الوقت- أعلنت الجماعات الكردية في سوريا نيتها بالدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة دمشق الشرعية وذلك من أجل التوصل إلى تسوية سياسية ولقد جاءت هذه الخطوة الكردية عقب إعلان الحكومة الأمريكية بأنها ستقوم بإخراج قواتها العسكرية من سوريا في القريب العاجل وهذا الأمر زاد من خوف الأكراد السوريين من الهجمات العسكرية التركية المحتملة على أراضيهم، تجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الأخيرة، عانى الأكراد السوريون كثيراً؛ فمن ناحية، عانوا من ظلم وويلات تنظيم "داعش" الإرهابي، ومن ناحية أخرى، عانوا من الوجود الأمريكي في أراضيهم الذي عمل على خلق الكثير من الخلافات بين الجماعات الكردية المختلفة ولذلك، فإن الأكراد السوريين يعيشون في وقتنا الحالي في خضم عاصفة من الأحداث التي جاءت نتيجة لبعض السياسات الدولية وكذلك لنوايا بعض القوى الداخلية الرجعية.
وخلال السنوات الثماني الماضية، واجه الأكراد معضلات كبيرة حيث كان يجب عليهم اختيار أحد الطريقين الذين لكل منهما تكاليف وعواقب مختلفة ولسوء الحظ، فلقد خدعتهم بعض الوعود الأمريكية وأجبرتهم على اختيار طريق الوقوف مع واشنطن، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى حدوث الكثير من الخسائر لهم، يذكر أن الأكراد السوريون قاموا بإرسال العديد من شبابهم إلى القواعد الأمريكية المتمركزة في أراضيهم لمساعدتهم وتدريبهم عسكرياً وذلك من أجل الاستفادة من قدراتهم على الدفاع عن الشعب الكردي، لكن للأسف، لم يقم الأمريكيون بمساعدتهم وتدريب أبنائهم، في الواقع، كانت واشنطن تستغل الشباب الأكراد لتحقيق الكثير من أهدافهم في المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة وهذا الأمر يؤكده القرار المفاجئ وغير المتوقع الذي قامت به واشنطن والمتمثل بإنهاء دعمها للأكراد.
وفي سياق متصل، تلقى الأكراد السوريون رسائل سيئة من الأقليات الكردية المستوطنة في الدول المجاورة لسوريا، ومن جهة أخرى أدّت الحملات العسكرية التركية على بعض مناطق الأكراد في "عفرين" إلى زيادة الأمور سوءاً بالنسبة لجميع الأكراد الذين يعيشون في سوريا.
وبعد مرور سبع سنوات فإنه من المحتمل أن تكون هذه الفترة الزمنية بالنسبة للجماعات الكردية، هي الفترة الأفضل ولهذا فإنهم هذه المرة على عكس الماضي، يفكرون في الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة السورية برئاسة "بشار الأسد"، من أجل الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، ما يعني استعادة الأوضاع السابقة التي سبقت بداية اندلاع الأزمة في سوريا وفي وقتنا الحالي، يكمن الأمل الوحيد للأكراد في بدء جولة جديدة من المفاوضات مع حكومة دمشق الشرعية، على أمل أن يتمكّنوا من التعويض عن الخسائر التي لحقت بهم في الماضي.
وهنا يمكن القول إن الجولة الجديدة بدأت بإعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" سحب قوات بلاده من سوريا وبالطبع لقد أثار هذا الإعلان الأمريكي في البداية الكثير من المخاوف بين الأكراد وعلى وجه الخصوص، أنه مع انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، فلن يكون هنالك أي حواجز أمام الجيش التركي للقيام بعمليات عسكرية في المناطق الكردية، يذكر أن تركيا تحدثت قبل حوالي ثلاثة أشهر عن نيتها تنفيذ عملية عسكرية كبيرة في شمال سوريا، ولهذا فلقد دعت أنقرة إلى تحرك جماعات المعارضة الكردية في المناطق الشمالية من سوريا لتكون الذريعة الرئيسية لها لشنّ هجوم عسكري جديد على تلك المناطق.
في الوقت نفسه، أظهرت التجارب الكردية في مدن مختلفة في شمال سوريا، ولا سيما مدينة "عفرين"، أن التهديدات قد تضعهم في مأزق جديد، وبالتالي، فلقد بدأ الأكراد حوارهم مع الحكومة السورية، وخلافاً لتوقعات "أنقرة"، فلقد تمكن الأكراد من التوصل إلى حل حكيم والبدء في التعاون مع الحكومة السورية، والذي سيؤدي بدوره إلى تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية لجميع الأطراف السورية، على الرغم من أنه في نفس الوقت تسبب في غضب وقلق الجانب التركي والأمريكي وبعض الدول العربية في المنطقة.
إن من أبرز الخيارات والسيناريوهات التي تنتظر المحادثات القادمة للأكراد مع الحكومة السورية، يتمثل في بقاء جزء من القوات الأمريكية في المناطق السورية الشمالية، وفي هذه الحالة على الأكراد اختيار أحد الطريقين فإما أن يواصلوا التعاون مع أمريكا أو يبدؤوا بالتعاون مع الحكومة السورية وهذان الطريقان يمكن أن يؤديا إلى خلق خلافات بين المجموعات الكردية والخيار الآخر يتمثل في زيادة الوجود العسكري التركي في المناطق الكردية السورية وهذا الأمر قد يخلق الكثير من المضايقات الجديدة والعنيفة للأكراد، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى مزيد من المشاركة والتعاون بين الأكراد والحكومة السورية وهذه المرة، ستقف الجماعات المسلحة الكردية إلى جانب الجيش السوري في الدفاع عن مناطق إقامتهم، بطبيعة الحال، إن الوجود العسكري التركي في سوريا سيخلق فجوة بين الأكراد الأتراك والأكراد السوريين، وسوف يوقف أو يعوق سلسلة التعاملات بين هذه المجموعات العرقية المختلفة.