الوقت- قبل عدة أشهر ومع انتشار فيروس "كورونا" التاجي في العديد من بلدان العالم، حاولت العائلة المالكة في السعودية، في خطوة سياسية على ما يبدو تهدف إلى تشويه صورة جمهورية إيران الإسلامية وشيعة المنطقة الشرقية السعودية الذين سافروا إلى إيران، خلق جو نفسي مناهض للشيعة في منطقة الحجاز. وحول هذا السياق، قال وزير الصحة السعودي إنّ إيران هي مصدر هذا الفيروس الذي دخل وتفشي في العديد من المدن والمحافظات السعودية، وزعم أنّه لوحظت أولى علامات فيروس "كورونا" في منطقة القطيف التي يسكنها الشيعة ولكن الملفت للنظر أنه عندما انتشرت هذه المزاعم الكاذبة، كشفت بعض الاحصاءات أن عدد المصابين في العاصمة الرياض بلغ حوالي 27 شخصاً، و 23 في الدمام، و 14 في المدينة المنورة، و 12 في جدة، و 7 في مكة، وشخصاً واحداً في مدينة القطيف.
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير الأخبارية، أن قوات الأمن السعودية هاجمت خلال تلك الفترة جامع "خضر النبي" في القطيف، واقتيد إمام المسجد الشيخ "عبد الكريم الجبيل"، وعدد كبير من المصلين لإجراء اختبارات الحجر الصحي والاختبارات الأولية، ما أثار موجة من السخط العام عند المواطنين السعوديين ولا سيما الشيعة القاطنين في أرض الحجاز. ومع مرور ستة وثمانين يوماً منذ قيام الإعلام السعودي بتشويه وتحريف الأحداث وإرسال عشرات الأشخاص إلى المقابر بسبب اصابتهم بفيروس "كورونا" التاجي وعدم قدرة المملكة تأمين الوسائل الطبية اللازمة لمعالجتهم، لا يزال الكثير من المواطنين السعوديين يعتقدون أن شيعة القطيف الذين سافروا إلى إيران، هم من نقلوا هذا الفيروس القاتل إلى داخل المملكة!
الجدير بالذكر أنه قد مرّ 90 يوماً على أول إعلان رسمي من قبل الحكومة السعودية عن أول حالة اصابة بفيروس "كورونا"، وقبل 86 يوماً اعلنت الحكومة السعودية عن تعليق العمرة في المملكة، وقبل 86 تم تعليق الدراسة في المدارس السعودية، وقبل 79 يوماً تم تعليق جميع الرحلات الجوية وقبل 75 تم اقفال الكثير من المحال التجارية وقبل 84 تم تعليق صلاة الجماعة في جميع المساجد داخل المملكة.
ومع تفشّي جائحة فيروس "کورونا"، وبينما تدعم البروتوكولات الصّحّية الدولية تنفيذ تدابير المكافحة المختلفة في معظم البلدان حول العالم، مع ذلك قد أثار هذا الأمر مخاوف بين منظمات حقوق الإنسان، فيما يتعلق بوضع الأقليات في بعض البلدان التي لها سجل من القمع والشيعة السعوديين هم من بين هذه الأقليات المقموعة، حيث تشير تقارير مختلفة إلى أن الحكومة السعودية تستغل ظروف كورونا "لمواصلة" التمييز وحتى زيادة الضغط على الشيعة. وفي هذا الصدد، كشفت بعض المعلومات المسربة، أن الحصار الذي تم تنفيذه بحجة عزل محافظة القطيف، أدّى إلى موت عشرات المصابين بأمراض مزمنة في القطيف، وبسبب قلة المستشفيات التخصصية، حُرم العديد من شيعة القطيف من علاج أمراض القولون والفشل الكلوي والسرطان وغيره، ما أجبرهم على مغادرة القطيف، وهذا الوضع عرضهم لخطر أكبر.
وفي السياق نفسه، قال الناشط السعودي المعارض "فواد إبراهيم"، إن صحة عشرات المرضى في القطيف قد تدهورت، بسبب عدم وجود مستشفيات مناسبة لعلاج أمراض القلب والكلى والسرطان وما شاکل، ولا توجد مثل هذه المستشفيات في مدينتي "الخَبر" و"الدمام". بدورها تطرقت "وكالة الأنباء الفرنسية" في تقرير لها إلی الوضع الصحي في مدينة القطيف، وتحدثت عن النقص والحاجة إلى الأقنعة والقفازات ذات الاستخدام الواحد وغيرها من أدوات النظافة. ولطالما اعتبر الشيعة السعوديون أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية في السعودية، وتفتقر مناطقهم السكنية إلی أبسط المرافق الصحية والخدمية والرعاية الاجتماعية، بحيث لا تزال العديد من الأزقة والشوارع فيها ترابية في القرن الحادي والعشرين. ونجد هذا التخلف والحرمان الاقتصادي في هذه المنطقة، وخاصةً فيما يتعلق بالبنية التحتية الصحية، بينما تمتلك المناطق الشرقية من السعودية بما في ذلك القطيف، المصادر الرئيسة للنفط والموارد الطبيعية الأخرى المدرة للدخل للحكومة. الأخبار والتقارير القليلة التي تسربت إلى وسائل الإعلام حول الحالة الصحية للشيعة في القطيف، تأتي في الوقت الذي تمارس فيه الحكومة السعودية رقابةً إعلاميةً شديدةً لإخفاء الحقائق عن وسائل الإعلام الدولية والمراقبين الدوليين.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع لفيروس "کورونا"، فإن محافظة القطيف هي المحافظة الوحيدة التي يطبق عليها الحجر الصحي. من ناحية أخرى أيضاً، لقد مرّ ما يقرب من ثلاثة أشهر منذ تنفيذ الحجر الصحي، وقوات الأمن السعودية قد شددت الطوق الأمني في أنحاء المحافظة. وهذه الإجراءات، بالنظر إلی وجود حركات احتجاجية متعددة في هذه المنطقة، واليد الطولی للحكومة السعودية في القمع المنظم والواسع النطاق للشيعة في القطيف، يمكن أن يطلق علىها فرض الحكم العسكري دون متاعب، بحجة الحجر الصحي. ومع فرض القيود على الدخول والخروج من هذه المنطقة، تسعى الرياض، أولاً إلى قطع العلاقات بين الشيعة والعالم الخارجي، وخاصةً السفر إلى دول شيعية أخرى مثل إيران والعراق، ومن ناحية أخرى من خلال تقييد التجمعات العامة خاصةً في الحسينيات والمساجد الشيعية، تسعى لتمهيد الطريق للحفاظ علی هذه القيود في المستقبل وخلال شهر رمضان المبارك أيضاً.
وخلال أيام شهر رمضان المبارك، اعتاد شيعة القطيف حضور برامج دينية خاصة تبث على شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعية ولكن الحكومة السعودية تعمدت اقفال تلك المواقع ووضع العديد من الحواجز السيبرانية أمام هؤلاء الشيعة لمنعهم من المشاركة والاستماع لتلك البرامج الدينية التي تهتم بالترويج لفضائل أهل البيت عليهم السلام. يذكر أن مدينة القطيف هي المدينة الوحيدة التي خفض سكانها عدد الحالات الجديدة المصابة بفيروس "كورونا" إلى الصفر لعدة أسابيع وفقًا للإحصاءات الطبية. ولكن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعية الموالية لحكومة "آل سعود" واصلت خلال الفترة الماضية نشر العديد من الأكاذيب التي تفيد بأن شيعة القطيف هم السبب وراء دخول فيروس "كورونا" إلى المملكة.
في السنوات الأخيرة، كان الشيعة في محافظة "الشرقية"، ولا سيما في مدن "القطيف" و"الإحساء" و"الدمام"، وكذلك السكان الشيعة في المدينة المنورة و"العوامية"، هدفاً للأنشطة الإجرامية لمسؤولي "آل سعود" دائماً. وفي هذا الصدد، وفي أبريل الماضي، أُعدم ۳۷ شخصاً في السعودية، ۳۲ منهم کانوا من الشيعة، وحكم على ۱۴ منهم بالإعدام لمشاركتهم في الاحتجاجات. وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً عن عمليات الإعدام الجماعية التي نفذتها "آل سعود"، قائلةً بأن "الحكومة ترفض إعادة الجثث إلى أسرهم".
ويعتقد العديد من الخبراء أن حقبة ما بعد "كورونا" ستشهد انخفاضًا في أسعار الأسهم بسبب الأحداث الأخيرة في أمريكا وتراجع أسعار النفط العالمية، بالإضافة إلى الفشل المتكرر للسياسات الأمريكية الداخلية والخارجية، وتعليق العمرة والحج في المملكة وتقييد الإيرادات النفطية وغير النفطية، بالإضافة إلى فشل توقعات رؤية عام 2020 وتوقعات رؤية عام 2030 في المملكة العربية السعودية. ونظراً لهذا كله يمكن القول أن "ابن سلمان" سيواجه أيامًا صعبة خلال الفترة القادمة، ومن المؤكد أن "آل سعود" سيتخذون المزيد من الإجراءات المتهوّرة في الأيام المقبلة، ما قد يُعجّل في عملية انهيار حكمه الجائر في المملكة.