الوقت- في ظل الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها الإمارات بعد انتشار فيروس كورونا، يضطر آلاف العمال الأجانب إلى النوم في شوارع إمارة دبي المعروفة بناطحات السحاب العاليّة والكثيرة، بعد نفاد نقودهم بسبب قواعد الإغلاق العامة، وعدم تمكنهم من العودة إلى بلدانهم، حيث وجد أولئك العمال أنفسهم بين نارين نتيجة "الكساد الاقتصاديّ" في أعقاب جائحة كورونا، ما أرغمهم على النوم في الحدائق العامة، فيما طُولبت السلطات الإماراتيّة بإيجاد حلول لمشكلاتهم، عن طريق دفع تعويضات لهم أو مساعدتهم على العودة إلى أوطانهم.
حياة مُهددة
مما لا شك فيه أنّ ما يُسمون "عمال الياقات الزرقاء"، أيّ المهاجرين من البلدان الفقيرة في الإمارات، يحصلون على "الفُتات" من ناحية الأُجور مقارنة بغيرهم، رغم ساعات العمل الطويلة، لكن حياتهم بعد جائحة كورونا تحولت إلى جحيم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالأفضل بينهم الآن، يعيش ضمن مساكن ضيقة تُشكل بؤراً حقيقيّة للفيروس المستجد.
وفي ممارسة معهودة في مجال الوظائف المنخفضة الأجور في الدول الخليجيّة النفطيّة، يدفع الكثير من العمال المهاجرين رسوماً لوكالات التوظيف في أوطانهم للحصول على العمل، لكنهم يفقدون أعمالهم بلحظة واحدة دون أن تشفع لهم سنوات العمل الطويلة، ومع انتهاء مدة الإقامة للكثيرين منهم، لم يجدوا سوى حدائق دبي مأوى لهم.
ووفق مؤسسة "اكسفورد ايكونوميكس" البحثيّة، فإنّ الوضع الحالي في الإمارات يهدد ما يقارب 900 ألف وظيفة في بلد يقل تعداد سكانه عن 10 ملايين نسمة، وهذا ينطبق أيضاً على بعض القادمين للإمارات بتأشيرة سياحيّة ذات 3 أشهر.
وفي الوقت الذي قدمت فيه الإمارات عفواً عن الغرامات الضخمة المفروضة بسبب تجاوز مدة الإقامة، إلا أنّ الكثير من العمال المهاجرين غير قادرين على تحمّل أعباء تكاليف تذاكر الطيران المرتفعة جداً أو رسوم الخروج، وبما أنّ السفارات والسلطات الإماراتيّة استغرقت وقتاً طويلاً للتعامل مع القضيّة، تحمّل متبرعون من القطاع الخاص الإماراتيّ مسؤوليّة دفع تكاليف تذاكر الطيران للبعض، فيما نقلت شرطة دبيّ مهاجرين آخرين إلى معسكرات الإقامة المؤقتة، وفق قناة الجزيرة التابعة لنظام آل ثاني في قطر.
عنصريّة إماراتيّة
أشارت بعض المواقع الإخباريّة، نقلاً عن بعض القنصليات في الإمارات، أنّه تم ترحيل أكثر من 480 ألف هنديّ و60 ألف باكستانيّ و40 ألف فلبينيّ إلى أوطانهم منذ بدء تفشي فيروس كرونا المستجد، فيما يحاول بعض المتطوعين تقديم يد المساعدة، من خلال تنسيق الرحلات الجويّة للعمال المهاجرين المشردين أو الاعتماد على الأصدقاء والمعارف للعثور على متبرعين، وشراء تذاكر سفر للعمال المهاجرين، بيد أنّ سلطات الإمارات تفرض قوانين صارمة حول جمع التبرعات، ما يُعرقل الجهود الراميّة لانتشال أولئك العمال من التشرد وتبعاته.
وتتهم بعض الجهات الإمارات بالتعاطي مع العمال المهاجرين بعنصريّة، حيث كشفت بعض المصادر أنّ سلطات البلاد طلبت من مجموعة متطوعين، التوقف عن تأمين الطعام للمشردين في الشوارع والحدائق، لمنع توافد المزيد منهم وفق المزاعم الحكوميّة.
ومن الجدير بالذكر، أنّ مجموعات تطوعيّة عديدة تعمل على تنظيم حملات الطعام على مستوى المدينة، لإدراكهم أنّ أغلب العمال المهاجرين لم يعملوا منذ عدة أشهر، أي إنّهم لا يملكون قوت يومهم، ناهيك عن المشكلات والأعباء والمسؤوليات التي يحملونها على عاتقهم، وأبرزها افتقارهم للمال ما يجعلهم مشردين في الأزقة التي تُحيطها الأبراج العاليّة.
وبناء على ذلك، لا يمكن تخيل الوضع المأساويّ الذي يعيشه العمال المشردون الذين يكتفون بوجبة واحدة في اليوم بسبب الفقر المُدقع، ما يجعل حلمهم الوحيد العودة إلى ديارهم التي على الأقل ستقيهم البرد والحر وتحميهم من "العيش السقيم" جوعاً أو تشرداً.
ومع تواضع جهود المنظمات غير الحكوميّة بالرغم من أهميتها الشديدة، إلا أنّها لن تستطيع في أيّ حال من الأحول تغطية جميع الاحتياجات المطلوبة، والتي يجب أن تتحمل مسؤوليتها بالكامل دولة الإمارات التي تتنفس من رئة العمالة الأجنبيّة.
وما ينبغي ذكره، أنّ إمارة دبي كانت قد باشرت رفع الحظر الساري على إصدار التأشيرات في تموز المنصرم، ضمن قيود محددة، إضافة إلى العديد من الإجراءات الاحترازيّة والوقائيّة اللازمة لمواجهة جائحة كورونا، فيما قامت الدول الست الأعضاء في ما يُسمى "مجلس التعاون الخليجيّ" برفع حظر التجوال وإجراءات العزل العام، لكن القيود المفروضة على التجمعات وسفر الأجانب ظلّت ساريّة، في الوقت الذي تجاوزت فيه أعداد الإصابات الـ 800 ألف وعدد الوفيات 6800 حالة في الدول الست.