الوقت- أعلنت وسائل إعلام رسمية سعودية مؤخراً أن كل شركة لها تعاقد مع أي جهة حكومية سعودية سواء كانت هيئة أو مؤسسة أو صناديق استثمارية أو أجهزة رسمية، في حال عدم وجود مقر إقليمي لها في المملكة العربية السعودية بحلول عام 2024 سوف يعلق التعاقد معها !!
من الجدير بالذكر أن هذا القرار لا يشمل التعامل مع القطاع الخاص في السعودية وإنما ينحصر بالشركات العالمية التي لها ارتباطات مع الجهات الحكومية فقط. ولكن رغم ذلك فقد ذكر مراقبون اقتصاديون أن هذه الخطوة قد توجه ضربة قاسية للاقتصاد السعودي وخاصة الاستثمار الأجنبي في المملكة لكون الخطوة المعلن عنها تتعارض مع أنظمة و قوانين و أنشطة التجارة العالمية. من الجدير بالذكر أن الجو الاستثماري في مملكة الرمال يفتقد للقوانين و الضمانات التي من شأنها أن تحمي المستثمرين من الضغوطات والابتزازت إضافة للتاريخ السعودي الحافل بانتهاكه لحقوق الانسان و اضطهاد المرأة. كل ذلك من شأنه أن يكون بمثابة ضربة قاضية للاقتصاد السعودي المتدهور في الأصل. وكان قد تعرض المسؤولون التنفيذيون في وول ستريت لانتقادات واسعة بسبب حضورهم "دافوس الصحراء" وهي مبادرة الاستثمار المستقبلي السعودية والذي كانت قد قاطعته العديد من المنظمات بعد جريمة القتل المروعة بحق الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018. و في السياق ذاته صرح مستثمرون دوليون بأن الشركات التي تعمل مع دكتاتورية السعودية فهي تشجع جكومة وحشية تستخدم قوتها لتحطيم الديمقراطية.
و منذ أن بدأت المملكة العربية السعودية في التخبط اقتصادياً بدأ مشروعها في الهيمنة الاقتصادية على الشرق الأوسط و التطلع لوضع يدها على الشركات الاقليمية التي تتخذ من الامارات العربية المتحدة على الخصوص مقراً لها بذريعة تنويع الاقتصاد السعودي.
بماذا تبرر الرياض قرارها ؟
تبرر السعودية خطوتها الجنونية في اتخاذ القرار بمنع الشركات الأجنبية من التعامل مع الجهات الحكومية بهدف توفير الوظائف والحد من التسرب الاقتصادي و رفع كفاءة الإنفاق و نقل الخبرات و ضمان أن المنتجات و الخدمات الرئيسة التي يتم شراؤها من قبل الأجهزة الحكومية المختلفة يتم تنفيذها على أرض المملكة و بمحتوى محلي ولكن السياسة السعودية لا تتغير في إخفائها ما تصبو إليه.
الأسباب الخفية لقرار وقف التعامل مع الشركات الأجنبية
تستخدم الشركات الأجنبية منذ سنوات عديدة دولة الإمارات العربية المتحدة كنقطة انطلاق لفعالياتها الإقليمية في الدول الأخرى بما في ذلك المملكة العربية السعودية. على الرغم من حجم السوق السعودي إلا أن نصيبها من المكاتب الإقليمية لا يزال خجولاً للغاية فهو لا يتجاوز 5% إلى الآن، وهذا ما جعل محمد بن سلمان يخطط لسحب البساط من تحت شقيقته الإماراتية في قرار يضر في الدرجة الأولى بمصالح الإمارات العربية. و بعد القرار التخبطي التزم المسؤولون الإماراتيون الصمت إلى أن خرج المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي ناصر الشيخ وكان لديه مايقوله للمملكة وكتب تغريدة على تويتر" أن هذا القرار يتعارض مع مبدأ السوق الخليجي الموحد" مضيفاً " التجارب العالمية و التاريخية أثبتتا أن الجذب القسري غير مستدام، والأجدى هو الارتقاء بالبيئة كما أعلنت المملكة و ستبهرنا" كانت هذه التغريدة كنوع من دس السم في الشراب حيث لايخفي بعض المراقبون الاماراتيون تخوفهم من الخطة السعودية. ويعتبر العديد من رجال الأعمال الاماراتيين أن هذا القرار ما هو إلا قرار مريع، و معادٍ للسوق والمنافسة و إرهاب للشركات.
و يرى المراقب للمشهد السعودي الاماراتي المنافسة الخفية بين الدولتين بشكل جلي منذ وقت بعيد من خلال مشروع برج المملكة الذي تقدر قيمته بحوالي 20 مليار دولار والذي لم يكتمل بناؤه، والمعروف أيضا باسم برج جدة. وهو مشروع شركة المملكة القابضة التابعة للأمير الوليد بن طلال، أحد أكبر تجار السعودية، ويهدف هذا المعلم للتفوق على أطول برج في العالم حاليا، وهو برج خليفة في دبي ولكن مايزال تاريخ الانتهاء من هذا المشروع مجهول فالمملكة العربية السعودية لا تزال تقحم نفسها بمشاريع أكبر من حجمها!!!
ويرى محللون اقتصاديون أنه و إلى جانب منافسة الإمارات فقد جاء اتخاذ بن سلمان هذه الخطوة في وقت تواجه فيه المملكة العربية السعودية صعوبات جمَة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية التي تعد حجر الأساس في رؤية 2030 المتعثرة. و يتخبط الاقتصاد السعودي في أزماته، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض الإيرادات بفعل تراجع أسعار النفط، إضافة إلى سياسة التقشف التي تتبعها السلطات فيما تحاول المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، تحفيز اقتصادها المتضرر بشدة جراء انخفاض أسعار الخام الذي يؤمن أكثر من ثلثي إيراداتها، والإغلاقات والمخاوف المرتبطة بفيروس كورونا المستجد.
وكانت الرياض قد قدمت حوافز كبيرة للشركات متعددة الجنسيات من إعفاءات ضريبية إلى مبادرة استثمر في السعوية المسؤول عن الترويج والاستثمار بالمملكة وتقدم رواتب تنافسية معفاة من الضرائب للراغبين في الانتقال إلى السعودية و بناء على ذلك قامت العديد من الشركات الأمريكية بإرسال مستشارها إلى السعودية بشكل دوري ولكن رغم كل هذه التسهيلات هل تتمكن السعودية من الهيمنة على اقتصاد الشرق الأوسط و إزاحة بقية المنافسين من طريقها و إغراء المستثمرين للخروج من دبي ؟ و هل من الممكن أن يؤدي القرار السعودي غير المسبوق إلى توتر مع الجيران بما في ذلك حلفيتها الإمارات العربية المتحدة في ظل التنافس السعودي الإماراتي على الاستثمار الأجنبي؟