الوقت-إن سوق الأسلحة هو من أكثر اسواق التجارة ازدهارا في العالم، وكانت هناك منافسة شديدة بين الدول الرئيسية المنتجة للأسلحة في السنوات الأخيرة من أجل الاستحواذ على المزيد من حصة سوق السلاح وتجاوز المنافسين وذلك من خلال بناء أسلحة أكثر قوة وفعالية. ومع ذلك، فإن أحد أهم المعايير لجودة المعدات العسكرية للمشترين هو مسألة الدعم والخدمات الفنية، والتي من المتوقع أن تقدمها الدولة البائعة بشكل لائق.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد لقناة الجزيرة يوم الثلاثاء، إن الحكومة الماليزية، بعد شراء طائرات مقاتلة من طراز F-16 من الحكومة الأمريكية، أدركت أن واشنطن باعت هذه الطائرات بدون شفرات أساسية وبرمجة كاملة، وأن ماليزيا لا تستطيع بذلك استخدام كل قدرات هذه المقاتلات، بما في ذلك قدراتها الهجومية."
وبحسب تصريحات مهاتير محمد، فإن مقاتلات F-16 التي تم بيعها لدول أخرى ايضا، تعاني من نقوصات، ما عدا المقاتلات التي ابتاعها الكيان الصهيوني. وليست هذه هي المرة الأولى التي يلاحظ فيها سياسيون وخبراء عسكريون في الدول التي تبتاع الأسلحة، أن الشركات العسكرية الأمريكية انتهكت التزامها ببيع الأسلحة لهم.
سياسة مبيعات الأسلحة الأمريكية
لدى الولايات المتحدة أهداف وغايات عديدة في بيع الأسلحة الاستراتيجية إلى الدول الأخرى، حيث تركز هذه الأهداف في الدرجة الأولى على مصالح واشنطن الخاصة. بالطبع، هكذا صفقات مع الدول الأخرى، لا تُنجر لتكون صفقة مربحة للجميع. ووفقًا لأحدث تقرير لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، تُعد شركات الأسلحة الأمريكية من بين أكبر 100 شركة في العالم لامتلاكها 59 في المائة من مبيعات الأسلحة في العالم. كم ان لوكهيد مارتن، الشركة المصنعة لمقاتلات F-16 ، هي أكبر شركة أسلحة في العالم حيث بلغت مبيعات الأسلحة 47.2 مليار دولار في عام 2018.
ويتعين على الدول التي تشتري هذه الأسلحة الاستراتيجية، بالإضافة إلى دفع ثمنها في المقام الأول، دفع المزيد من المبالغ للوصول إلى القدرات المحددة الأخرى للأسلحة، فيما لو وافقت واشنطن على ذلك في السنوات اللاحقة. في عام 2017 ، على سبيل المثال، وقّعت عمان على اتفاقية ثانية بقيمة 62 مليون دولار مع الولايات المتحدة لشراء خدمات الدعم لبرنامج ملف تعريف الرحلة التشغيلية (OFP) المُطور لـ F-16 وكذلك برمجيات التعرف على الحليف والعدو Identification Software (IFF).
على الرغم من أن الولايات المتحدة قد ذكرت مرارًا وتكرارًا أن الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما حليفتان لواشنطن، فقد أثبتت عمليًا أنها لا تسمح لهذه الدول بأن يكون لها أدنى ميزة استراتيجية على إسرائيل. ووفقا لـ"رأي اليوم"، تمتلك الطائرات المقاتلة من طراز F-16 في الجيوش العربية 30 ٪ فقط من قوتها العسكرية مقارنة بالطائرات المقاتلة من طراز F-16 التابعة لسلاح الجو الأمريكي أو الكيان الصهيوني.
عندما أطلقت الولايات المتحدة نظام دفاع صاروخي عن طريق شركة رايثيون بتكلفة باهظة لبعض دول الخليج لمواجهة التهديدات المزعومة من إيران، أصبح من الواضح فيما بعد أن هذا النظام هو لمواجهة الصواريخ بعيدة المدى التي تعود الى سطح الأرض بعد خروجها من المجال الجوي. في الواقع، بذريعة دعم الدول العربية ضد إيران، ضمنت الولايات المتحدة تعرض هذه الدول لصواريخ إسرائيل متوسطة المدى.
إن سياسة بيع الأسلحة الأمريكية في جنوب شرق آسيا هي بهدف احتواء الصين. وعلى الرغم من أن نجيب تون عبد الرزاق، الرئيس الماليزي السابق، كان لديه ميولا واضحة تجاه الولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة لا تزال في المركز الثاني في التبادل التجاري مع ماليزيا بعد الصين، حيث بلغ حجم التجارة السنوي بين امريكا وماليزيا 32 مليار دولار. ومن ناحية أخرى، يشكل الماليزيون من أصول صينية، 30 بالمائة من سكان البلاد، ويلعب الحزب الشيوعي الصيني دورًا مهمًا في التطورات السياسية الماليزية.
لذا فإن التعويل على ماليزيا لاحتواء الصين ليس خيارًا جيدًا لواشنطن، ولكن تسليم طائرات إف-16 التي لا تمتلك سوى القدرة على المناورة، يسمح لواشنطن بالمساعدة في إضعاف دور الصين في ماليزيا من خلال الاشتراط على تسليم بعض قدراتها الهجومية.
وعلى العكس من ماليزيا، باعت الولايات المتحدة أعداد كبيرة من طائرات F-16 لتايوان. ولدى تايوان صراعات استراتيجية عميقة مع الصين، مما يوفر فرصة جيدة للولايات المتحدة في استراتيجيتها لاحتواء الصين. وفي العام الماضي، وافقت الحكومة الأمريكية على بيع 66 طائرة من طراز F-16 إلى تايوان مقابل 8 مليارات دولار، على الرغم من احتجاج الصين الشديد.
إن مقاتلة F-16 الجديدة تحمل صواريخ جو-جو قصيرة المدى ومتوسطة المدى، وهي قادرة على مواجهة مقاتلات سوخوي التابعة للجيش الصيني. ففي فبراير 2020 ، تمكنت تايوان من استخدام هذه المقاتلات للكشف عن مقاتلة من طراز G-11 ، ومادة H-6 الانفجارية وطائرة انذار سريع ومبكر من طراز K-500 تابعة للجيش الصيني قبالة الساحل الشرقي لتايوان.
وتلعب الولايات المتحدة نفس اللعبة لاحتواء الصين في علاقاتها مع الهند. وقررت الولايات المتحدة في عام 2017 إطلاق خط انتاج لمقاتلات أف 16 في الهند وذلك بهدف تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الهند لإحتواء الصين. ومن ناحية أخرى، بعد توتر العلاقات بين الهند وباكستان العام الماضي، استخدمت إسلام آباد مقاتلات F-16 ضد الهند. وخسرت الهند بعد تصاعد التوترات، احدى مقاتلاتها الاستراتيجية باسم "تجاس"، التي صُنع محركها من قبل الشركات الأمريكية، وتم القاء القبض على طيارها من قبل باكستان، بعدما كانت الهند تعتمد في السابق على المعدات العسكرية الأوروبية والأمريكية المشتركة.
تباينات البيت الأبيض في تصدير الأسلحة
بعد سقوط صدام، أصبح العراق بؤرة كبيرة لتواجد المجاميع الإرهابية فيه، وكان الجيش العراقي بحاجة ماسة إلى أسلحة استراتيجية لمواجهة كافة أنواع التهديدات الأمنية. وعلى الرغم من أن ظروف المنطقة وطبيعة مكافحة الإرهاب تتطلب من الولايات المتحدة على الأقل التعجيل في بيع بعض الأسلحة، مثل مقاتلات F-16 ودبابات Abrams، إلى العراق، أثبتت الأحداث اللاحقة خلاف ذلك.
وفي عام 2014 طلب الجيش العراقي، الذي كان في حاجة ماسة للدعم الجوي في معركته ضد تنظيم داعش الارهابي، 36 طائرة من طراز F-16 .
وبعد طول إنتظار مثير للشكوك، زودت الولايات المتحدة العراق في نهاية المطاف بـ 18 مقاتلة أف 16 من طراز IQ في المرحلة الأولى. في حين كان من المتوقع أن تحتوي هذه النسخة المتقدمة من F-16 على جميع الميزات المصممة حديثا في طائرات F-16 طراز 50 و 52 ، لكن الجيش العراقي اكتشف لاحقا أن القسم الذي يحتوي على سلاح أرض-جو يخلو من عتاد للقنابل الموجهة بالأقمار الصناعية التي كانت من طراز JDAM كما كمانت هذه المقاتلات تفتقد لقدرات F-16 IQ الأخرى، بما في ذلك صواريخ كروز المضادة للرادار والصواريخ التي تطلق من الجو مثل صواريخ Harm و JSOW
في بداية الأمر، رجح بعض الخبراء العسكريين أن هذه المقاتلات ترتقي فقط لمستوى مواجهة تنظيم داعش، ولكن رغم هذا الإعتقاد، تبين ان هذه المقاتلات لا تقدم جدوى لمواجهة عصابات داعش ايضا، حيث كانت تفتقر إلى التوجيه بالأقمار الصناعية عندما تسوء الأحوال الجوية.
ومع ذلك، فإن طائرات F-16 التي تم تسليمها إلى الكيان الصهيوني في عام 2004 كان لديها كل القدرات المحددة ، وحتى ذلك الحين، سُمح لإسرائيل بأن تُصنع 50٪ من أسلحة F-16 وقطعاتها الإلكترونية على حسب نموذج D-Block 52.
من ناحية أخرى، فإن الدول الأخرى التي تمتلك مقاتلات F-16 مثل تركيا لديها العديد من القدرات، بما في ذلك القنابل الموجهة بالليزر، وتمكنت أنقرة من إدخال تحسينات كبيرة على خط إنتاج F-16 لعام 2014 في تركيا.
ولدى السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والمغرب عدد من هذه المقاتلات، لكنها أضعف من مقاتلات F-16 التي تم تسليمها إلى إسرائيل، حيث استطاعت القوات الشعبية اليمنية، إسقاط طائرتين من طراز F-16 في السماء اليمنية بالإضافة إلى عدد كبير من طائرات F-15 السعودية من خلال قاذفات الصواريخ غير المتقدمة.
واتبعت الولايات المتحدة نفس السياسة في تسليم دبابات أبرامز. حيث سلّحت السعودية جيشها ب442 دبابة ابرامز بعدما غرتها القدرات المزعومة والدعائية لهذه الدبابات.
وقامت الولايات المتحدة بإزالة دروع اليورانيوم الخاصة بهذه الدبابات عند تسليمها الى كل من العراق والمملكة العربية السعودية وذلك دون ابلاغ الدولتين بهذه الخطوة، ويبلغ سعر الدبابة الواحدة 5 ملايين دولار. ولهذا السبب استطاع تنظيم داعش من تدمير دبابات أبرامز العراقية. والمفارقة هي أن قوات أنصارالله اليمنية تمكنت من تدمير دبابات أبرامز السعودية بصواريخ كونكورس المصنعة في السبعينيات.
لقد أظهرت صادرات الأسلحة الأمريكية أن واشنطن اتبعت سياسة بيع أسلحتها الاستراتيجية على أساس مصالحها الاستراتيجية وكسب أرباح ضخمة من الصناعة العسكرية والحصول على معلومات عسكرية حساسة من دول المقصد.