الوقت- في هذه الأيام ، يعاني إقليم كردستان العراق من حالة حرجة وطارئة أكثر من أي وقت مضى ، وربما تواجه الإدارة السياسية والاقتصادية لشمال العراق العديد من المشاكل للحكومة المحلية في هذه المنطقة أكثر من أي وقت مضى أيضاً ، والسؤال الآن هو لماذا خضع إقليم كردستان لمثل هذه الوضعية الصعبة؟ ومما لا شك فيه أنه للجواب على هذا السؤال يجب البحث عنه بكلمة واحدة ، ألا وهي "الاستفتاء على الاستقلال".
في 25 سبتمبر عام 2017 ، أجرى الأكراد العراقيون ، بقيادة مسعود بارزاني ، استفتاءً على استقلال إقليم كردستان ، ولكن على الرغم من التصويت الإيجابي بنسبة 93 في المائة من المواطنين على الاستقلال ، أصبح الحدث ككعب أخيل لإقليم كردستان ، ورسميًا فان العديد من الإنجازات التي حققتها أربيل بعد عام 2003 ، أصبحت منتهية بين عشية وضحاها ؛ وفي يوم 17 أكتوبر عام 2017 ، فقد الأكراد السيطرة على كركوك والعديد من المناطق الأخرى المتنازع عليها في أقل من بضع ساعات والتي كانت تحت سيطرتها بعد عام 2003 ، بل وتم تهديد وجود إقليم كردستان كدولة اتحادية.
لكن الجدير بالذكر أنه في الأيام الأخيرة أصدر مكتب مسعود بارزاني ، الرئيس السابق لإقليم كردستان العراقي والزعيم الحالي للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي ، بياناً دافع عن الاستفتاء ، واصفاً إياه بأنه حدث سيحفر في أذهان الأكراد ، وعلى عكس هذا البيان ، فإن الحقائق الميدانية تُظهر صورة مختلفة كلياً ، تختلف عن هذا الادعاء ، وفي الواقع ، يمكن الآن تقييم فشل الاستفتاء بالنسبة للأكراد على أربعة مستويات أساسية:
الاستفتاء وضياع الثقة بين بغداد وأربيل
الضربة الأهم التي تواجه اجراء استفتاء أكراد العراق على الاستقلال ، هي فقدان الثقة بين الحكومة المركزية وأربيل ، إذا كان الأكراد في الماضي جزءًا لا يمكن استبداله من الحكومة العراقية ، ففي الوضع الحالي في بغداد ، فإن الأكراد ليس لديهم تلك القوة والنفوذ السابقين ، وإذا كان يتم في الماضي إدخال جميع الشؤون إلى البرلمان على أساس اتفاق مبدئي مع الأكراد ، فلا يتم الآن الاهتمام كثيراً بمرادهم ، وعلى صعيد آخر ، تتبع الحكومة المركزية العراقية سياسة أكثر صرامة في التعامل مع الأكراد ، بالنظر إلى الاستفتاء على الاستقلال ، والذي يمكن رؤيته مؤخراً في قطع ميزانية إقليم كردستان ، وفي الواقع ، يعتبر الاستفتاء على الاستقلال عاملاً رئيسياً وجذرياً في قطع التمويل ومشكلات دفع الأجور للموظفين في إقليم كردستان.
إعادة احياء الخلافات الداخلية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين
في السنوات التي تلت عام 2003 ، وضع الحزبان ، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق ، ضغائنهما التاريخية والممتدة لعدة عقود ، جانباً ، من أجل بناء حكومة موحدة ومستقلة في إطار الدستور العراقي الجديد ، وبمرور الوقت ، مع اندماج العديد من المؤسسات ، أصبحت قضية الحكومة الادارية أقل وأقل بريقاً ، ومع ذلك ، في أعقاب الاستفتاء ، أصبح المشهد السياسي في إقليم كردستان مرة أخرى ساحة للتنافس بين الحزبين الرئيسيين والعودة إلى ظروف الإدارتين.
كما ألقى الاتحاد الوطني الكردستاني باللوم على عائلة البرزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي في المشاكل الحالية وقطع الميزانية ، وقال إنه إذا لم يحدث ذلك ، فكانوا سيظلون يسيطرون على كركوك والعديد من المناطق الأخرى ، وبالإضافة إلى ذلك ، أصبح حزب الاتحاد الآن شديد المركزية ويريد التفاعل الجيد مع بغداد ، ومؤخراً نوقشت مسألة إنشاء منطقة حكم ذاتي في السليمانية تحت قيادة هذا الحزب بجدية ، ومع ذلك ، يمكن القول إن استفتاء الاستقلال قد أحيا الصراعات داخل الحزبين والادارتين في شمال العراق مجدداً.
أزمة اقتصادية كبيرة وعدم القدرة على تأمين أجور الموظفين
ويمكن تقييم نتيجة سلبية أخرى لاستفتاء الاستقلال من حيث عدم قدرة أربيل على دفع رواتب موظفي إقليم كردستان ، ففي الأشهر الأخيرة ، أرسلت بغداد ميزانية قدرها 450 مليون دولار إلى أربيل لدفع رواتب موظفي الإدارة الفيدرالية ، ولكن في الوضع الجديد ، ومع تخاذل أربيل في دفع أموال النفط إلى بغداد ، لن تقوم الحكومة المركزية بتخصيص أموال رسميًا لهم بعد الان ، ونتيجة لذلك ، تواجه حكومة إقليم كردستان الآن أزمة كبيرة في عدم القدرة على الدفع ، وقد زاد هذا بشكل كبير من عدم الرضا داخل المنطقة ، وفي الأسابيع القليلة الماضية ، شهدنا احتجاجات واستياء المواطنين من حكومة الإقليم.
تعتيم العلاقات مع الدول الأجنبية
يمكن أن يكون للتأثير السلبي الآخر للاستفتاء على الاستقلال ، سواد علاقات أربيل مع جيرانها والدول المجاورة ، التي سارعت إلى مساعدتهم في الأيام صعبة كثيراً ، وفي الواقع ، جعل إجراء كل هذه الاستفتاءات من المستحيل على إيران وتركيا الحصول التعاون مع حكومة إقليم كردستان على هذا المستوى ، فعلى سبيل المثال ، في عام 2014 ، عندما قطعت حكومة نوري المالكي ميزانية أربيل ، كان أردوغان هو الذي منح قرضًا بمليارات الدولارات لحكومة مسعود بارزاني ، وكانت إيران أول دولة هرعت لمساعدة أربيل في محاربة داعش ، ولكن في الوضع الحالي ، وبسبب الجهود المبذولة للحصول على الاستقلال عن بغداد ، لا طهران ولا أنقرة على استعداد للتعاون مع الأكراد ، وفي غضون ذلك ، تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني ، اللذان يدعيان دعم استقلال الأكراد ، لم يساعداها فقط ، بل تركاها في وسط المشاكل ، وفي الواقع سقط الأكراد مرة أخرى ضحية التهور والثقة الداخليين في الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني.