الوقت- انتشر يوم الجمعة الماضية تقرير صادر عن الأمم المتحدة، جاء فيه أن العام الماضي "عام انتكاسات للفلسطينيين ومؤسساتهم واقتصادهم بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد(كوفيد-19) والأزمة المالية غير المسبوقة".
التقرير أصدره مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، وأكد التقرير أن أكثر من "نصف الفلسطينيين بحاجة الآن إلى مساعدات إنسانية، في الوقت الذي تشهد فيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية أسوأ سنواتها منذ عام 1994".
وحذر التقرير من أن "الأزمة الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة سوف تتفاقم وسيكون لها آثار سلبية على مسارات التنمية الفلسطينية لسنوات عديدة قادمة".
وأوضح أن "ما يقرب من 150 ألف فلسطيني فقدوا وظائفهم العام الماضي جراء جائحة كورونا ومن المتوقع أن يتسبب ذلك بآثار سلبية مماثلة بسبب الإغلاقات المفروضة حاليا".
وتابع "كما تقلّص الاقتصاد الفلسطيني بنسبة تتراوح بين 10 و12% – وهو أحد أكبر الانكماشات السنوية منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994".
التقرير لم يذكر اطلاقاً ما يفعله كيان العدو الاسرائيلي بالفلسطينيين، وكأن مشكلة الفلسطينيين تنحصر بفيروس كورونا. الاحتلال الاسرائيلي أسوأ من فيروس كورونا بمليون مرة. لماذا لم تتحدث الأمم المتحدة عن الأبارتهايد وعن النظام السياسي الإسرائيلي وقوانينه العنصرية على الأقلية العربية في الاراضي المحتلة وعلى المقدسيين وصولاً إلى الضفة الغربية.
لا أحد يتحدث عن حق العودة لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني إلى وطنهم، وكان الأولى من الأمم المتحدة التحدث عن عمليات الترانسفير والطرد التي طالت غالبية الشعب الفلسطيني، بسبب المجازر التي ارتكبتها عصابات الشتيرن والهاغانا وغيرهما، وتالياً بروز قضية اللاجئين الفلسطينيين التي كانت من أهم نتائج إنشاء إسرائيل عام 48 على (78) في المئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة (27009) كيلومترات مربعة.
كانت هيئة الأمم المتحدة قد أصدرت أكثر من خمسين قراراً منذ عام 1948، وجميعها يقضي بوجوب عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم جراء الطرد القسري وتدمير قراهم، فيما رفضت دولة الاحتلال على الدوام تنفيذ القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، وفي الوقت ذاته، لم يجبرها المجتمع الدولي على تنفيذ تلك القرارات في شأن فلسطين. كما أسقطت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالـ "فيتو" مشاريع قرارات لإدانة سياسات دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
ومن أهم تلك القرارات ذات الصلة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون الأول من عام 1948، وكذلك القرار 302 الصادر في الثامن من كانون الأول عام 1950، إضافة إلى القرار رقم 512 الصادر في السادس والعشرين من كانون الثاني 1952، فضلاً عن قرارات أخرى قريبة في بنودها لجهة تحقيق فرصة لعودة اللاجئين إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن، وتعويضهم عن الأضرار المادية والنفسية التي لحقت بهم.
الأمم المتحدة لا تتحدث اطلاقا عن فترة الحكم العسكري خلال عقد الستينيات من القرن المنصرم، وكذلك التمييز بين الشرائح الفلسطينية المختلفة بغرض تفتيتها، فضلاً عن حزمة القوانين الإسرائيلية الصادرة خلال العقد الأخير والتي كانت الأخطر منذ نشأة إسرائيل في أيار من عام 1948 وكان الهدف من تلك القوانين السيطرة على مزيد من أراضي الفلسطينيين المتبقية بحوزتهم وترسيخ فكرة يهودية "إسرائيل".
ومن تلك القوانين؛ قانون الجنسية وقانون النكبة الذي يحظر على الأقلية العربية إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني؛ فضلاً عن قوانين تمنع التزاوج بين أفراد من الأقلية داخل الخط الأخضر مع العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وذلك بغية الحد من التواصل الديمغرافي؛ فضلاً عن قانون المواطنة والولاء الذي يفرض على الأقلية العربية الاعتراف من خلال قسم بيهودية إسرائيل قبل الحصول على الجنسية الإسرائيلية، لكن الأخطر قانون القومية الذي صدر قبل سنوات الذي يعتبر الأقلية العربية هامشية في وطنها الأصلي فلسطين.
وقائمة التمييز العنصري تطول ضد الأقلية العربية امتدت لتشمل التعليم والعمل وموازنات البلدات العربية وصولاً إلى فقدان الأمن والأمان مقارنة بالإسرائيلي اليهودي.
ولا أحد يتحدث عن مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في الجزء الشرقي من القدس المحتلة عام 1967، حيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج، عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة من دول آسيا وإفريقيا والأرجنتين، بعد تراجعها من الدول الأوروبية، هذا فضلا عن الإعلان عن مغريات مالية إسرائيلية لرفع عدد الولادات للمرأة اليهودية المستوطنة في القدس، وذلك بغية ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية لليهود.
وفي الوقت نفسه ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس وفق المخططات الإسرائيلية سياسات إجلائية مبرمجة إزاء العرب المقدسيين، لترحيلهم بصمت عنها عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم، الأمر الذي سيؤدي إلى الإخلال بالتوازن الديمغرافي لمصلحة المستوطنين اليهود في المدينة في المدى المنظور.
وقد اتبعت إسرائيل إجراءات عديدة من أجل دفع العرب المقدسيين إلى خارج مدينة القدس، ومن بين تلك الإجراءات التي تجعل المقدسي يفقد هويته: إذا عاش الفلسطيني المقدسي خارج القدس لمدة سبع سنوات متتالية، أو حصل على جنسية أخرى، او إذا سجل إقامته في بلد آخر.
وتبعا لتلك الحالات فإن دراسات مختلفة تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو بقاءهم خارجها.
واللافت للنظر أن كل الإجراءات الإسرائيلية لترحيل المقدسيين وضعت وفق أحكام القانون الإسرائيلي الدقيق والمخططة سلفا، فصاحب الأرض، ووفقا لنسق تطور الملكية والسكان معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطنا في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات، أو سبعين سنة، أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكل الوسائل، وخاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كل الاتجاهات وتعزلها عن باقي المدن والقرى في الضفة الغربية.