الوقت- يمثل النشاط الاستعماري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية أخطر الممارسات الإسرائيلية التي تهدف الى منع قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتعمل مختلف الأجهزة والمؤسسات والمنظمات الإسرائيلية بتوجيه مباشر ودعم رسمي من الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ برنامج منهجي للتوسع الاستعماري في مختلف المناطق الفلسطينية، بحيث تتحول سياسة الاستيطان وما يرافقها من تغيرات طوبغرافية وديمغرافية إلى عائق حقيقي أمام إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي.
عملية الإستيطان التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي لا تقتصر آثارها على زعزعة الاستقرار السياسي والأمني للمناطق التي تقوم فيها بل تمتد آثارها المدمرة لتصل الى التوازن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي القائم في المجتمع الفلسطيني، الى جانب استخدامها لتقطيع أوصال المجتمع الفلسطيني وإعاقة عملية التنمية والأهم من ذلك استخدام الجيش الإسرائيلي تلك المستوطنات كقاعدة انطلاق في حربه ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. ولذلك فالفلسطينيون اليوم يعانون من الانتشار المكثف للمستوطنات الإسرائيلية وخصوصاً في الضفة الغربية ويتعرضون الى الاعتداءات المستمرة والمتكررة من قبل المستوطنين.
وتشير الإحصاءات بأن المستوطنات في الضفة الغربية تبلغ حوالي 176 مستوطنة أغلبها غير شرعي وتشير التقديرات الى أن عدد المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية يصل الى 536932 مستوطن في نهاية عام 2011 وتشير التقديرات الى أن أغلبهم يسكن في مدينة القدس والذين يبلغ عددهم 276643 مستعمراً، يليها محافظة رام الله والبيرة حيث بلغ عدد المستوطنين فيهما حوالي 100501 مستعمر و59414 مستعمر في محافطة بيت لحم و34946 في محافظة سلفيت، أما أقل المحافظات من حيث عدد المستعمرين فهي محافظة طوباس بواقع 1479 مستعمر.
ومنذ العام 1967 شرع الكيان الإسرائيلي بالقيام ببناء المستوطنات في الضفة الغربية حيث تسارعت وتيرة الاستيطان بشكل كبير جداً منذ العام 2011 الى يومنا هذا وذلك ضمن سياسة اتخذتها حكومة نتنياهو للضغط على الفلسطينيين ضمن عملية السلام وقبولهم بالشروط الإسرائيلية، وبشكل إجمالي لقد ازداد عدد المستوطنات بشكل كبير بالمقارنة مع عددها في عام 1967 حيث تطور عددها خلال الفترة ما بين 1967-2011 من مستوطنة واحدة كل عام الى 140 مستوطنة في عام 2010.
يعتمد الكيان الإسرائيلي سياسة العصا والجزرة مع الفلسطينيين فكلما زادت الضغوط الخارجية عليه يعلن عن تجميد الاستيطان من أجل السير بعملية السلام وعند أول عقبة تظهر أمام عملية السلام يعود الى سياسة الاستيطان وبناء المستوطنات الجديدة وهدم البيوت التابعة للفلسطينيين واحتلال أراض أكثر وذلك بوتيرة متسارعة جداً للتعويض ولمعاقبة الفلسطينيين على عدم رضوخهم للشروط الإسرائيلية.
المعاناة الفلسطينية المستمرة منذ عقود ونداءات الإغاثة لم تلق آذاناً صاغية لدى المجتمع الدولي الذي يرى ممارسات الكيان الإسرائيلي العنصرية والمتكررة على الشعب الفلسطيني دون أن يحرك ساكناً وبالمقابل فإنه يقوم بالضغط على الفلسطينيين للقبول بشروط الكيان الإسرائيلي التفاوضية والرضوخ له، هذا وإن دل على شيء فإنه يدل على ارتهان المجتمع الدولي ومجلس الأمن للإدارة الأمريكية والتي هي أيضاً مرتهنة للوبي الصهيوني الذي يديرها كيفما شاء، فأكثر شيء يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي للفلسطينيين وللشعب الفلسطيني هو إصدار التقارير والقيام بالشجب والتنديد دون القيام بأي خطوة عملية تساعد الشعب الفلسطيني، ولكن عندما يتعلق الأمر بأمن الكيان الإسرائيلي فإن العالم أجمع يقوم ولا يقعد فتشن الحروب ويقتل الآلاف وتصدر القرارات من مجلس الأمن وكافة المنظمات الدولية كل هذا من أجل أعين الكيان الإسرائيلي بينما العالم أجمع يصبح أعمى وأصم أمام مآسي الشعب الفلسطيني ومعاناته وتشرده.
حتى ولو اعترض المجتمع الدولي على السياسة الإستيطانية للكيان الإسرائيلي فإن هذا الكيان يضرب بها عرض الحائط وينفذ ما يريده دون أن يهتم للمجتمع الدولي أو أي من المنظمات الدولية، ورغم الاعتراض الدولي فإن الكيان الإسرائيلي دائماً يعلن عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في مناطق من الضفة الغربية والقدس المحتلة حيث أنه أعلن في بداية هذا العام عن إنشاء 450 وحدة سكنية في الضفة رداً على تقدم الفلسطينيين بطلب للإنضمام الى محكمة الجنائية الدولية.
وضمن السياسة المتبعة من قبل الكيان الإسرائيلي التي تقوم على تهجير الفلسطينيين وإخراجهم من منازلهم وتهويد القدس أتى قرار حكومة الكيان الإسرائيلي أمس بهدم أكثر من 13 ألف منزل فلسطيني في المنطقة (ج) في الضفة الغربية، وأفاد التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الضفة الغربية أنه وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن سلطات الکيان هناك أكثر من أحد عشر ألف أمر هدم معلقة في الوقت الراهن، في المنطقة (ج) بالضفة الغربية كما أن هذا القرار إذا طبق يعني بأن أكثر من 13 ألف عائلة فلسطينية ستصبح مشردة.
وفي هذا الشأن، قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام: "هذه الأوامر تزيد من ضعف آلاف الأسر الفلسطينية الفقيرة، بعضهم في خطر وشيك من التهجير القسري. ويأتي هذا التقرير في سياق ارتفاع في عمليات الهدم في الضفة الغربية، حيث تم هدم مئة وثلاثة وأربعين مبنى فلسطينيا خلال أغسطس 2015، وهو الأعلى في غضون خمس سنوات.
وجدد دوجاريك دعوة الأمين العام إلى سلطات الكيان الإسرائيلي لوقف عمليات هدم المباني التي يملكها الفلسطينيون، وإلغاء الخطط التي من شأنها أن تؤدي إلى نقل قسري للسكان الفلسطينيين، وتنفيذ التخطيط الشامل ونظام تقسيم المناطق الذي يحتاجه الفلسطينيون لتحقيق التنمية السكنية والمجتمعية.
وذكرت صحيفة "هاآريتس" أن أكثر من 11 ألف مذكرة هدم صدرت ضد ما لا يقل عن 13 ألف منزل فلسطيني.
وأضافت الصحيفة بأن أوامر الهدم ازدادت بشكل ملحوظ منذ تنصيب حكومة نتنياهو الثانية في عامي 2010 و2011 حيث صدرت في هذين العامين بالترتيب 776 و1020 أمر هدم ضد مبان فلسطينية وذلك مقارنة بـ 409 أمر هدم صدرت خلال عام 1999، وبمتوسط سنوي قدره 49 أمر هدم بين عامي 1988 و1995، لكن في عام 2010 وحده صدر ما لا يقل عن 1020 أمر هدم ضد مبان فلسطينية وحسب البيانات الرسمية فإن المتوسط السنوي لأوامر الهدم جاء في عهد حكومات نتنياهو.