الوقت- "صفقة القرن" وعلى الرغم من جميع المساوئ التي جاءت في طياتها على اعتبار أنها تعمل على تصفية "القضية الفلسطينية" إلا أن هذا الأمر كان يعدّ فرصة جيدة جداً للفصائل الفلسطينية لكي تعيد النظر في الخلافات القائمة بينها وإنهائها وتوحيد الصف لمواجهة الخطر القادم على الفلسطينيين جميعاً دون النظر إلى انتماءاتهم، لذلك كانت "الوحدة" ضرورة حتمية بين جميع الأطراف المتنازعة، ولكن ما الذي حصل؟
في الحقيقة لم يكن هناك أي وحدة صف بين الفلسطينيين بل على العكس زادت انقساماتهم وتوترت الأوضاع من جديد بين "فتح" و"حماس" وبدأت تبادل الاتهامات بين الطرفين، وبرز هذا الخلاف بشكل جلي في أرجاء حركة "فتح" زيارتها إلى "قطاع غزة" ما دفع كثيرين لنشر الكثير من التكهنات حول إلغاء الزيارة، إلا أن الشيء المعلن والواضح هو وجود توتر لايزال قائماً بين "فتح" و"حماس".
ماذا يجري في الكواليس؟
بعد أن تم الاعلان على توقيع "صفقة القرن" كان هناك مؤشرات ايجابية من قبل كل من "حماس" و"فتح" للمضي قدماً نحو إنهاء الخلاف بينهما وتوحيد الخطاب لإفشال "صفقة القرن"، وكان الرئيس الفلسطيني قد أعلن قطع "أي علاقة بما فيها الأمنية" مع إسرائيل وأمريكا مؤكداً تحرره من التزاماته بموجب اتفاقات أوسلو، لكن ما إن مضت عدة أيام حتى تراجع الخطاب الناري لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تجاه أمريكا واسرائيل، فما يقوله الرجل شيء، وما يحدث على الأرض شيء آخر، حتى ليظهر وكأن صراخه في الأيام الماضية، منذ إعلان "صفقة القرن"، لا يتجاوز حدود الاعتراض على شروط الوظيفة التي تسمى رئاسة السلطة. هو الأسلوب القديم نفسه، يكرّره "أبو مازن"، أملاً بإخافة الأمريكيين والإسرائيليين، الذين يواصل رجاله في المقابل التنسيق معهم منعاً لأيّ تطوّرات غير محسوبة في الضفة المحتلة.
في الأيام الأولى لإعلان "صفقة القرن"، تبنّى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، سقفاً عالياً، على الأقلّ خطابياً. ومع أن الفصائل سبق أن جرّبت الرجل وتهديداته، إلا أنها لم تمانع منحه فرصة جديدة يكون فيها "قائد المرحلة". لكن، كما كان متوقّعاً، لم يحدث شيء؛ إذ ظلّت أساليب السلطة على حالها، من دون أن تمنع أيضاً تواصل الدعوات الفصائلية الموجّهة إلى عباس من أجل عقد اجتماع لـ"الإطار القيادي الموقت لمنظمة التحرير" و"تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي بقطع العلاقات مع إسرائيل". وبينما طالبت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بـ"عقد الاجتماع من أجل صياغة استراتيجية وطنية لمواجهة الهجمة الإسرائيلية، ولطيّ صفقة الانقسام"، انتقدت حركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" سلوك الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة، والتي لا تزال تعمل مع أجهزة الأمن الأمريكية والإسرائيلية، بل إنّ ممثّليها عقدوا لقاءً الخميس الماضي مع مديرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جينا هاسبل.
ما يقلق أكثر أن حركة "فتح" ألغت زيارة قاداتها إلى "قطاع غزة"، واتهمت حركة "فتح"، الحركة المسيطرة على قطاع غزة، بتجاهل طلب الفصائل الفلسطينية الحضور إلى القطاع من أجل مباحثات إنهاء الانقسام، ونفت "حماس" واتهمت حركة "فتح" بإرسال رسائل سلبية بتأجيل زيارة وفدها إلى القطاع.
ورغم أن حركة "فتح" لم تعلن السبب الحقيقي لإرجاء الزيارة، كشفت مصادر فتحاوية أنه يعود إلى الخلاف حول برنامج الزيارة الذي يركز على الزيارات واللقاءات من دون بُعد جماهيري وشعبي، كما يرغب عباس الذي يريد "ظهور صورة جماهيرية مساندة له في غزة"، إضافة إلى أن القيادة العليا في "حماس" لم تبلغ موقفها من استقبال الوفد أو الجلوس معه، وهنا تخشى قيادة السلطة، كما تنقل مصادر مطلعة، أن يكون مستوى اللقاء ضعيفاً، ما يعني ضغطاً من "حماس" كي يأتي عباس بنفسه للقاء الصف الأول. وعلى مدى أسبوع، حمَل مسؤول "فتح" في غزة، أحمد حلس، رؤية حركته للزيارة وبرنامجها إلى "حماس" التي لم ترد عليه مباشرة، واقتصر حديثها عبر وسائل الإعلام على الترحيب، وهو ما دفع عباس إلى إرجاء الزيارة.
من جانبه قال الناطق باسم حركة "حماس" فوزي برهوم، إن الإعلان عن تأجيل الوفد القادم من رام الله إلى قطاع غزة، "في ظل الترحيب والموافقة الواضحة من الحركة خطوة مستهجنة ورسالة سلبية لشعبنا، تحديداً في هذا الوضع الخطير الذي تمرّ به قضيتنا". وأضاف: "إن وفد فصائل منظمة التحرير مرحّب به في غزة، وقد أعلنت الحركة ترحيبها رسمياً في اتصال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة بالرئيس محمود عباس، وفي كلمة عضو المكتب السياسي للحركة د. صلاح البردويل خلال المؤتمر الشعبي الوطني لمواجهة (صفقة القرن) يوم الأحد الماضي، وتم التأكيد على ذلك في لقاء فصائلي خاص شاركت فيه حركة (فتح)، وحركة (الجهاد الإسلامي)، والجبهتان الشعبية والديمقراطية، إضافة إلى حركة (حماس) يوم الأحد الماضي".
وربما يمكن ربط ارجاء الزيارة بما قاله الإعلامي الإسرائيلي مسؤول القسم العربي في القناة الإسرائيلية 13 "تسفي يحزكئلي" الأربعاء، أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يخشى على سلطته من حركة "حماس". وأشار "يحزكئلي" في لقاء له على القناة العبرية إلى أن عباس يمنع الشبان الفلسطينيين من المواجهات مع "الجيش الإسرائيلي" خوفا من سيطرة حماس على الضفة الغربية. وأضاف "أبو مازن اتخذ قرارا بعدم تسخين الشارع، ولجم الأحداث، خوفا من استغلال حماس تلك الأحداث وفرض سيطرتها على الضفة". وأكمل "بالنسبة للسلطة، من المريح استمرار التنسيق الأمني مع "إسرائيل"، وليس من المتوقع توقيفه، أو حتى السماح للشبان بالخروج للمواجهات مع الجيش "الإسرائيلي" بالضفة.