلام، وحقق مناحيم ما أراده الصهاينة؛ إذ انكسر الحاجز واعترف أحد أعداء الکيان الإسرائيلي به.
جائزة لمناحيم
الآن، من هم الدجالون الذين رآهم مناحيم بيغن قبل موته؟ لابد أن مناحيم كان دائمًا فخوراً بنفسه، وكان يعتقد أنه يستطيع القيام بكل شيء، وليس لديه منافس في الدجل.
منطقياً کان يجب محاكمته ومعاقبته في المحاكم الدولية على جرائم الحرب والأعمال الإرهابية والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية؛ لكن الأكثر دجلاً من مناحيم هم أولئك الذين منحوا مناحيم جائزة نوبل للسلام! أجل، بسبب اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع السادات عام 1978.
باختصار، كان مناحيم يعرف الكثير من السحر، لكن هذا كان "السحر السامري" بحق!