الوقت- أصبحت السيطرة على الفضاء الخارجي، أو خارج المدار الأرضي متغيرا مهما في السنوات التي سبقت الحرب الباردة (بعد عام 1947) في السباق على زعامة العالم، بين كتلة الشرق بقيادة الاتحاد السوفيتي والكتلة الغربية بقيادة امريكا. وحتى بعد عقود، أصبحت الهيمنة على الغلاف الجوي خارج كوكب الأرض تُعرف كعامل في المنافسة الاستراتيجية، وفي سنوات ما بعد الحرب الباردة (بعد 1991) ظلت أهمية الفضاء الخارجي. لكن الشيء اللافت للنظر في هذه السنوات هو أنه إضافة إلى القوتين العظميين امريكا وروسيا، ركزت قوى محيطية أو إقليمية أخرى أيضا على إنشاء وتطوير برامج فضائية.
وفي غضون ذلك، على مدى السنوات الماضية، قامت تركيا كإحدى القوى الإقليمية وواحدة من 30 دولة لديها أقمار صناعية في الفضاء، باستثمارات خاصة في مجال برنامج الفضاء. حيث يشير اتجاه برنامج الفضاء التركي إلى أن الهدف قصير المدى للحكومة التركية والعلماء الأتراك هو دخول مجال إنتاج الأقمار الصناعية من الجيل الجديد، وعلى المدى الطويل يخططون لبناء أقمار صناعية مستقلة وإطلاقها من المحطة المحلية.
سعي أنقرة الحثيث لتصبح شركة مصنعة للأقمار الصناعية النانوية
يمكن إرجاع محاولات تركيا الأولى لدخول صناعة الفضاء، والتي تعد من بين الدول ذات القدرات الفضائية، إلى السنوات التي تلت الحرب الباردة. ففي 24 يناير 1994، أجرت الحكومة التركية الاختبار الأول لقمر الاتصالات تركسات A1، الذي سقط في المحيط بعد 12 دقيقة بسبب عطل في الصاروخ. لكن تركيا نجحت في إطلاق القمر الصناعي للاتصالات Turksat B1 في أغسطس من ذلك العام.
وباتباع نفس الاتجاه، أطلقت تركيا جيلا جديدا من الأقمار الصناعية الصغيرة منخفضة التكلفة (المكعبة) بكاميرا صغيرة منذ بداية الألفية الجديدة (2000). في الواقع، الأقمار الصناعية النانوية هي أقمار صناعية صغيرة بحجم المكعب مصنوعة بتقنية النانو وستلعب دورا مهما في استكشاف الفضاء في المستقبل، ابتداءً من الاستكشافات على المريخ إلى تعقب الكويكبات التي من المحتمل أن تهدد الأرض. في الواقع، بعد 10 سنوات من بناء وإطلاق أول سواتل نانوية، أدركت اليوم جميع وكالات الفضاء وصناعات الطيران وفرق البحث إمكانات هذه الأقمار الصناعية المصغرة لبعثات الفضاء. حيث تم بناء معظم هذه الأقمار الصناعية من قبل الطلاب وتم إطلاقها في الفضاء.
وفي غضون ذلك، أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرسوما في 13 ديسمبر 2013، بإنشاء وكالة الفضاء التركية لتسليط الضوء على جهود الفضاء في البلاد. ومن بين مهام هذه الوكالة تطوير الصناعات التنافسية والترويج العام لاستخدام تكنولوجيا الفضاء بما يتوافق مع المصالح الوطنية ورفاهية المجتمع. وكانت الأهداف الأخرى للوكالة تطوير البنية التحتية والموارد البشرية، وزيادة القدرات والمهارات، والوصول إلى التقنيات المستقلة والمرافق في مجال صناعة الطيران.
جهود أنقرة لتعزيز وتطوير برنامج الفضاء
تحتل تركيا المرتبة 26 في العالم من حيث عدد الأقمار الصناعية في أبعد مدار حول الأرض. إضافة إلى ثلاثة أقمار صناعية للرصد والاستطلاع، هذا وتمتلك أنقرة أيضا ثلاثة أقمار صناعية للاتصالات. لكن الحكومة والعلماء الأتراك تعتبر عام 2021 نقطة انطلاق لقفزاتهم في صناعة الفضاء. وفي 8 يناير 2021، أطلقت الدولة قمرها الصناعي من الجيل الخامس، Turkest 5A. وفي 14 يناير 2021 أيضا، أرسلت القمر الصناعي Aselsat 3U إلى محطة كيب كانافيرال الفضائية في فلوريدا لإطلاقه بصاروخ فالكون 9.
وإضافة إلى ذلك، تخطط الحكومة التركية لإطلاق Turksat B5 و Turksat B6 وقمر المراقبة عالي الدقة MECE هذا العام لتحسين ترتيبها بين الدول التي لديها برنامج فضائي. وفي الوقت نفسه، تعد شركة الأقمار الصناعية التركية، التابعة أيضا للحكومة التركية، رائدة في هذا المجال وتُعرف باسم شركة الأقمار الصناعية الأكثر تقدما في العالم. ويوجد أيضا في هذا البلد شركات مهمة أخرى مثل Aselsan و Roketsan و Tusas في مجال تطوير تكنولوجيا الأقمار الصناعية.
وتشير مجموع أنشطة تركيا في صناعة الفضاء إلى أن أنقرة تستعد للوصول إلى المرحلة التي يمكنها فيها إطلاق أقمارها الصناعية محلية الصنع من داخل الأراضي التركية لإنهاء اعتمادها على دول أخرى.
أهداف تركيا في تطوير صناعة الفضاء
يمكن قراءة جهود تركيا للدخول في مرحلة جديدة في بناء وتعزيز نظام الفضاء بما يتماشى مع الأهداف الأمنية. ولا شك أن الوصول إلى الفضاء الخارجي وتطوير برنامج الفضاء أصبحا جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي وحتى القوة الهجومية للقوى العظمى ضد بعضها البعض. ويتضح هذا في الأمر الذي أصدره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإنشاء جيش فضاء بميزانيات مذهلة.
في الواقع، تتمتع الدول التي نشرت أقماراً فضائية في مدارات منخفضة ومتوسطة وعالية حول الأرض الآن بميزة أمنية على الآخرين في حماية حدودها الجوية، لذا يبدو الآن أنها تتماشى مع أهداف حزب العدالة والتنمية الطموحة. ومن أجل الارتقاء بتركيا من فاعل إقليمي إلى قوة دولية، تبنى أردوغان استراتيجية الدخول في برنامج الفضاء بجدية، وبالتالي جنبا إلى جنب مع قوى عظمى مثل امريكا وروسيا والصين والهند، تسعى أنقرة من خلال زيادة العدد، وتطوير أداء الأقمار الصناعية الفضائية الى تعزيز أمنها.
وعلى صعيد آخر، تدرك تركيا أهمية الأقمار الصناعية كأحد عناصر تعزيز الدول في النظام العالمي وتسعى لتوسيع شبكتها من أقمار المراقبة والاستطلاع لتلبية احتياجاتها الاقتصادية والدفاعية والأمنية. حتى وفقاً لإعلام حكومة أنقرة، تحلم البلاد بإنتاج مركبات فضائية وكسب دخل اقتصادي ضخم من خلال بيعها وتصديرها.