الوقت- كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن قطار التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يواصل مسيره متنقلاً بين مزيد من العواصم العربية ليحط أخيراً في العاصمة السودانية الخرطوم بعد مروره في كل من دبي والمنامة، فيما يُنتظر أن يمر القطار في عواصم أخرى من بينها الدوحة والرياض. وكان البيت الأبيض أعلن قبل عدة أسابيع، أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وقّع مرسوما برفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وأن الخرطوم وتل أبيب اتفقتا على تطبيع العلاقات بينهما. ووصف بيان مشترك "أمريكي سوداني إسرائيلي"، اتفاق التطبيع بين السودان وإسرائيل بالتاريخي، واعتبره شهادة على النهج الجريء للقادة الأربعة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، ورئيس مجلس السيادة السوداني "عبد الفتاح البرهان"، ورئيس الوزراء "عبد الله حمدوك"، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو".
وبذلك يصبح السودان ثالث بلد عربي يقيم علاقات مع الاحتلال "الإسرائيلي" خلال شهرين، والخامس الذي تسير في ركب التطبيع مع "الاحتلال" بعد توقيع كل من مصر عام 1979، والأردن في عام 1994، والإمارات والبحرين في عام 2020 اتفاقيات تطبيع رسمية مع الكيان. وحول هذا السياق، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن طائرة إدارية تركية أقلعت قبل عدة أيام، من مطار "بن غوريون" في تل أبيب مباشرة إلى الخرطوم عاصمة السودان.وأوضح إعلام العدو أن وفدا صهيونيا مصغرا برئاسة رئيس شعبة الشرق الأوسط وافريقيا في مجلس الامن القومي كان على متن الطائرة، من أجل مناقشة التعاون بين الجانبين وتمهيد الطريق لوصول وفد أكبر، والذي يتوقع أن يصل الى الخرطوم في الاسابيع المقبلة لمناقشة التعاون في مجالات الاقتصاد والزراعة والمياه. بينما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية الصادرة في لندن عن مسؤول سوداني كبير أنَّ سلطات الاحتلال طلبت من سلطات الخرطوم السماح لشركات طيران الاحتلال باستخدام مجالها الجوي بشكل منتظم عقب الإعلان عن تطبيع العلاقات بين البلدين. وفي الآونة الأخيرة رصدت مواقع رصد حركة الطيران تحليق طائرة تابعة لشركة "العال" أكبر شركة طيران صهيوني في الأجواء السودانية في طريقها إلى أوغندا، بعد تلقيها إذناً خاصاً باستخدام المجال الجوي السوداني.
الجدير بالذكر أن العاصمة الخرطوم التي عُرفت بعاصمة اللاءات الثلاث "لا صلح، ولا تفاوض، ولا تطبيع"، كانت تمثل البوابة الشرقية للقارة السمراء، الغني بأهله، وثرواته، وقيمه النبيلة والتي وقفت إلى جانب القضية الفلسطينية ولكن للأسف الشديد بعد 53 عاماً، جاء الخبر صادماً من العاصمة الخرطوم؛ بإقامة علاقات تطبيعية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ليمثل طعنة شديدة الألم في خاصرة القضية الفلسطينية. ورغم ذلك، خرجت أصوات عالية منددة بإعلان التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب، معبرةً عن نبل وقيم الشعب السوداني الأصيل تجاه قضية المسلمين والعرب. وعقب ذلك الاتفاق المشؤوم، أعلنت قوى سياسية سودانية رفضها القاطع للتطبيع مع إسرائيل، من بينها حزب الأمة القومي، وهو ضمن الائتلاف الحاكم، والحزب الوحدوي الديمقراطي الناصري.
التطبيع خيانة للأمة والقضية الفلسطينية
أعرب "معز زكريا"، الأمين العام لملتقى "القدس أمانتني" في السودان قال: إن الشعب السوداني واعٍ جداً، وثابت على موقفه القديم الذي أعلنته الجامعة العربية في مؤتمر اللااءات الثلاث، ورفضها للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي أو الاعتراف به، وقال "بكر": إن "القضية الفلسطينية حاضرة في قلوب السودانيين الرافضين للتطبيع مع الاحتلال، وللابتزاز الأمريكي في سياق انتخاباتهم القادمة". وأكد أن الشعب السوداني متمسك باللاءات الثلاث، ولن ينخدع، قائلاً: "الشعب السوداني لديه تجربة عملية من التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال مشاهدته لأوضاع الدول المطبعة مع الاحتلال مثل: أثيوبيا، تشاد، مصر وجنوب السودان". وأما الإعلامية السودانية "ميادة عبده"، فقد كتبت: "عجزت أن أكتب لساعات... لستُ أدري أيهما أكثر مرارة، التطبيع أم مبرراته الواهمة أم مآل أمرنا.
ومن جانبه كتب الإعلامي السوداني "فوزي بشرى": "التطبيع مع الاحتلال هو أكبر عملية اختطاف لإرادة الأمة السودانية، وأكبر انتهاك لتاريخها". وأما رئيس حزب "الأمة القومي" السوداني "الصادق المهدي"، أكد أن تطبيع السلطات الانتقالية في بلاده مع إسرائيل "يناقض المصلحة الوطنية العليا، والموقف الشعبي". جاء ذلك في بيان أصدره المهدي، وأعلن فيه انسحابه من المشاركة في مؤتمر لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف بالعاصمة الخرطوم، احتجاجا على التطبيع مع "إسرائيل".وقال "المهدي": "دعيت لأقدم ورقة اجتهادية بعنوان التجديد بين الانكفاء والاستلاب، وقد أعددتها لأساهم بها في جدول أعمال المؤتمر، وبصفتي ممثلاً لحزب سياسي مساهم في تأسيس الفترة الانتقالية الحالية، أعلن انسحابي من المشاركة في هذا المؤتمر". وأوضح أن انسحابه جاء "تعبيرا عن رفض بيان إعلان تطبيع الخرطوم وتل أبيب".
ومن جهته، أكد رئيس حزب "منبر السلام العادل" السوداني "الطيب مصطفى"، أن اتفاق التطبيع هو خيانة للسودان وللأمة وللأقصى، وقال "مصطفى": "أكثر ما أدهشنا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ الإسرئيليين بانتصارهم على عاصمة اللاءات الثلاث". وعدّ مصطفى أن "لا شرعية للحكومة السودانية الحالية بالتوصل إلى هذه الاتفاقيات، وهي غير مخوّلة بذلك"، مشددا على أنه: "يجب مواجهة النظام بكل ما أوتينا من قوة". وأما المفكر السوداني "تاج السر عثمان" فقد كتب على حسابه في "تويتر": "لن يجني السودان شيئا من التطبيع إلا ما جناه جنوبه من بؤس وصراعات. وحدها الإمارات بائعة هوى التطبيع من تنتظر جني الصفقة لتثبت لأخدانها قدرتها على جلب المزيد من أشباهها إلى ذات المسار".
وعلى صعيد متصل، أعلن تحالف الإجماع الوطني رفضه التطبيع مع إسرائيل، ومن أبرز أحزابه الشيوعي والبعث العربي الاشتراكي و الناصري. وقال التحالف في بيان له: "نرفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني، كما نرفض أي قرار يعنى بالتطبيع يتمّ دون تفويض من مجلس تشريعي منتخب، وخاصة في ظل تغييب كامل للشعب وقواه الحية". وكذلك رفض حزب الأمة القومي التطبيع مع إسرائيل، مستندا إلى أنه "ليس من حق سلطات الفترة الانتقالية التقرير في القضايا الخلافية الكبيرة التي هي من صميم عمل الحكومات المنتخبة". ومن جانبه، أعلن حزب البعث السوداني أنه بدأ تشكيل جبهة وطنية ضد التطبيع وتقف التيارات الإسلامية المختلفة ضد التطبيع؛ فهي ترى في إسرائيل عدوا، ومن أبرزها حزب المؤتمر الشعبي، وهو حزب المفكر الإسلامي الراحل "حسن الترابي".
تفاعل في منصات التواصل الاجتماعي ضد التطبيع
أطلق رواد مواقع التواصل العديد من الهاشتاغات التي وصلت الى الترند في السودان "# سودانيون_ضد_التطبيع"، "# التطبيع_خيانة"، و# السودان_ضد_التطبيع"، معبرين من خلالها عن رفضهم وإدانتهم لأي شكل من أشكال التطبيع. وحول هذا السياق قال الشاب "أحمد" في تغريدة: "هل من المنطقي ألا يتم إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب إلا بعد التطبيع مع إرهابيين؟ أرفض قرار التطبيع مع إسرائيل لما فيه من انتهاك لسيادة السودان ولأنه ليس من مهام الحكومة الانتقالية، ولا يجب أن يتم إلا عن طريق حكومة منتخبة وبعد استفتاء شعبي #سودانيون_ضد_التطبيع". وكتب "عروة عبد المنعم" في تغريدة على حسابه: "من السخرية أنّ رفعنا من الإرهاب المزعوم يتم بعد اتفاقنا مع دولة راعية للإرهاب تم استعمالنا كدعاية انتخابية والحكومة وقعت في الفخ، وسينتهي الدعم بانتهاء الغرض منه، وهو فوز ترامب. ليست المرحلة الانتقالية مفوضة لمثل هذه القرارات، والرأي رأي الشعب المكون العسكري فاز #سودانيون_ضد_التطبيع". أما "هالة القصواني" فقالت: "نرتضي أن نموت جوعا ولا نرتضي أن نموت ذلا وانكسارا. طبعوا مع القادة الخونة داخل القاعات، المغلقة ولكن الشعوب لن تعترف بكيان صهيوني قاتل ومغتصب. إسرائيل هي العدو الأول لكل عربي ومسلم إلى أن يرث الله الأرض. أنا سوداني أنا ضد التطبيع #سودانيون_ضد_التطبيع".
إن كل هذه الإدانات التي أطلقها أبناء الشعب السوداني ضد تطبيع الحكومة الجديدة في السودان تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال تنبض في قلوب أبناء الشعب السوداني الغيور وإنه ولو كثر الخونة والعملاء داخل الحكومة السودانية الجديدة الذين يتسابقون على الريالات السعودية والدراهم الإماراتية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن أبناء شعب السودان لن يتخلوا عن القضية الفلسطينية وسوف يقدمون الغالي والنفيس في سبيل هذه القضية.