الوقت- بينما دخل العراق في وضع صعب آخر هذه الأيام، يتمثل في مواجهة انتشار فيروس کورونا وتطبيق الحجر الصحي العام، وذلك بعد عدة أشهر من الاحتجاجات في الشوارع، يقوم الأمريكيون بإخلاء بعض قواعدهم العسكرية في وسط العراق، استعداداً لتعزيز قواتهم في عدة قواعد كبيرة.
وبالتزامن مع حشد القوات الأمريكية في عدة قواعد عسكرية كبيرة، مثل "عين الأسد" في محافظة الأنبار و"الحرير" في محافظة أربيل بإقليم كردستان العراق، فإن القضية الخطيرة التي لفتت انتباه وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين في الأيام القليلة الماضية، ترتبط بنشر أنظمة الدفاع الصاروخي "باتريوت" و"سي-رامس" في العراق، خلافاً للمزاعم الأولية للمسؤولين الأمريكيين، الذين ذكروا أن هذه الأنظمة سيتم نشرها بالتنسيق والتشاور مع المسؤولين الحكوميين في العراق.
ولكن خلافاً للتوقعات الأولية، فقد نشرت واشنطن الآن نظام الدفاع الصاروخي في قواعدها دون إذن من بغداد. ومع ذلك، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما هي الأهداف التي يسعى إليها ترامب وسنتكوم من نشر نظام الدفاع الصاروخي في العراق؟ وإلى أي مدى سينجحون في تحقيق أهدافهم؟
التعامل مع الهجمات العراقية الداخلية
الهدف الأول وربما الأساسي للإدارة الأمريكية من نشر نظام الدفاع الصاروخي باتريوت، يمكن تقييمه بأن الأمريكيين يعتزمون الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات بالصواريخ وقذائف الهاون الأخيرة التي استهدفت مواقعهم من قبل قوات الحشد الشعبي، وبطريقة ما إنقاذ أنفسهم من الضعف الواسع في قواعدهم، وقد تم تأكيد ذلك حتى في رد المسؤولين الأمريكيين على الحكومة العراقية.
وفي هذا الصدد، أفاد موقع "العربي الجديد" الاكتروني نقلاً عن مسؤول رفيع في مكتب رئيس الوزراء العراقي، بأن الحكومة العراقية قد أبلغت أمريكا أن تركيب مثل هذه الأنظمة "يجب أن يكون على شكل اتفاقية جديدة رسمية بين البلدين، واستناد واشنطن إلی اتفاقية الشراكة الأمنية بين البلدين عام 2008، يجب أن يكون مصحوباً بمراجعة أو إضافة فقرات إلى نص الاتفاقية."
وبحسب المسؤول العراقي، لم تعلق الحكومة الأمريكية على الأمر، وأضاف "هذا هو النهج الذي اتبعته واشنطن في الآونة الاخيرة خاصةً بعد استقالة عبد المهدي وتحوُّل الحكومة إلى تصريف أعمال".
وشدد المسؤول في الختام على أن الرد الوحيد الذي قدمته وزارة الدفاع الأمريكية لبغداد، هو أن انتشار باتريوت يتماشى مع "الإجراءات الدفاعية لدعم القوات الأمريكية وغيرها من القوات الموجودة في التحالف الدولي (المسمى بالتحالف ضد داعش)".
غطاء دفاعي للسعودية والکيان الإسرائيلي
بعيداً عن ذريعة الأمريكيين للدفاع عن قواتهم وحلفائهم في العراق، يمکن تقييم هدف آخر من وراء نشر نظام الدفاع الصاروخي، وهو يأتي في سياق خطة واشنطن للدفاع عن الکيان الإسرائيلي والحكومة السعودية.
في الواقع، يمكن القول إن أسباب هذا الإجراء الأمريکي قد تتجاوز حدود العراق، بمعنی أنه من خلال تثبيت هذا النظام، تسعى أمريكا لحماية الکيان الإسرائيلي وتأمين حدود السعودية الشمالية مع العراق.
إن نشر صواريخ باتريوت في العراق، هدف استراتيجي لأمريكا يتجاوز العراق. "لأن هذا النظام الصاروخي سيكون قادراً على صد أي هجوم باليستي إيراني على الأراضي الفلسطينية المحتلة، کما أن نشر صواريخ باتريوت في الأنبار وأربيل سيمنع وقوع مثل هذه الهجمات."
وبحسب المسؤولين العراقيين، فإن النظام سيكون قادرًا أيضًا على تغطية معظم حدود العراق مع السعودية، والذي سيكون درعًا ضد أي هجوم صاروخي على الرياض.
الهدف النهائي هو الحفاظ على الوجود
أبعد من هذين الهدفين، يمكن تقييم الهدف الأكثر أهميةً لأمريكا من نشر نظام الدفاع الصاروخي باتريوت، في سياق الجهود الأمريكية لتجنب مغادرة العراق بأي وسيلة ممكنة.
في الواقع، منذ أن أصدر البرلمان العراقي قراراً يطالب بطرد القوات الأجنبية، أدرك المسؤولون السياسيون الأمريكيون الآن أكثر من أي وقت مضى أن أسس بقائهم في العراق قد اهتزت. ولذلك، سعوا في الأشهر الأخيرة إلى الحفاظ على وجودهم في بغداد بأي طريقة ممكنة.
وفي هذا الصدد، يمكن النظر إلى نشر نظام الدفاع الصاروخي باتريوت على أنه أحدث خطوة من جانب واشنطن للحصول على ذريعة للبقاء في العراق، وهي محاولة تقوم على البقاء من خلال الإجبار والقوة.
على عكس أجزاء أخرى من غرب آسيا، فإن العراق مهم للغاية ولا يمكن إنكار أهميته بالنسبة إلی دونالد ترامب وفريق الأمن القومي بالبيت الأبيض، لذلك لا يبدو أنه من السهل عليهم المغادرة.
ويبدو أن نشر نظام باتريوت ونظام الدفاع الصاروخي سي-رامس، بمثابة تحذير للقوات المنضوية في الحشد الشعبي بأنهم لن يکونوا قادرين على طرد القوات الأمريكية، عبر الهجمات الصاروخية والضربات العسكرية.
هل ستنجح أمريكا في تحقيق هدفها؟
على الرغم من الأهداف المتعددة الأوجه لأمريكا في نشر أنظمة الدفاع الصاروخي في قواعدها العسكرية، يبدو أن واشنطن لن تكون ناجحةً للغاية في تحقيق أهدافها.
في البداية، من المهم أن نلاحظ أن الأغلبية العظمى من المواطنين العراقيين يعارضون استمرار وجود أمريكا في هذا البلد، وأن عدد السياسيين الذين يسعون إلى انسحاب القوات الأجنبية يتزايد كل يوم.
وفي مثل هذا الجو، يبدو أنه لا يمكن لأحد في منصب رئيس الوزراء أن يبقى صامتاً بشأن بقاء الأمريكيين في هذا البلد. من ناحية أخرى، فقد ثبت أن القدرات الدفاعية الأمريكية، وأهمها باتريوت، ضعيفة للغاية في الدول الأخرى، ولا تبدو صواريخها التي تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدولارات، منطقيةً على الإطلاق لمواجهة قذائف الهاون التي تبلغ قيمتها بضعة دولارات.
بشكل عام، تشير الدلائل التاريخية إلى أن استخدام القوة العسكرية أو القوة القسرية، لم يضمن أبدًا بقاء قوة عظمى في بلد آخر. ولإثبات ذلك، يكفي النظر في وجود أمريكا في مستنقع فيتنام، ووجود الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. ويبين التاريخ أن إرادة الأمم كانت دائماً تتغلب على القوة العسكرية، ولا يمكن للعراق أن يكون استثناءً من هذه القاعدة.