الوقت- في خطوة مثيرة للجدل وبعد انقطاع طويل، اجتمع نائب رئيس وزراء العدو الصهيونيّ، جابي أشكنازي، مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، في جسر الملك حسين لرسم خطوط ومآلات تكثيف الجهود لإعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والصهاينة على أساس حل الدولتين، بالتزامن مع قرار السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، استئناف التعاون الأمني والاقتصادي مع الكيان الغاصب.
عقب الفتور الكبير في العلاقات بين عمّان وتل أبيب خلال السنوات المنصرمة، بسبب تعطل ما تسمى "عملية السلام" مع الفلسطينيين منذ عام 2014، إضافة إلى "صفقة القرن" الأمريكيّة الرامية لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وتبعات الخطط الإسرائيليّة في قضم أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربيّة المحتلة، وما وصلت إليه العلاقات مع الكيان منذ انقلاب حكومات اليمين الصهيوني على السلام والتزاماته، جاء اللقاء الأردني - الصهيوني بعد عدة لقاءات بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكل من الملك الأردني عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تحت عنوان تحريك ما يطلقون عليها "العملية السلميّة" المُجمّدة منذ عدة أعوام.
وبالتزامن مع التغيرات في الإدارة الأمريكيّة، بعد خسارة دونالد ترامب الداعم الشرس لحكومة نتنياهو وفوز جو بايدن الانتخابات الأخيرة، يأتي لقاء الصفدي مع أشكنازي، في الوقت الذي تزعم فيه الكثير من التحليلات الصادرة عن موالين للنظام الأردنيّ، عن أن بايدن يقف مع خيار حل الدولتين، وهذا ما يتقاطع مع موقف عمّان الظاهريّ، الذي يؤيد حل الدولتين ويدعو إلى دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس على أراضي الضفة الغربيّة.
ومع ازدياد حجم المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينيّة اليوم، والمتمثلة بـ "صفعة القرن"، والتطبيع الذي شكل طعنة في ظهر هذا البلد، ناهيك عن مخططات الاستيطان والضم التي لا تتوقف عن قضم ونهب أراضي الشعب الفلسطينيّ، تستأنف الأردن لقاءاتها مع تل أبيب بعد ربع قرن من العلاقات بينهما، ورغم إدراك القيادات الأردنية أن الكيان الغاصب لا يفهم سوى "لغة القوة".
ورغم محاولات عمان في إظهار نفسها كمدافع عن القضيّة الفلسطينيّة، من خلال هذا الاجتماع، إلا أنّه هناك إجماع عربي وفلسطينيّ على تورط الأردن في العديد من المؤامرات ضد فلسطين وربما ضد العديد من الدول العربية، بسبب ولائها التام لسياسة الغرب والمساعدة على إدارة شؤون المنطقة لصالحهم وتأمين مستقبل الاصدقاء الصهاينة.
وفي الوقت الذي تستمر فيه تل أبيب في غيها وتغولها من خلال الاستيطان، يتم استدراج السلطة الفلسطينيّة لتكون جزءًا من عملية التطبيع في المنطقة، بعد قرار محمود عباس إعادة العلاقات مع العدو قبل مدة، فيما يسعى الأردن من خلال كسر الجمود في العلاقة مع الكيان إلى بحث قضايا عالقة بينهما مثل المياه، ورفع القيود عن الصادرات الأردنية للضفة الغربيّة، بالإضافة إلى تزويد الأردن السلطة الفلسطينية بكميات إضافية من الكهرباء، وتنظيم الحركة عبر المعابر في ضوء إغلاقها جراء جائحة كورونا.
اللافت في الأمر أن اللقاء الأردني الصهيوني لم يجر على الاراضي الاردنية ولا على الاراضي الفلسطينية المحتلة، كما هو معتاد، بل في المعبر الحدودي بين الاردن وفلسطين المحتلة، حيث اعتُبر هذا اللقاء مقدمة لحالة الانفراج في العلاقات بينهما، بالرغم من استمرار العدو الصهيوني في خطواته أحاديّة الجانب، التي تستهدف القضاء تماماً على خيار حلّ الدولتين وخاصة بعد إدخال العديد من الدول العربيّة في حظيرة التطبيع الأمريكيّة دون حق قراءة بنود ما يسمى "اتفاق السلام".
وبذلك، تكون الأردن قد قدمت لحكومة الكيان ورقة إضافية على طبق من ذهب لمحاربة الفلسطينيين، في ظل التعنت الإسرائيليّ فيما يخص اطماعه في فلسطين ورفضه حل الدولتين ومنعه عودة اللاجئين وتعويضهم، مع استمرار توسعه الاستيطاني وقضمه للأراضي الفلسطينية، وخططه الرامية لتهويد القدس بناء على اعتقادات زائفة.
خلاصة القول، لم تنجح عمّان في اختيار الزمان والمكان المناسب لإقامة لقاء مع العدو الغاصب، الذي يتباهى بما يصفها إنجازات السلام مع بعض الدول العربيّة، وخاصة أنّ تل أبيب ترفض وقف الاجراءات التي تتسبب في تقويض فرص السلام منذ توقيع اتفاق الاستسلام الأردنيّ للكيان أو ما يسمى "معاهدة وادي عربة "، في الـ 26 من تشرين الأول عام 1994.