الوقت- جميع المعطيات تشير إلى أن هناك حرباً وشيكة في شمال غرب سوريا، بين الجيش السوري وحلفائه من جهة والأتراك وميليشياتهم من جهة أخرى، وتأتي هذه التطورات بعد ان استنفزت تركيا جميع الفرص المقدمة لها فيما يخص فتح طريق "ام 4" بشكل سلمي، وعلى ما يبدو ان تركيا لا تريد خيراً من خلال تحركاتها الأخيرة وتبحث عن بثّ الفوضى من جديد في الداخل السوري بعد أن اكتسبت نقاط قوة لنفسها في ليبيا، ولكن ما غاب عن تركيا أن لسوريا معادلة مختلفة عن ليبيا وأن أيّ مغامرة جديدة في سوريا ستعكس نتائجها ليس في سوريا وحسب وإنما ستصل تردداتها حتى ليبيا.
بداية الانهيار جاءت من خلال عدم التزام تركيا بوقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا، واستهداف ميليشياتها بشكل مستمر لمراكز الجيش السوري الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة السورية ومن خلفها روسيا، ومن هذا المنطلق أجلت روسيا محادثات كان من المقرّر أن تجريها مع تركيا يوم الأحد الماضي، وكذلك اجتماع ثلاثي مع إيران والأتراك.
الاجتماع الملغي جاء بالتزامن مع تحشيد الحكومة السورية لقواتها على تخوم ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، وإرسالها لتعزيزات ضخمة إلى تلك المنطقة، وكان من المقرّر أن يقوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو بزيارة إلى إسطنبول لعقد تلك المحادثات.
وقالت وكالة سوتنيك الروسية نقلاً عن أحد مصادرها الميدانية:" إنّ المهلة التي أعطتها روسيا للأتراك لفتح طريق الـ "ام4" بشكل سلمي انتهت أمس الأحد". مشيرة إلى أن تركيا لم تبدِ جدّيتها بفتح الطريق الدولي وضبط الفصائل المسلحة المتواجدة في إدلب إضافة إلى تقديم السلاح والذخيرة لها.
بينما تلوح التحركات العسكرية للقوات الحكومية والقوات الروسية على الأرض إلى أن العمل العسكري في إدلب وسهل الغاب واللاذقية بات جاهزاً.
ورغم كل المناشدات الدولية التي طالبت بردع الفصائل الموالية لتركيا من الكف عن الانتهاكات التي تقوم بها بحق السكان في مناطق شمال سوريا، لم تتوقف أفعال هذه الميليشيات، ما دفع السّكان لكسر حاجز الخوف والخروج للتظاهر ضدهم.
فقد خرج العشرات من الأهالي في قرى باب الخير وجان تمر وأم عشبة في ريف رأس العين الشرقي الواقعة ضمن مناطق تواجد القوات التركية وميليشياتها، في مظاهرة، الاثنين، ضد ممارسات الفصائل الموالية لأنقرة، التي تتمثل في الاعتداء على المواطنين، وسرقة المحاصيل الزراعية وحرقها، فما كان من تلك العناصر إلا أن ردّت بإطلاق النار لتفريق التجمعّات ما تسبّب في إصابة اثنين بجروح متفاوتة، وفقاً لما نقله المرصد السوري لحقوق الإنسان.
تركيا لم تكتفِ بتحريض السكان على الخروج ضدّها بل دفعت الجيش السوري للتحرك نحو نقاط التماس للدفاع عن تراب بلاده ضدّ التقدم التركي الاستعماري القذر الذي ينتهك سيادة دولة أخرى ويسرق ثرواتها ويقتل أبناءها ويحتل جزءاً من أراضيها دون وجه حق، وفوق كل هذا يرسل تعزيزات جديدة إلى ادلب ومحيطها لمنع تقدّم الجيش السوري وحلفائه الى هناك.
تركيا تبحث عن احتلال ادلب وفصلها عن وطنها الام بأي ثمن، فهي لا تريد أن تخرج من الحرب السورية خالية الوفاض، كما هو الحال بالنسبة لتدخّلها السافر في ليبيا، وبالتالي أصبحت أطماع هذه الدول واضحة وغير قابلة للنقاش، وإلا ماذا يعني خرق ميليشياتها للهدنة وتدمير أي اتفاق سلمي مع الروس وغيرهم، ولماذا تعوق أي حل في الشمال السوري وتلجأ دائماً إلى العنف؟.
أليس من الواضح أن تركيا تريد الاحتلال والحصول على حصة من الكعكة السورية حتى ولو كلّف الامر قتل آلاف المدنيين، وما الذي يهم لطالما أنها تجنّد السوريين أنفسهم لتدمير بلادهم وتأخذ جزءاً آخر منهم لتدمير بلد عربي آخر، وبالتالي سيكون أردوغان بمنأى عن أي ضغوط داخل تركيا لطالما أنّ القتلى هم سوريون إن كانوا في صفه أم في الصف الآخر، والحل الوحيد برأيي هو توجيه ضربة قاصمة للجنود الأتراك حتى يذوق اردوغان مرارة الحرب، وهذه هي الطريقة الوحيدة لدفع الداخل التركي لحث اردوغان نحو الكفّ عن العبث بأمن دولة جارة.
وتشهد العلاقات الروسية التركية في الفترة الأخيرة توتراً على أكثر من جبهة بينها سوريا، حيث قامت روسيا الأسبوع الماضي وللمرة الأولى منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب بشنّ ضربات جوية على مواقع للجماعات الجهادية والمعارضة في المنطقة.
ويقول محللون إن تأجيل روسيا زيارة وفدها إلى إسطنبول وما سبقه من غارات هو بمثابة رسالة إلى تركيا بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال تجاوزات الأخيرة في ليبيا وأيضاً في سوريا.
الجيش السوري انتصر في الحرب وتمكّن من فرض شخصيته وثقله على كامل تراب البلاد، ولكن ما يفعله الاتراك ما هو الا محاولة أخيرة للحصول على بعض المكاسب قبل الضربة الموجعة التي سيوجهها لهم الجيش السوري، وقد امتحن ذلك اردوغان بنفسه، عندما تمكّن الجيش السوري من تحرير مساحات شاسعة من ريف حلب وادلب خلال أيام قليلة، ولولا هذه الاتفاقيات لكانت ادلب بيد الجيش السوري، ولكن روسيا تحاول حلّ الامور بشكل سلمي ويبد أنّ هذا الحل لا يتوافق مع سياسة اردوغان الاستعمارية التوسعية.
وقد تكبّدت مليشيات اردوغان خسائر فادحة خلال العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوري في ديسمبر الماضي بدعم من سلاح الجو الروسي رغم إرسال الجيش التركي الآلاف من الجنود لمؤازرتها.
ونجح الجيش السوري بتلك العملية في بسط سيطرته على مساحات واسعة من إدلب وريف حلب ومناطق استراتيجية لاسيما في محيط الطريقين الدوليين، فيما فشلت الجهود التركية في استمالة أمريكا وباقي الحلفاء في الناتو لدعمها في صدّ الهجوم.
وعلى غرار اتفاق الهدنة السابق الذي جرى في سوتشي 2018 عمدت أنقرة إلى المماطلة في الالتزام بالبنود المصادق عليها، مراهنة على عامل الوقت والمتغيرات الدولية لاسيما في علاقة بأزمة كورونا والتقاطعات مع أمريكا على الساحة الليبية.