الوقت- كيان الاحتلال الاسرائيلي مقبل على فوضى عارمة وغير مسبوقة على أربع مستويات، الأولى متعلقة بانعدام الثقة بين الشعب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكذلك زعيم حزب "ازرق _أبيض" بيني غانتس، وبين غانتس ونتنياهو، وبين رئيس الأركان أفيف كوخافي ونتنياهو، وكذلك بين نتنياهو والجميع.
بالمحصلة لا أحد يثق بأحد في اسرائيل والأمور قادمة على المجهول، في ظل غياب الثقة، والخوف من مصير الحكومة المقبلة، والشارع الاسرائيلي لم يتوقف عن التظاهر منذ أكثر 6 أشهر مطالبا نتنياهو بالاستقالة، والأغرب من هذا أن غانتس أيضاً ليس محط ثقة عند الصهاينة، وهذا ما أكده استطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي يوم الإثنين، جاء فيه أنّ أغلبية الإسرائيليين لا يثقون في زعماء أكبر حزبين في إسرائيل.
الاستطلاع الذي نشر عبر وسائل الإعلام العبرية، أظهر أنّ 62٪ من الإسرائيليين، يرون أن رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" يتمتع بمصداقية منخفضة للغاية أو منخفضة إلى حد ما ، بينما يقول 60٪ الشيء نفسه لوزير الجيش "بيني غانتس".
بالنسبة للانتخابات فإن (48٪) يؤيدون إجراء انتخابات جديدة، فيما يعارضها 39٪، وفق الاستطلاع. ولكن سواء مع أم ضد، فإن الأغلبية العظمى 83٪ تعتقد أنه من المحتمل إجراء تصويت وطني آخر في الأشهر الستة المقبلة. كما اختبر الاستطلاع التصورات المتعلقة بمحاكمة نتنياهو بتهمة الفساد، وإدارة بايدن القادمة، والتعاون السياسي بين حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو والاحزاب العربيه.
ومع بدء محاكمة نتنياهو في مرحلة الاستدلال في فبراير، انقسم الرأي العام حول ما إذا كان سيحصل على محاكمة عادلة، حيث يعتقد 43.5٪ من المستطلعين أنه لن يحصل عليها و 44.5٪ يعتقدون أنه سيفعل ذلك. تم تقسيم ذلك على أساس الانتماء السياسي ، حيث قال أولئك الذين وصفوا بأنهم يمينيون، إن نتنياهو لن يحصل على محاكمة عادلة ، في حين قال المستجيبون من يسار الوسط إنه سيفعل.
وبين عرب إسرائيل، أظهر الاستطلاع، أنّ 41٪ يؤيدون التعاون السياسي الجديد بين نتنياهو ومنصور عباس من حزب القائمة المشتركة ، فيما يعارض ذلك 34٪. بينما اليهود الإسرائيليين ، 29٪ فقط يؤيدونها. وأدان العديد من المشرعين العرب التنسيق بين نتنياهو وعباس وأثار تكهنات بأنه قد يجبر القائمة المشتركة على حلها.
ووفقا للاستطلاع، يعتقد معظم الإسرائيليين (74٪) أن إدارة بايدن القادمة ستكون أقل صداقة من البيت الأبيض المنتهية ولايته ، مع 12.5٪ فقط يعتقدون أنها ستكون أكثر دعما.
أزمة نتنياهو وغانتس
أكد غانتس في أكثر من مناسبة أنه لا يثق برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وخلال الشهر الماضي خرج غانتس ليصرح بالقول أنه لايثق بأنّ رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، سيسمح له بالتناوب على المنصب، وفق قناة عبرية.
"الليكود" و"أزرق- أبيض" كانا قد توصلا، في أيار الماضي، إلى اتفاق يتناوب بموجبه نتنياهو وغانتس على رئاسة الحكومة، لمدة 18 شهراً لكل منهما.
فيما ذكرت القناة "12" الإسرائيلية (خاصة) أن غانتس لا يثق بنتنياهو، وذلك نقلاً عن مصادر حضرت اجتماعاً لحزب "أزرق- أبيض"، الإثنين، بزعامة غانتس.
لقد برر حزب أزرق- أبيض قراره بدخول حكومة الوحدة في ظل الحاجة الملحة لمواجهة وباء كورونا، والضرر الكبير الذي لحق بالاقتصاد، وعدم الاستقرار السياسي، والحملات الانتخابية التي لا تنتهي، وفي النهاية ستمر الجائحة، وسيكون من الصعب العثور على الغراء الذي سيستمر بربط أزرق-أبيض بالليكود، والآن سينضم للتوتر الحالي بين نتنياهو وغانتس، وجود لجنة التحقيق الحكومية في قضية الغواصة والسفينة.
أزمة نتنياهو والمؤسسة العسكرية
بما ان نتنياهو يكسب دعمه من اليمنيين المتطرفين، فإنه يحارب جميع اليساريين، ويصف زعماء الجيش الاسرائيلي والمؤسسة الامنية بأنهم يساريون، ولذلك يعمد إلى تجاهلهم في الأشهر الماضية في قرار أو فعل يقوم به، وهذا ما خلق أزمة حادة بين الجانبين، وتدهورت العلاقة بعد أن ذهب نتنياهو وحيدا إلى نيوم في السعودية والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مستويات منخفضة جدا، لأن الاستراتيجية الأمنية والسياسة الخارجية، يديرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع رئيس الموساد يوسي كوهين ورئيس مجلس الأمن القومي مائير بن شبات.
على سبيل المثال: شكلت رحلة نتنياهو السرية مع كوهين للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دون إبلاغ المؤسسة العسكرية، وقرار وزير الحرب بيني غانتس بتشكيل لجنة تحقيق في فضيحة شراء الغواصات، مؤشرات على عمق الأزمة الحاصلة في دوائر صنع القرار الإسرائيلي.
دفع هذا الأمر بغانتس للإعلان أن تسريب رحلة السعودية خطوة غير مسؤولة، لكن ما يحدث اليوم هو عرض ترويجي لما قد يحدث في حالة الطوارئ، كالمواجهة العسكرية بقطاع غزة، لأن السلوك الإشكالي لمجلس الوزراء خلال حرب غزة الأخيرة الجرف الصامد في 2014، وما شمله من اتهامات متبادلة، وتسريبات في الاتجاه المعاكس، وصعوبة في اتخاذ القرارات، سيبدو مثل لعبة أطفال في المواجهة القادمة.
لعل ما قد يفسّر خريطة الانقسام الداخلي في دوائر صنع القرار الإسرائيلي، أنه يقع ضمن ثلاث جبهات: الأولى يقودها نتنياهو ودائرته الضيقة مثل رئيس الموساد ورئيس مجلس الأمن القومي، والثانية غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، والثالثة رئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس الشاباك نداف أرغمان.
من الصعب تجاهل الضرر التراكمي الذي أصاب مكانة الجيش، مع تقلص دوره في صنع القرار، لأن إخفاء اتفاقيات التطبيع مع دول الخليج، وصفقة السلاح بين الولايات المتحدة والإمارات، وعدم اطلاع مطبخ كبار الوزراء، يجعل مثلث العلاقات بين رئيس الوزراء ورئيس الموساد ورئيس مجلس الأمن القومي تجاوز منذ فترة طويلة الممارسة المقبولة في إسرائيل، فيما يتعلق بصنع القرار في القضايا السياسية والأمنية.
هذه التطورات تشير إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يستمر باستهداف الجنرالات العسكريين بوصفهم يساريين، وهذه المرة، وضع رئيس أركان الجيش الجنرال أفيف كوخافي في مرمى النيران، لأن خطيئته أن يكون تحت حماية وزير الحرب بيني غانتس، وهو قائد سابق للجيش، وحاليا عدو سياسي مرير لرئيس الوزراء، لكن نتنياهو يتطلع لأن يدير شؤون الدولة بمفرده، ويبقيهما خارج الحلقة.
في نوفمبر، سافر نتنياهو للسعودية دون إبلاغهما، ودون تعيين بديل مؤقت أثناء غيابه، ودون إجراء نوع المشاورات والمناقشات التي تسبق هذه الخطوة التاريخية، وكذلك جاء قراره في سبتمبر 2019 بضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، دون إجراء مناقشة مهنية حول الآثار المحتملة لهذه الخطوة البعيدة المدى مع رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ما أدى لإغضابهم.
كما أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لبيع الولايات المتحدة مقاتلات إف35 للإمارات عشية التطبيع معها، دون مناقشة مع قادة الجيش والأمن، ولم يخبرهم مسبقا، وبحلول الوقت اكتشف رؤساء الأجهزة الأمنية أن نتنياهو وافق على بيع المقاتلات بعد فوات الأوان، وبات يحمل العصا من الطرفين، ولا يثق سوى بنفسه، ويتخذ القرارات بنفسه، ويغذي جنون العظمة العميق تجاه الجنرالات، ويحد من طموحاتهم السياسية.
نتنياهو وغانتس يواجهان قرارا دراماتيكيا بشأن تفكيك حكومة الوحدة، والاستعداد لجولة رابعة من الانتخابات خلال عامين.