الوقت- ذكرنا في الجزء الأول من هذه الدراسة لمحة مختصرة عن الفكر الوهابي السلفي. ونشير في هذا الجزء إلى بعض المصاديق التي تبين ازدواجية هذا الفكر وتناقضه بالقول والفعل إزاء القضايا الأساسية التي تهم الأمة الاسلامية وشعوب المنطقة على وجه التحديد.
1- الصمت أمام التحركات الغربية المسيئة للاسلام: ففي الوقت الذي يدّعي فيه المدافعون عن الفكر الوهابي السلفي الدفاع عن الاسلام نجدهم يلوذون بالصمت إزاء التحركات الغربية التي تسعى للنيل من ساحة النبي الأكرم محمد (ص) وتشويه صورة الاسلام الناصعة، بل وصل الأمر بهؤلاء إلى ادانة التظاهرات التي خرجت في مختلف أنحاء العالم الاسلامي احتجاجاً على هذه الإساءات ووصفوها بأنها مخالفة للتعاليم الاسلامية على حد زعمهم.
2 - بعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا سعى أنصار الفكر الوهابي إلى التنصل عن مسؤوليتهم في دعم الجماعات السلفية والتكفيرية بعدما أُتهمت بالوقوف وراء هذه الأحداث، في وقت كان فيه شيوخ هؤلاء يدعمون العمليات الإرهابية البشعة التي تستهدف كل من لا يؤمن بهذا الفكر ويستبيحون دم كل من يخالفهم اعتماداً على الفتاوى التكفيرية التي يصدرها أمثال العريفي والعرعور والعودة والبريك ومن لفّ لفهم.
3 - الصمت إزاء الانتهاكات الصهيونية المتكررة التي تستهدف المقدسات الاسلامية لاسيما المسجد الاقصى المبارك والجرائم التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، بل وصل الأمر بأنصار الفكر الوهابي إلى إدانة كل من تظاهر ضد العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة بحجة أن التظاهر مخالف لتعاليم الاسلام لأنه قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمتظاهرين، وهذا يُعد - على حد زعمهم - نوعاً من إلقاء النفس بالتهلكة. وثمة أدلة تاريخية كثيرة تشير إلى أن زعماء الوهابية أجازوا احتلال فلسطين استجابة لرغبة بريطانيا التي مهدت الأرضية لظهور الوهابية ومكّنت العصابات الصهيونية من إغتصاب أرض فلسطين وقتل وتهجير أهلها في أربعينيات القرن الماضي. كما ان هناك وثائق كثيرة تفضح علاقات حكّام آل سعود الذين يدينون بالفكر الوهابي مع الكيان الاسرائيلي على جميع الاصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والاستخبارية.
4 - التآمر على محور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، وإصدار الفتاوى التكفيرية التي تبيح للجماعات الإرهابية كل محرم لاستهداف قوى المقاومة والدول التي تدعمها لاسيما ايران وسوريا في وقت يقف فيه أنصار الوهابية موقف المتفرج إزاء الجرائم البشعة التي ترتكب بحق الشعوب الاسلامية على يد هذه الجماعات وفي مقدمتها "داعش" و"جبهة النصرة" و"القاعدة".
5 - دعم شيوخ الوهابية المستمر للنظام السعودي في عدوانه الجائر والمتواصل على الشعب اليمني المسلم وصمتهم المطبق إزاء الانتهاكات التي يرتكبها هذا النظام بدوافع طائفية ضد هذا الشعب المظلوم وضد أهالي المنطقة الشرقية في السعودية والتي تتنافى مع جميع القوانين والمقررات الدولية في وقت يدّعي فيه هؤلاء الشيوخ زوراً وكذباً الدفاع عن الاسلام والمسلمين.
من خلال هذه الاشارات والمصاديق التي أوردناها لبيان ازدواجية وتناقض الوهابية السلفية ومخالفتها الصريحة لتعاليم الاسلام والمنافية للمعايير الأخلاقية والإنسانية يتضح جلياً أن هذه الفئة لم توجد إلاّ من أجل تنفيذ مخطط رهيب يهدف إلى ضرب الأمة الاسلامية بالصميم وتحقيق رغبات أعدائها الذين يتربصون بها الدوائر ويعملون ليل نهار لتمزيق أوصالها خدمة للكيان الاسرائيلي ومن يقف وراءه ويدعمه وفي مقدمتهم أمريكا وحلفاؤها الغربيون والاقليميون. وأخطر ما في هذا المخطط هو أن يتم تنفيذه تحت مظلّة الدين، والدين منه براء لأنه لايمت له بصلة، بل تدينه جميع تعاليمه السمحة والتي تدعو كافة أبناء البشر إلى العيش بوئام وسلام والتعاون على البر والتقوى، والابتعاد عن الظلم والعدوان الذي غدت الوهابية والجماعات التكفيرية السلفية تمثل رأس الحربة فيه لطعن المسلمين وتقوية أعدائهم كي يتسلطوا على مقدراتهم وينهبوا ثرواتهم ويعبثوا بمصير أبنائهم ودولهم.