الوقت- شهدت العلاقات السياسية في أغلب الفترات، بين السعودية وقطر خلافات وتوترات، تفجر عنها أزمات سياسية أثرت بشكل أو بآخر على المنطقة، ما دفع بقوى خارجية لأن تفرض أجندات تدخلاتها بحجج الوسيط الراعي للسلام، بل لأجل توطين وجودها ونشر أفكارها الخبيثة التي تعارض أفكار إسلامنا الحنيف بالدرجة الأولى، ولتشتيت وحدة الأمة، استراتيجياً، بالدرجة الثانية.
وبسبب تكرار حالات الصراع بين الطرفين، كثيراً ما وصف المعنيون هذا الصراع بالحرب العربية الباردة التي طالما تأججت للفوز بالنفوذ الإقليمي وحسر السيطرة والتمركز مع عدم إفساح المجال للطرف الآخر بالتقدم خطوة واحدة على حساب تقدم الأول خطوات.
وبين مدّ وجزر، بين خلاف وصلح، حاولت بعض الأطراف المعنية وأخرى غير معنية بالمقاطعة التي حصلت بين السعودية ودولة الامارات والبحرين ومصر في الخامس من يونيو 2017 وبين دولة قطر، حاولت إعادة المياه الى مجاريها من خلال رأب الصدع الذي حصل بين الدول الخمس، أثمرت المحاولات عن عقد قمة في محافظة العلا السعودية تلبية لدعوة ملك آل سعود سلمان بن عبدالعزيز، جرت وقائعها في الخامس من يناير 2021.
كانت الدعوة التي دعت لها السعودية، لغرض المصالحة مع قطر، قد بنيت على أسس متعددة، عللها البعض أنها بصدد طي صفحات الخلاف بشكل كامل واللجوء الى الحوار لمواجهة تحديات مستقبلية ربما باتت تلوح في الأفق إزاء أمن المنطقة واستقرارها، وهذا ما دفع بعدد من المسؤولين العرب، ملوك وأمراء، إلى الإسراع في إجراء اتصالاتهم المباشرة بأمير قطر من جهة و ملك آل سعود من جهة أخرى، لتأمين المصالحة المنشودة، آملين بأن التأمين من شأنه أن يمهد لإنهاء أزمات دول الخليج الفارسي، وخاصة بعد التقارب الذي حصل مؤخراً، وأسفر عن عقد عدة اتفاقات مهمة ومؤثرة تجاه البلدين.
فكان، من الأسباب التي ربما شجعت الدول الخليجية على إجراء المصالحة مع قطر، بعدما كثفت في الآونة الأخيرة، أمريكا، ضغوطها لحل الأزمة الخليجية وعزل إيران بعد التمكن أو الفوز بكسب ود قطر، من جديد، هو الدور الريادي الذي لعبته العلاقات الاخيرة التي جرت بين إيران وقطر على صعيد التمتين الاقتصادي ومن ثم الاجتماعي والسياسي، وهذا ما دفع وزير الخارجية القطري للإعلان في حديث خاص له الى صحيفة فاينانشيال تايمز، بأن علاقات الدوحة بطهران سوف لن تتأثر عقب إتمام المصالحة الخليجية، أبداً، مؤكداً أن علاقات بلاده مع إيران سوف لن يطرأ عليها أي تغيير، في إشارة منه، إلى أن قطر غير مستعدة لتقديم أي تنازلات أو عقد اتفاقات من شأنها خدش علاقاتها سواء مع إيران أو مع تركيا.
إيران تعتبر دولة ذات شأن كبير في المنطقة، استراتيجياً وعسكرياً واقتصادياً، وتقع ضمن رقعة جغرافية تطلّ بها من جميع الجهات على منافذ مهمة، عالمية، تؤثر باستمرار كثيراً في مستقبل المنطقة دون أدنى شك.
ولكن في كل الاحوال، فقد أثارت حالة الحوار المتبادل بين أطراف النزاع الخليجي ومحاولة إيجاد السبل الكفيلة بإنهاء الأزمات المتواترة، كالتي حصلت بين طرفي النزاع السعودية وقطر، محاولة البدء بحوارات جادة مماثلة يمكن لها أن تأخذ بوضع المنطقة المتوتر الى ناصية الأمن والأمان، حوارات بالضرورة يجب أن تشمل جميع الأطراف المعنية في منطقة الخليج الفارسي.
وفي هذا الخصوص قال رئيس وزراء قطر الأسبق الشيخ حمد بن جاسم: إن الأجواء باتت مواتية لفتح حوار بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران؛ وكذلك أكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بأن حل المشكلات الاساسية مع إيران، هو حلّ سياسي دبلوماسي يكمن في تفادي التصعيد، مشيراً الى أن المنطقة لا بدّ أن تنتقل من مرحلة الصراعات الجيواستراتيجية الى مرحلة تفكيك الخلافات والنظر الى المستقبل.
فهناك اسباب قد دفعت أعضاء دول المجلس التعاون الخليجي إلى الإمعان والإذعان بضرورة تبني لغة الحوار بعيداً عن تدخلات القوى الخارجية التي لا يهمها من أمر أمن المنطقة سوى التأجيج والتأليب لتمرير المخططات والمؤامرات، نذكرها في التالي:
أولاً: الدول الخليجية المطبعة مع الكيان الاسرائيلي والتي أصبحت الآن مرتعاً للكيان، بعد هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية توصلت إلى استنتاج مفاده أن أمريكا لا تستطيع توفير الأمن لهم والطريقة الوحيدة لتأمين أمنها هي تفاعلها مع الدول المجاورة، بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعيداً عن القوى الخارجية.
ثانیاً: القوة العسكرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تدافع عن المصالح العليا للبلاد، وخاصة بعد الكشف عن إحدى القواعد الصاروخية الاستراتيجية للحرس الثوري على شواطئ الخليج الفارسي ويبدو أنه بعد إزاحة الستار عن هذه القواعد، الدول الخليجية التي كانت بصدد شراء الأمن من الكيان الصهيوني، توصلت إلى استنتاج مفاده أنه في حالة حدوث أي اشتباكات مستقبلية، فإن بيتها الزجاجي الذي تتمركز فيه القوات الأجنبية والصهاينة، سيكون الهدف الرئيس ونتيجة لذلك سيكونون هم الضحايا الرئيسيون.
ثالثاً: يبدو أن الإمارات، إلى جانب بعض الدول الأخرى في المنطقة، أدركت عدم جدوى الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وخلصت إلى أن إيران ليست هدفاً سهلاً لأمريكا فحسب، بل هي أيضاً قوة لا يستهان بها.
رابعاً: إن هزيمة التحالف العدوان السعودي - الإماراتي في حرب اليمن وعدم تركيع جماعة أنصار الله، دفعتهم إلى استنتاج أنه لم يتم تحقيق أي من أهدافهم في السنوات الست الماضية فحسب، بل إن أنصار الله تحوّلت إلى قوة لا يستهان بها ولم تسفر حرب اليمن إلا عن فضيحة دولية وتكاليف باهظة.
خامساً: سلط اجتماع عقد مؤخراً في محافظة العلا السعودية الضوء على فشل الدول المحاصرة في تسليم قطر، وخاصة أن قطر حضرت الاجتماع منتصرة، ولم تلبِّ أياً من شروط السعودية الثلاثة عشر وأكدت استمرار علاقاتها الجيدة مع إيران.