الوقت-في الأشهر الأخيرة، اشتد النقاش حول المحادثات بين الأكراد بين الأكراد السوريين، ومنذ بداية الأزمة السورية عام 2011 ، انقسم الأكراد السوريون إلى مجموعتين رئيسيتين: المجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري (PYD).
وعلى الرغم من أنّ جميع المناطق التي يسيطر عليها الأكراد تسيطر عليها الفروع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) ، إلا أنّ الأحزاب الكردية الأخرى، التي تضمّ أكثر من 25 حزباً كبيراً وصغيراً، دعت إلى العودة إلى المناطق الشمالية من سوريا واستخدام قواتها العسكرية في مجال المعادلات الميدانية، ولطالما عارض حزب الاتحاد السوري الديمقراطي هذا المطلب بشدة، وحتى الوساطة التي قام بها مسعود بارزاني، الزعيم السابق لإقليم كردستان، لم يكن لها أيّ تأثير على تعزيز المفاوضات بين الجانبين.
وعلى الرغم من كلّ هذا، يبدو من خلال السياق الجديد للمعادلات الكردية الداخلية، أنّ عملية مفاوضات جادّة قد بدأت بين الفصيلين الرئيسيين للأكراد السوريين، والتي عقدت الجولة الأولى منها حتى الآن. وفي ظلّ الظروف الحالية ، يبدو أن الأمريكيين قرّروا مراقبة عملية توافق الأكراد السوريين وإدارة التطورات في شمال سوريا بشكل يصبّ في اتجاه مطالبهم، والسؤال الذي يطرح نفسه هو في أيّ مرحلة تمرّ المفاوضات والاتفاقيات الكردية السورية حالياً، وما هو دور أمريكا فيها؟ للإجابة على هذا السؤال ، يمكن التطرّق إلى محورين رئيسيين.
محادثات أكراد سوريا من الخلاف إلى الاتفاق على استمرار المحادثات
ترجع خلفية المحادثات بين الفصيلين الرئيسيين لأكراد سوريا، أي حزب الاتحاد الديمقراطي السوري والمجلس الوطني للأكراد السوريين، إلى عام 2013 ، خلال محادثات أربيل بإشراف مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق آنذاك. في ذلك الوقت، أراد بارزاني التوفيق بين الأكراد السوريين لإرضائهم على التعاون والتنسيق في المعادلات الميدانية السورية. وفي هذه المرحلة، على الرغم من التوصل إلى اتفاقات مبدئية بين الطرفين، ولكن بعد مرور فترة قصيرة، رفض حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، الذي يعتبر الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، صراحة أي اتفاق حول دخول المجلس الوطني إلى المعادلات الميدانية.
وعقب هذه المحادثات، لم تُعقد أي محادثات جديدة بين الأكراد السوريين، وفي أوائل حزيران بدأت الجولة الأولى من المحادثات الجادّة بين الجانبين من قبل "مظلوم عبدي كوباني"، القائد العام للجيش السوري الديمقراطي، وبوساطة من أمريكا، تحت عنوان مفاوضات من أجل إئتلاف أكراد سوريا. وأشارت تقارير نتائج هذه الجولة من المحادثات، إلى نجاح المحادثات بين الجانبين، وأن الكرد السوريين وافقوا على الأقل على ضرورة مواصلة المحادثات.
ومن الجدير بالذكر، أن انتهاء الجولة الأولى من المحادثات الناجحة بين حزب "إنكس" وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري (PYD) رافقه تطوّر آخر شكّل تحدياً كبيراً للمفاوضات، وهو إنشاء حزب سياسي جديد يسمى الوحدة الوطنية الكُردية المكوّن من 25 حزباً وتيّاراً سياسيّاً كرديّاً، ما دفع حزب التحرير الوطني إلى اتخاذ موقف دفاعي، إلى حدّ رفض المجلس مواصلة المفاوضات مع التحالف الجديد، وأصرّ على استمرار المفاوضات مع حزب الاتحاد الديمقراطي.
ومع ذلك، يبدو أنّ موضوع الاتفاق بين الأكراد السوريين قد اتخذ شكلاً أكثر جدّيّة خلال الأيام الأخيرة، وهناك أدلّة على أن أمريكا ستكون المُشرف الرئيس على الجولة الثانية من المحادثات بين الأكراد. وتشير الدلائل إلى أن زهرة بيللي، مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية لمنطقة شرقي الفرات السوري، ومظلوم عبدي "مظلوم كوباني" قائد القوات الديمقراطية السورية، اتفقا على عقد جولة جديدة من المحادثات بعد اجتماعهما في قاعدة عسكرية في الحسكة.
وبحسب مصادر كردية محلية، فإن وزارة الخارجية الأمريكية ستشرف على الجولة التالية من المحادثات بين الأطراف الكردية السورية من خلال بيللي، لتحلّ محلّ وليام روباك، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا. وبحسب هذه المصادر، ستناقش بيللي ومظلوم عبدي الجولة المقبلة من المحادثات بين الأكراد السوريين وعودة قوات البيشمركة روج آفا إلى المناطق الكردية في شمال شرق سوريا.
ماذا تريد أمريكا من طاولة المفاوضات الكردية السورية؟
على الرغم من الإرادة الجادّة للأكراد للتفاوض والتوصل إلى اتفاق، فإن السؤال المطروح الآن هو لماذا تنوي أمريكا في الظروف الحاليّة، تمهيد الطريق للتوصّل إلى اتفاق بين الفصيلين الكرديين السوريين الرئيسيين من خلال الإشراف على الوضع الحالي بدقة، وللإجابة على هذا السؤال، يمكننا الإشارة إلى ثلاثة محاور رئيسة.
1. قلق أمريكا من اقتراب الأكراد السوريين من دمشق: في السنوات الأخيرة الماضية، كان لنقض الالتزامات الأمريكية المتكررة لحلفائها في شمال سوريا ، أي الأكراد، تأثير عميق على تغيير نظرتهم إلى الحكومة المركزية السورية. في الواقع، كان الأكراد السوريون يأملون في الحصول على مكانة خاصة في سوريا في المستقبل بدعم من واشنطن، إذ تكون في شكل حكم ذاتي أو فدرالي، ولكن على عكس جميع تصوّرات أكراد سوريا، فقد أدركوا جيّداً أنّ واشنطن لن تدعمهم بأيّ شكل من الأشكال، بعد الغزو التركي لعفرين وشرق الفرات..
ونتيجة لذلك، اتجه الأكراد السوريون خلال الأشهر الأخيرة نحو عقد اتفاق مع الحكومة المركزية. في هذه الأثناء، تعتزم أمريكا الآن وضع حجر عثرة أمام رغبة الأكراد السوريين في الاتفاق مع دمشق مرة أخرى من خلال تقديم وعود جديدة والتوسّط فيما بينهم. لكن الحقائق على الأرض تظهر أنّ إعادة ثقة الأكراد بواشنطن لن تؤدّي سوى إلى هزيمة لهم.
2- استمرار الأزمة في سوريا: يمكن تقييم هدف أمريكا الآخر في دعمها للمحادثات الكردية السورية، هو فيما يتعلّق باستمرار الأزمة في سوريا. في الواقع ، ينوي الأمريكيون توسيع دائرة الأزمة في البلاد من خلال إثارة قضايا مثل الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا. إنهم يدركون جيداً أن حلّ أزمة إدلب سيتحدّد في المستقبل القريب، وأنّ هناك احتمالاً بأن يوافق الأكراد السوريون على إعادة المناطق الخاضعة لسيطرتهم الى دمشق. في مثل هذه الظروف تنوي أمريكا إشعال نار الانقسام والأزمة في سوريا من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها.
3- إنشاء قاعدة عسكرية استراتيجية في شمال سوريا: على الرغم من أن الأمريكيين أقاموا العديد من القواعد العسكرية في شمال سوريا منذ بداية الأزمة السورية، ولكن في الوضع الراهن، يبدو أنهم ينوون إنشاء قاعدة استراتيجية كبيرة من خلال تعزيز قوة الأكراد. وبناءً على معلومات تمّ الحصول عليها من مصادر ميدانية، بدأت أمريكا مشروع بناء أكبر قاعدة جوية لها وأكثرها استراتيجية في شمال سوريا. وهذا يظهر الأهمية المتزايدة لشمال سوريا بالنسبة للاستراتيجيين العسكريين في البيت الأبيض، في ضوء الضغوط المفروضة على أمريكا لسحب قواتها من العراق، الذي يستضيف على أراضيه أكبر وجود عسكري أمريكي في المنطقة.
وبحسب التقارير المُعلنة، أطلقت أمريكا مشروعاً رئيساً لإنشاء قاعدة جوية وأرضية دائمة في مدينة الحسكة في منطقة الشدادي. في غضون ذلك، تعرف واشنطن جيّداً أنّ هذه القاعدة لا يمكن أن تنجح إلا إذا سيطر الأكراد على المنطقة. لذلك، تعتزم أمريكا المحافظة على الوضع الراهن لإنشاء هذه القاعدة من خلال دعم المفاوضات الكردية.