الوقت- يفاوض وفد صنعاء من منطلق القوة بعد أن أرست حركة أنصار الله واللجان الشعبية قواعد جديدة في الميدان العسكري. ففي ظل إنشقاقٍ واضحٍ في صف التحالف الذي يشن العدوان العسكري على اليمن، يبدو أن مرونة حركة أنصار الله في محادثات مسقط، جعلت الكرة في ملعب الطرف الآخر. في حين لم تعد الشروط السابقة التي كانت تُفرض لوقف العدوان مهمةً لواشنطن والغرب، لا سيما ما يتعلق بمصير الرئيس المخلوع هادي. فماذا في آخر مستجدات محادثات مسقط؟ وكيف يمكن قراءة دلالاتها وتحليلها؟
تقرير حول محادثات مسقط:
ينتظر وفد صنعاء في مسقط عودة المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ من الرياض، حاملاً موقفها من وثيقة الحلّ الأخيرة التي تقدمت بها حركة أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام، فيما جرى تسريب رسالة المبعوث الدولي ولد الشيخ إلى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الخارجية جيفري فيلتمان، والتي يوضح فيها جملة من النقاط المهمة بشأن جولة المفاوضات الأخيرة التي شهدتها مسقط بين وفد صنعاء ومسؤولين سعوديين وأمريكيين وأوروبيين. وبحسب ما نقلت جريدة الأخبار اللبنانية عن مصدر مطلع في وفد صنعاء فإن الكرة باتت الآن في ملعب التحالف في انتظار ما سيعود به ولد الشيخ من الرياض خلال اليومين المقبلين.
وقال المصدر إن وفد حركة أنصار الله أصر على وقف العدوان والحصار قبل الحديث عن أي آليات تنفيذية، في حين طلب الوفد السعودي وقف إطلاق الصواريخ على السعودية وتوقف العمليات على الحدود، كشرط لإستمرار التفاهمات بحسب تعبيره، وهو ما اعتبره وفد صنعاء أمراً غير منطقي. وقال المصدر: "خضنا مفاوضات شاقة في مسقط مع خصم لا يعرف الأخلاق وفي ظل مواقف إقليمية ودولية لا تعترف بحقك في الرد والطرح"، مشيراً إلى أن الإدانات التي أصدرتها الجامعة العربية وبعض الأطراف المحلية والإقليمية بشأن مقتل "مقاتلين أجانب" في مأرب تعتبر "مثالاً على أن الأطراف الدولية والإقليمية تتعامل مع الحرب بمعايير لا منطقية".
تحليل ودلالات:
لا شك أن محادثات مسقط لها العديد من الدلالات وبالتحديد تلك التي تُظهر وفد صنعاء بموقع القوة فيما تدل على حجم الضعف الذي ينتاب السعودية تحديداً والخلافات الحاصلة بينها وبين حلفائها، كما يُبيِّن حجم المؤامرة الدولية وازدواجية المعايير التي يتم التعامل بها مع الأزمة اليمنية. وهنا نقول التالي:
- أظهر الوفد لا سيما حركة أنصار الله مرونة كبيرة في ظل وضعٍ ميدانيٍ قوي في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي على اليمن. وبالتحديد بعد المفاجآت العسكرية التي أثبتت قدرة الحركة واللجان الشعبية على تغيير المعادلات الميدانية. وهنا يمكن القول إن قوة الوفد اليمني المفاوض يمكن أن تؤكدها محاولات المسؤولين العمانيين والأوروبيين إقناع الجانب اليمني بالتحلي بالهدوء والعمل على تقديم الحل التفاوضي، في حين يؤكد الوفد لا سيما حركة أنصار الله على ضرورة إيقاف العدوان وإلا فالتصعيد العسكري الميداني سيستمر.
- كما أن الإتفاق يؤكد على ضرورة تنفيذ القرار 2216 بما لا يمس السيادة الوطنية ويهدف لتأمين وقفٍ لإطلاق النار لكن من جميع الأطراف مع وقف الأعمال العدائية ورفع الحصار البري والبحري والجوی عن اليمن. وبحسب ما نقلته صحيفة الأخبار اللبنانية وتداولته وسائل الإعلام، فقد دعا الإتفاق الى إحترام القوانين الدولية الإنسانية وبالتحديد حماية وإطلاق سراح المعتقلين والمحتجزین من کل الأطراف٬ بمن فيهم من وردت أسماؤهم في قرار مجلس الأمن٬ وتسهيل أعمال الإغاثة دون قيد أو شرط. أما على الصعيد السياسي فقد ذكرت الفقرة الخامسة بأن تعود حکومة رئيس الوزراء خالد بحاح لحل المشکلة توافقياً٬ لتمارس مهامها کحکومة تصریف أعمال لفترة لا تتجاوز ٦۰ یوماً یتم خلالها تشکيل حکومة وحدة وطنية بما لا یتعارض مع الدستور. وهو ما يُعتبر إنتصاراً لحركة أنصار الله وحلفائها السياسيين لما يمنحم ذلك من قدرة على التأثير في نظام الحکم الداخلي وآلياته.
- لذلك نقول انه على ما يبدو فإن الطرف المقابل لم يعد يمتلك قراءة واحدة للوضع اليمني لا سيما في ظل وجود خلافاتٍ واضحة بين رؤيتي واشنطن والرياض، إذ أن هذه المرونة الدولية جاءت بعد تباين المواقف ضمن ما يُسمى بالتحالف الدولي الذي يشن العدوان على اليمن. فأمريكا أيقنت أن الداخل اليمني أقوى من المؤامرات الخارجية كما أيقنت أيضاً أن مضي السعودية وحلفائها الخليجيين في الحرب ليس إلا من باب حفظ ماء الوجه السياسي في ظل إختلافٍ خليجي تبيَّن مؤخراً بين السعودية والإمارات تحديداً. في حين يمكن القول إنه تغيرت قواعد الميدان العسكري لصالح حركة أنصار الله وهو ما يعني امتلاكها أوراقاً سياسية أقوى الى جانب حلفائها الداخليين.
- وهنا على الرغم من أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة مُقصرة فيما يخص الأزمة اليمنية وتتعاطى بناءاً لمعايير مزدوجة، إلا أن واشنطن والدول الغربية وتحديداً بريطانيا وألمانيا الى جانب القطبين روسيا والصين، لم تعد تولي أهمية للشروط السابقة لا سيما ما كان يتعلق ببقاء الرئيس المخلوع هادي. فيما تتميز فرنسا بموقفها الداعم لإستمرار العدوان وتقف الى جانب الرياض لمصلحةٍ بات يعرفها الجميع تتعلق بالعقود العسكرية وبيع السلاح.
لم يعد بالإمكان التغافل عن حجم الخسارة التي تلقتها السعودية والتحالف في الحرب على اليمن. كما أنه لم يعد بالإمكان التغافل عن حجم القوة التي ظهرت بها حركة أنصار الله في ظل إحتضانٍ شعبيٍ لا يمنع وجود خلافاتٍ داخليةٍ يمنية لكنها تبقى طبيعية. في حين ينتظر العالم موقف الرياض بعد أن أصبحت الكرة في ملعبها، ليتبيَّن مستقبل الأمور والى أين تتجه الأزمة اليمنية.
