الوقت- تقترب الأمور من ذروتها مع اقترابنا من شهر تموز، الشهر الذي أعلنته القيادة الاسرائيلية موعدا لضم أجزاءا من الضفة الغربية وبالتحديد ضم منطقة غور الاردن وشمال البحر الميت، وهو مشروع صهيوني قديم لكن تم الحديث عنه مجددا في أيلول الماضي وتوعد حينها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتنفيذ هذا المشروع في حال فاز بالانتخابات البرلمانية، وقبل أسبوع من الآن أعاد نتنياهو الحديث عن الموضوع بجدية اكبر وسط حماية اليمين المتطرف والادارة الامريكية، ولكن في المقابل أشعا الحديث عن هذا الاحتلال الجديد غضب الاردن وملكها عبدالله الثاني وحذر الملك الصهاينة من ان اقدامهم على هذا الامر سيؤدي إلى "صدام كبير" مع المملكة الاردنية الهاشمية.
ماذا يعني الاقدام على مثل هذه الخطوة وما هي تبعاتها؟
أولاً: ستشكل الخطوة الاسرائيلية الجديدة في حال تنفيذها تعقيدا للعلاقات الاسرائيلية_الاردنية، وقد نشهد قرارات اردنية أكثر جرأة من سابقاتها، لاسيما وان الشعب الاردني والقيادة الاردنية سيكونون اكثر المتضررين من هذه الخطوة، والكيان الاسرائيلي يعلم هذا الامر لكنه يعول على امرين، الأول: الحماية الامريكية على اعتبار ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب يريد كسب ود اللوبي الصهيوني للنجاح في الانتخابات المقبلة، خاصة بعد فشله في ادراة ازمة كورونا التي تفشت في بلاده وعطلت عجلة الاقتصاد في الولايات المتحدة الامريكية.
الثاني: صمت الدول العربية لاسيما الخليجية عن الخطوة الاسرائيلية، خاصة وان اسرائيل لمست باليد كيف ان الدول الخليجية تخلت عن الاردن في الفترة الاخيرة وخذلته ولم تنبس ببنت شفة عندما جرى الحديث عن صفقة القرن التي من شأنها تصفية القضية الفلسطينية وايجاد وطن بديل للفلسطينيين، وصولا الى تدمير هوية الاردن وزعزعة امنه القومي.
ثانياً: الاردن يربطها بـ"اسرائيل" معاهدات سلام واتفاقات امنية وسياسية؛ ستكون برمتها عرضة لـ"التجميد" وربما الإلغاء في مراحل متقدمة، في حال أقدمت اسرائيل على ضم الاغوار، وبالفعل هددت الاردن بهذا الامر، ووفقا للإذاعة الإسرائيلية فإنه وفي حال قامت إسرائيل بضم الغور وشمال البحر الميت، فان عمان قد تجمد بعض بنود معاهدة السلام دون إلغائها كليا.
السياسة الاردنية تغيرت مؤخرا تجاه الكيان الاسرائيلي، وما استعادة اراضي الباقورة والغمر بعد تأجيرهما للصهاينة لمدة 25 عاما الا خير دليل على ذلك، وستقدم الاردن على خطوات اكثر جرأة في حال نفذت اسرائيل وعودها وقد تفتح الاردن جبهة للمقاومة على الحدود مع فلسطين المحتلة من يعلم.
رابعا: على الجانب الفلسطيني لا نعتقد بأن السلطة الفلسطينية ستقدم على خطوات كبيرة لمواجهة "اسرائيل"، مع العلم ان ضم غور الاردن يلغي معه السلطة الفلسطينية ودورها ومكانتها وكذلك سغلق الباب على مشروع حل الدولتين، ولن يكون امام الفلسطينيين سوى المقاومة من جديد والانتفاضة بوجه الدو الصهيوني الذي سيهجر الآلاف من الفلسطينيين في حال ضم اراضي الغور، وهذا الامر سيدفع الاردن لدعم المقاومة قدر المستطاع وسيكون الباب مفتوح على جميع الاحتمالات ولن يكون الصهاينة بمأمن بعد الآن من ناحية الحدود الاردنية.
خامساً: الاردن قلق من تهجير مجدد للفلسطينيين لأن المشروع الجديد قائم على هذا الاساس، وجميع هؤلاء الفلسطينيين سيتوجهون نحو الاراضي الفلسطينية تمهيدا لتوطينهم في الاردن، وهذا الامر سيشكل عبئا على الاردن ويهدد امنها القومي، ويحذر الأردنيون من أنه في حالة ضم غور الأردن فإن أكثر من مليون إسرائيلي سيحلون محل الفلسطينيين هناك، مما يعني خنقهم جغرافيا ودفع الكثير منهم إلى الهجرة القسرية باتجاه الأردن.
الاردن يرفض توطين الفلسطينيين وتشدد السلطات الاردنية على أن الدولة الأردنية لن تكون جزءا من تنفيذ خطة لا تنسجم مع مصلحتها قائلة "لن نرسم حدودا ولن نجنس أحدا.. لدينا ثوابت قولا وفعلا، ولن نعترف بضم غور الأردن وتصارح المصادر بأن عمان تواجه ضغوطا مستمرة من أجل تغيير موقفها". كما توقعت مزيدا من تلك الضغوط في المرحلة المقبلة.
سادساً: خيارات الأردن عديدة وموجعة لدولة الاحتلال إذا حدث "الصدام" أبرزها على الصعيد المدني إلغاء اتفاقية وادي عربة، وكل ما تمخض عنها من علاقات تطبيعية، وتنسيق أمني، وتعاون اقتصادي، وتبادل سفراء واتفاقات تجارية وخاصة صفقة استيراد الغاز الفلسطيني المسروق المعيبة واللاوطنية.
وستتسبب الخطوة الإسرائيلية في جعل الاقتصاد الفلسطيني تابعا للإسرائيليين، وسيعرقل التجارة بين البلدين، وعلى الصعيد الاجتماعي سيتسبب الضم في قطع التواصل الاجتماعي بين العائلات في فلسطين والأردن.
سابعاً: بتنفيذ نتنياهو لوعوده وبإعلان ضم غور الأردن لإسرائيل، فهذا يعني ببساطة إلغاء فكرة وجود دولة فلسطينية من الأساس، حيث إن غور الأردن يمثل الحدود الشرقية للدولة التي يفترض إقامتها بموجب اتفاقيات السلام، كما أن مدينة أريحا التي تعتبر مركزاً للسلطة الفلسطينية ستصبح بيد إسرائيل، وبضم تلك المنطقة التي تمثل ثلث الضفة الغربية، وضم المستوطنات الأخرى، يعني أن أي دولة فلسطينية في المستقبل لن تكون سوى جيوب منعزلة من الأراضي داخل إسرائيل.
وهذا الطرح، من المؤكد أنه سيقضي تماماً على فكرة التوصل لحل سياسي للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومن ثم دخول الصراع مرحلة جديدة لا أحد يمكنه التنبؤ بطبيعتها ولا نتائجها.
ومنذ عام 1967 والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، دون استثناء، تعتبر الأغوار من المناطق الحيوية للأمن والاقتصاد الإسرائيلي، وقد انتهجت هذه الحكومات خططاً متعددة لتهويد الأغوار، بدأت منذ اليوم الأول للاحتلال، وتمثلت بمجموعة من الإجراءات، أهمها عزل الشريط الحدودي مع الأردن بعمق 1-5 كم، وبالتالي ترحيل وتشريد آلاف السكان الفلسطينيين من منطقة الزور والكتاير إلى الجهة الشرقية من النهر.
كما قامت إسرائيل بعزل ومصادرة آلاف الدونمات الزراعية المحاذية للسياج الحدودي مع الأردن، وما يعرف بالخط الأخضر، بحجج أمنية؛ حيث كانت هذه الأراضي تشكل الملكية الوحيدة لآلاف العائلات من المزارعين الفلسطينيين، وقامت بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة لصالح إقامة المستوطنات الزراعية والأمنية، كما منعت إسرائيل البناء والتطور العمراني في جميع قرى الأغوار.
والأهم أن إسرائيل ومنذ بداية الاحتلال قامت بالسيطرة على مصادر المياه، ممثلة في نهر الأردن، إضافة للمياه الجوفية.