الوقت- بعد 9 سنوات على الصراع الإقليميّ في ليبيا، ودخول حرب المصالح المستعرة في البلاد عامها السابع، أشارت الإمارات إلى ضرورة تجديد الجهود الدبلوماسيّة لإيجاد تسوية سلميّة للصراع في ليبيا، وزعمت أنّها مستعدة للعمل بشكل وثيق مع جميع أعضاء مجلس الأمن، بما في ذلك الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، لتحقيق تسوية سلميّة للشعب الليبيّ، وفق ادعاء المندوبة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة، لانا نسيبة.
تسوية سلميّة
من المثير للاهتمام، أنّ القائم بأعمال المندوب الأمريكيّ لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، طالب كل الأطراف الخارجية بما في ذلك روسيا وتركيا والإمارات باحترام السيادة الليبيّة، وإنهاء جميع التدخلات العسكريّة في ليبيا بشكل فوريّ، وذلك خلال اجتماع عبر الفيديو لمجلس الأمن الدولي، الخميس الفائت، لتهرع الإمارات بعد يوم واحد وتصدر بياناً على لسان مندوبتها الدائمة لدى الأمم المتحدة، لانا نسيبة، التي أبدت رغبتها في تحقيق "تسوية سلميّة" في ليبيا، ورحبت أبو ظبي بدعوة مجلس الأمن الدوليّ، إلى انسحاب جميع القوات الأجنبيّة من الأراضي الليبيّة، مشددة على أنّ التدخلات الأجنبيّة في هذا النزاع -التي تشكل جزءاً منها- يجب أن تتوقف على الفور.
ومع ازدياد اللاعبين الدوليين وبينهم الإمارات، بأرواح أبناء الشعب الليبيّ، وتصاعد حجم المأساة بسبب عدم الرغبة الدوليّة أولاً والداخليّة المرتبطة بأصحاب المصالح ثانياً، للتوصل إلى حل ينقذ البلاد من وحل الحرب، زعمت الإمارات أنّها تؤمن إيماناً راسخاً بأنّ الحلول الدبلوماسيّة والسياسيّة هي السبيل الوحيد لإنهاء الصراع في ليبيا، وأنّ تحقيق السلام والاستقرار في البلاد، ضروري لأمن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، في الوقت الذي شكلت التدخلات الإماراتيّة والتركيّة في الشؤون الداخليّة الليبيّة انتهاكاً خطيراً لسيادة البلاد وهددت مستقبل شعبها.
وفي ظل معركة "تكسير العظام" بين الأطراف المنخرطة في الصراع الليبيّ ومن ضمنها الإمارات، لفرض الشروط على الأطراف الأخرى، ادعت المندوبة الدائمة لأبو ظبي لدى الأمم المتحدة، أنّ الأولوية الأولى هي الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار وتعزيزه، لأنّ ذلك سيمكّن ويشجّع عملية سياسيّة وعمليّة انتقاليّة بقيادة ليبيّة تحقق تطلعات الشعب الليبيّ إلى الاستقرار والسلام والازدهار بما يتماشى مع نتائج مؤتمر برلين.
ولا يخفى على أحد أنّ أبرز المتدخلين على الساحة الليبيّة هما الإمارات بثقلها الماليّ وتركيا بثقلها الماليّ والعسكريّ، لتحقيق المكاسب على حساب الشعب الليبيّ تحت مسميات واهية، وتحت جناح التدخلات الأمريكيّة السافرة في أبسط التفاصيل على الساحة الدوليّة، رغم أنّ الإمارات ادعت مؤخراً دعمها للحل السياسيّ الشامل والدائم للأزمة الليبيّة، وذكرت أنّها ستقدم دعمها الكامل لـ "يان كوبيش" المبعوث الخاص للأمين العام إلى ليبيا، وإلى "زيننجا" كمنسق لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، متناسية تدخلها السافر في هذه الأرض العامرة بخيرات النفط، لتحقيق أطماعها وغاياتها القذرة.
وما ينبغي ذكره، أنّ منظمة الأمم المتحدة قدرت عدد المرتزقة والعسكريين الأجانب المنتشرين في ليبيا دعماً لمعسكريّ النزاع (حكومة الوفاق الوطنيّ الإخوانيّة، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر) بنحو 20 ألفاً، في كانون الأول المنصرم، كما أحصت الأمم المتحدة 10 قواعد عسكريّة تؤوي جزئيّاً أو بشكل كامل قوات أجنبيّة في البلاد، في ظل فشل الجهود الأمميّة في منع الطامعين بالنفوذ والثروات من تمزيق أحلام الليبيين في مستقبل أفضل، وغياب الإرادة الدوليّة الجادة لإنقاذ ليبيا من الحرب الطاحنة التي بدأت عام 2014.
وبالنظر إلى الواقع العسكريّ المرير وتحولاته، لا يمكن التكهن إلى أين ستصل الأمور في ليبيا في حال لم يتم التوصل لاتفاق سياسيّ سريع، أغلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الخميس الفائت، باب الترشح لعضوية السلطة التنفيذيّة التي ستقود المرحلة الانتقاليّة في ليبيا، حتى الانتخابات المقرر عقدها في 24 كانون الأول 2021، وفق الآلية التي أقرها ملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ في 19 يناير2021، وكلفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لجنة مكونة من 3 أعضاء من ملتقى الحوار السياسيّ الليبي بالتحقق من أنّ الترشيحات للسلطة التنفيذيّة الجديدة تتوافق مع الشروط التي تم الإعلان عنها، ومن المقرّر عقد جلسات ملتقى الحوار السياسيّ الليبيّ في جنيف، في الفترة الواقعة بين 1-5 شباط المقبل، تحت إشراف المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، وباستضافة من الحكومة السويسريّة.
هل اقترب الحل؟
يوماً بعد آخر، تزداد الأزمة الليبيّة تعقيداً في ظل الفلتان الأمنيّ والصراعات السياسيّة وغياب حكومة وحدة وطنيّة جامعة، وبالمقابل تزداد المخاوف من أن يصبح التقسيم الحالي للبلاد أمراً واقعاً تفرضه القوى المسيطرة على الأرض بدعم خارجيّ، حيث أفرزت الأزمة الليبيّة عدة سلطات في مقدمتها حكومة فايز السراج الإخوانيّة المدعومة من تركيا أردوغان ومقرها العاصمة طرابلس، أما الحكومة الأخرى فيترأسها عبد الله الثني والمدعومة من الإمارات وروسيا ومصر، ومقرها طبرق وتحظى بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وفي هذا الخصوص، تتحدث تقارير إعلاميّة عن أنّ الأزمة الليبيّة تتجه نحو الانفراج، بالتزامن مع بدء ولاية الرئيس الأمريكيّ الجديد، جو بايدن، الذي يضغط نحو إنهاء الحرب بين الأطراف الرئيسيّة في البلاد، والتي تتلقى دعماً خارجيّاً مكثفاً ساهم بشكل كبير في إطالة أمد الأزمة، حيث إنّه عقب أيام فقط من رحيل إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، طالبت واشنطن تركيا وروسيا بالشروع فوراً في سحب قواتهما من ليبيا، بينما دعت ممثلة الأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة إلى حل المؤسسات التنفيذيّة الموازية في البلاد، وذلك خلال اجتماع لمجلس الأمن الدوليّ في 29 كانون الثاني عام 2020.
وفي هذا الشأن، يمثل موقف إدارة بايدن تجاه الأزمة الليبيّة تحولاً عن سياسة إدارة سابقه دونالد ترامب، التي كانت تتسم بالغموض، فيما تزعم تركيا بين الحين والآخر أنّها ترى أن حل الأزمة الليبية بالسبل السياسيّة وليس العسكرية، حيث رحبت سابقاً بقرار إجراء الانتخابات في ليبيا، وادعى وزير الخارجية التركيّ، مولود تشاووش أوغلو، في تصريح أواخر كانون أول عام 2020، أنّ إحراز تقدم مهم في الحوار بين الأطراف الليبيّة، وأنّ أنقرة تثمن ما أسمتها "الجهود الصادقة" في التوصل إلى حل وطنيّ.
وبالمقابل، تؤكّد بعض التحليلات الأخرى أنّه لا يوجد تفاؤل كبير بإدارة بايدن في حل الأزمة الليبيّة، وتشير إلى أنّ التصريحات الأمريكية "تقليد معروف" عند كل الإدارة الأمريكية الجديدة، وخاصة أنّ الملف الليبيّ مرتبط بمركزيّة أو موقع القضية الليبيّة في سياسة الخارجيّة الأمريكية، وفي استراتيجيّة الأمن القوميّ.
وعلى هذا الأساس، فإنّ ليبيا لا تمثل دولة أو منطقة أو إقليماً أساسيّاً، سواء في الأمن الاستراتيجيّ الأمريكي، أم السياسة الخارجيّة، إضافة إلى أنها ليست مهمة في قطاع النفط إلا في بعض التوازن للسوق، لكنها لا تمثل أيّ أهمية للإمدادات النفطيّة الأمريكيّة، وجغرافياً ليست محسوبة على دول الشرق الأوسط كالخليج والكيان الصهيونيّ بشكل أساس، وفق مواقع إخباريّة.