الوقت- تتوالى تبعات فاجعة منى التي أودت بحياة الآلاف من حجاج بيت الله الحرام يوماً بعد آخر، سواءً على الحجاج أنفسهم أو النظام السعودي. ورغم كافّة محاولات التعتيم الإعلامي من قبل السلطات السعودية، أفضت هذه الحادثة إلى العديد من المتغيرات التي باتت تشكل مصدر إزعاج وربما تهديد للملك سلمان وحاشية البلاط.
بصرف النظر عن الأسباب التي أفضت إلى هذه الفاجعة الأليمة، أو تلك التي سبقتها قبل أيام في الحرم المكي موديةً بحياة حوالي 109 شخصاً، وبصرف النظر سواء كانت هاتان الحادثتان تواطئاً أو تقصيراً أو سوء إدارة، إلا أن النتائج كشفت السخط الكبير لدى الرأي العام العالمي على العائلة السعودية الحاكمة، وأفضت إلى علاقة جديدة بين الرياض وبعض حلفائها.
تغيّرات جذرية
لم تكن حوادث موسم الحج هذا العام بدءاً من حادثة الرافعة مروراً بإحتراق الخيام وصولاً إلى منى، الأولى من نوعها في إطار المشهد الدموي للطبقة الحاكمة في الرياض منذ وفاة الملك عبدالله مطلع العام الجاري، وإستلام أخيه سلمان للحكم من بعده. فعند أي مراجعة سريعة للحكم السعودي منذ إستلام سلمان زمام الأمور في الرياض، والذي بدوره سلّم مفتاح البلد لولده الشاب عديم الخبرة محمد، نرى أن هناك جملة من التغيرات على كافّة الأصعدة: سياسياً، أمنياً وإقتصادياً، أبرزها:
أولاً: تشن السعودية منذ أكثر من 6 أشهر عدواناً عسكرياً هو الاول من نوعه في تاريخ آل سعود، ورغم الدموية السعودية وكافّة المجازر، لم تحقق الرياض أياً من أهدافها الموسومة، بل تكبّدت خسائر فادحة على الصعيدين العسكري والإقتصادي، كما أن الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي اليوم، يختلف كثيراً عما كان عليه الحال قبل ستة أشهر، موعد بدء عاصفة الحزم.
ثانياً: لطالما سمعنا قدرة التأثير السعودية على العديد من الأنظمة العربية والإقليمية، إلا أن العقلية الجديدة لأمراء الرياض أثرت سلباً على علاقاتها مع العديد من الحلفاء سواء مصر، باكستان أو غيرها. اليوم، لم تعد الرياض قادرة على تسيير أنظمة الدول الفاعلة في سياق أهدافها، بل بات تأثيرها محكوماً ببعض الحلفاء هنا أو هناك، مع التأكيد على أن الأموال النفطية تلعب الدور الرئيسي في علاقات الرياض ومحاولة شرائها للذمم.
ثالثاً: داخلياً، حقّقت الرياض في العقد الأخير إستقراراً أمنياً ملحوظاً، إلا أن تورط العائلة الحاكمة بدعم الجماعات التكفيرية من ناحية، وعدوانها العسكري على الشعب اليمني من ناحية أخرى، هز الإستقرار الداخلي الذي كان بمثابة "الخط الأحمر" للملك الجديد سلمان، وهذا ما شاهدناه من خلال التفجيرات والخلايا الإرهابية في السعودية من جهة، والوضع الحالي للجبهة الجنوبية من جهة أخرى.
رابعاً: لم تعد العائلة الحاكمة متماسكة، ولو ظاهرياً على الأقل، فقد برزت بعض الاصوات المطالبة بعزل الملك سلمان، فضلاً عن المئات من التقارير التي تتحدث عن إختلافات جذرية بين العديد من الملوك بين حلف عبدالله وحلف سلمان، إضافةً إلى الصراع القائم بين ولي العهد محمد بن نايف، وولي ولي العهد محمد بن سلمان.
أبرز التداعيات
يتضح أن هذه الأسباب أثرت بشكل كبير على سمعة الرياض وإستقرار الحكم لآل سعود، وفيما يلي بعض النتائج( نكتفي بذكر نتيجتين تاركين للقارئ هامشاً واسعاً للمطالعة في الإعلام العالمي) التي ترتبت على الأسباب المذكورة أعلاه:
أولاً: قالت صحيفة الغارديان البريطانية في مقال بعنوان "نذير عاجل لكل آل سعود" إن أميراً سعودياً وصفته بـ "المرموق" طالب بتنحي الملك سلمان بن عبدالعزيز عن العرش وتغيير نظام الحكم في البلاد. ويوضح الخبر نقلاً عن أمير سعودي أن العائلة المالكة في السعودية منزعجة من الملك فيما يخص شؤون البلاد، وأما عن من يدير البلد فقد أوضح انه الملك محمد بن سلمان ابن الملك فهو من يدير شؤون البلاد، حيث انتقد الأمير السعودي "الملك" محمد بن سلمان لانه الذي تسبب في الدخول في حرب اليمن دون وضع خطط أو استراتيجيات الحرب والانسحاب. وطالب الأمير السعودي بتغيير نظام السعودية بسبب تدني أسعار النفط وسوء تنظيم الحج لهذه السنة والذي اسفر عن مقتل اكثر من 1000 حاج من جنسيات مختلفة (بعض التقارير تتحدث عن حوالي الـ4000 حاج).
ثانياً: لم تقتصر الدعوات المطالبة بفتح تحقيق جاد ودولي في حادثة منى على الشعوب العربية والإسلامية أو الدول التي تشتبك سياسياً مع الرياض في عدّة ساحات، بل سرى هذا الامر على الداخل أيضاً، فقد رفض الداعية السعودي الشيخ سلمان العودة ما تتناقله العديد من وسائل الإعلام بأن "سبب التدافع في منى هو بعض الحجاج ولا علاقة لتنظيم الأمن للحج إطلاقا". وقال العودة خلال مقاطع قصيرة عبر موقع التواصل الاجتماعي، إنه "لا يمكن أن نحمل الحجاج المسؤولية وننجو بأنفسنا"، وأردف قائلاً: "لن تنتهي هذه الحوادث طالما يوجد من يروج لمقولة إن (الحج ناجح بجميع المقاييس(".