الوقت- انتهجت السعودية خلال السنوات الماضية سياسة الإرهاب ضد مواطنيها من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد توسّع هذا النهج بشكل كبير منذ تولي الأمير "محمد بن سلمان" زمام السلطة في السعودية وقيامه بتطبيق نظامه الأمني الجديد في العديد من مدن البلاد. ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبية، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها. وحول هذا السياق، عرّفت العديد من التقارير إرهاب الدولة عموماً على أنه الاستخدام المنتظم للعنف لخلق مناخ عام من الخوف لدى عدد من السكان، ومن ثم تحقيق هدف سياسي معين، وتضيف تلك التقارير إلى أن إرهاب المؤسسات، وكثيراً ما يسمى إرهاب الدولة أو الإرهاب الذي ترعاه الدولة، يشير إلى العمل من قبل الحكومات ضد مواطني تلك الحكومة ممن هم ضد هذه الفصائل داخل الحكومة، أو ضد مجموعات أو حكومات أجنبية.
وعلى سياق متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية أنه بعد وصول ولي العهد "محمد بن سلمان" إلى السلطة، رافق قدومه سلسلة اعتقالات "لا متناهية" شملت رجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء وكذلك مواطنين من دول أخرى، إضافة إلى عمليات اغتيال خارج حدود السعودية كان أبرزها قضية قتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" التي لا تزال تلفّ بها العديد من علامات الاستفهام، ولاسيما أن السعودية لم تتعاون بما فيه الكفاية مع المحققين في هذه القضية وعمدت إلى إغلاق الملف تحت أي ظرف كان. ولفتت تلك المصادر أيضا إلى أن "بن سلمان" قام بسجن العديد من رجال الدين غير الراضين عن سياساته المنفتحة في البلاد وكان من أبرزهم الشيخ "سلمان العودة" ويعتقد العديد من المحللين أن تصرفات ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" تنبع من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة كبيرة وكان في السابق أميراً عادياً داخل الأسرة السعودية الحاكمة.
وحول هذا السياق، كشف الداعية السعودي "سعيد الغامدي" المقيم في لندن ان النظام السعودي يسعى للتخلص من رموز الصحوة الإسلامية لانه يعتبرها عائقاً أمام توسعاته الإفسادية و ظلمه و قهره للناس و أخذ الأموال. واضاف "الغامدي" خلال مقابلة صحفية، أن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" يعتبر الصحوة عائقاً رئيساً في وجه التطبيع والتصهين الذين يمضي فيهما اليوم بخطا حثيثة. و تابع "الغامدي" قائلاً، ان "المشايخ في سجون ال سعود هم من رموز التوسط والإعتدال في البلاد ولا يمكن اعتبارهم او وصفهم بأي حال من الأحوال انهم متطرفون في افكارهم و آرائهم أو مواقفهم بل كانوا من أكثر الناس اعتدالاً و دعوة للاعتدال والوسطية ونبذاً للعنف و تنديداً به". وبرأي "الغامدي" فإن هؤلاء المشايخ اختارهم "ابن سلمان" بسبب رمزيتهم العالية وليقول للناس الاخرين باننا اذا طعنّا بهؤلاء الناس الذين ترونهم وسطيين ومعتدلين فإننا سوف نفعل ذلك بأمثالهم أو بمن هو أقوى منهم واشد... الرسالة تتضمن هذا المعنى.
ومن جانبه، كشف "عبد الله"، نجل الداعية السعودي الموقوف الشيخ "سلمان العودة"، تفاصيل عن المعاناة التي يواجهها والده منذ ليلة توقيفه من منزله بالرياض، في 9 أيلول 2017. وحول ملابسات اعتقال والده، قال "عبد الله" إن "شخصا مجهولا هاتف والده في 9 سبتمبر 2017، وبدأ يتحدث عن المطعم الذي كان فيه يومها والمسجد، وكأنه يوصل له رسالة بأنه مُراقب". وتابع "عبد الله"، "حين فتح والدي الباب كانت هناك مجموعة كبيرة بلباس مدني عرفوا أنفسهم بأنهم أمن دولة. أمسكوا بالوالد على عجل، وطلبوا منه الذهاب معهم، دون أن يخبروه بالسبب أو أن يبرزوا هوياتهم، مؤكدين أن الأمر لن يتعدى ساعات قليلة". وأشار إلى أن والده خاض فصلا أكثر رعبا بمحاكمة غامضة في أيلول 2018 في ظروف سرية. وأوضح أن والده يواجه 37 تهمة بينها الإفساد في الأرض بتأليب المجتمع ودعوته للتغيير في الحكومة السعودية، والانضمام لاتحادات وجمعيات عالمية وتأليب الرأي العام وإثارة الفتنة. ووجه "عبد الله" انتقادات للنيابة العامة والقضاة، مشيرا إلى رفض السلطات حضور أطراف مستقلة لإجراءات التقاضي، مع الإبقاء على والده في الحبس الانفرادي حتى الآن.
وقبل عدة أيام، كشف قال ابن الداعية الإسلامي "سلمان العودة"، إن محكمة سعودية أجلت الأحد محاكمة والده، الذي قد يواجه عقوبة الإعدام، في اتهامات تتعلق بالإرهاب. يأتي ذلك فيما عبرت منظمة العفو الدولية عن قلقها من تنفيذ حكم الإعدام بحق العودة. وكتب "عبدالله العودة" في حسابه بتويتر "لم يتم إحضار والدي إلى قاعة المحاكمة"، مضيفا "الجلسة المقبلة ستكون في كانون الأول". يذكر أن السعودية كانت قد أعدمت في نيسان 37 سعوديا معظمهم من الأقلية الشيعية بعد تلفيقها العديد من الجرائم المتعلقة بالإرهاب لهم. ولقد أدانت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تنفيذ أحكام الإعدام وعبرت عن قلقها بشأن عدم مراعاة الأصول القانونية وضمانات المحاكمة العادلة وقالت إن ثلاثة على الأقل منهم كانوا قصر عند الحكم عليهم.
وفيما يتعلق بهذا التأجيل، يرى العديد من الخبراء أن الرياض قامت بهذه الخطوة لأنها تعلم جيدا أنها لو قامت بتنفيذ حكم الاعدام بحق الدعاية "سلمان العودة" فإن الشارع السعودي سوف يغلي وقد تؤدي هذه الخطوة إلى نشوب احتجاجات شعبية داخل البيت السعودي ضد الانتهاكات التي قام بها ولا يزال يقوم بها النظام السعودي في حق أبناء الشعب السعودي. وقبل جلسة محاكمة العودة، حذرت منظمات حقوقية من أن يكون الإعدام هو مصير الداعية الإسلامية البارز، ووجهت منظمة العفو الدولية طلباً إلى السعودية بضرورة الإفراج عنه. وقالت "لين معلوف"، مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: "تعقيباً على مطالبة المدعي العام السعودي بإعدام العُودة، إن العودة منذ اعتقاله قبل ما يقرب من عامين، مرّ بظروف مروعة، من بينها الاحتجاز المطول قبل المحاكمة، والحبس الانفرادي شهوراً، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وكلها تعد انتهاكات صارخة لحقه في محاكمة عادلة."
وأضافت أن السلطات السعودية تستمر في ادعاء أنها تحارب الإرهاب، في حين تجري هذه المحاكمة، وكذلك محاكمة الناشطين الآخرين، ومن بينهم الرجال الـ37 الذين أُعدموا في نيسان الماضي، بدوافع سياسية بشكل واضح، وتهدف إلى إسكات الأصوات المستقلة في البلاد. وأكدت "معلوف" أن الشيخ "العودة" يدعو إلى مجتمع من شأنه وضع حد لتهميش المواطنين الشيعة السعوديين. لهذا السبب، فهو يعاقَب. وبالطريقة نفسها، فإن النساء والمدافِعات عن حقوق المرأة اللاتي طالبن بمزيد من الحقوق، يتعرضن للعقاب بالمثل.
الجدير بالذكر أنه نشبت خلال الايام الماضية حرب تغريدات على تويتر بسبب المخاوف من إعدام "العودة، الذي يعد من أعلى الدعاة شعبية في المملكة ويوصف من قبل الباحثين المتخصصين في الشأن السعودي بالاعتدال، وله ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي. واتخذت محاكمة "العودة" صدىً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي منذ مساء يوم السبت الماضي، وتصدَّر هاشتاغ "سننقذ سلمان العودة" قائمة التغريدات الأكثر تداولاً في المملكة. وقال نجل "العودة"، إن "وسم #سننقذ_سلمان_العودة" وصل إلى التريند في السعودية رغم ما وصفه بحشود الذباب الإلكتروني والمجندين الأمنيين في أوكار البغي والاستبداد.. ويدل هذا على التعاطف الشعبي الضخم والانحياز إلى قيم العدالة في المجتمع والحمد لله. وأعرب المشاركون في الهاشتاغ عن تضامنهم الواسع مع الشيخ العودة، ووصفوا محاكمته بأنها "غير نزيهة"، كما طالبوا المملكة بالإفراج الفوري عنه. إن كل هذه الاحداث تؤكد بأن النظام السعودي أصبح خائفاً جداً من القيام بجرائم أخرى في حق أبناء الشعب السعودي والاقليات الشيعية لأنه أصبح يدرك جيدا أن المجتمع الدولي والمجتمع السعودي لن يظلوا مكتوفي الأيدي وسوف يطالبون بمعاقبة القادة السعوديين وعلى رأسهم "ابن سلمان" إذا قدم على حماقة جديدة.