الوقت- في يوم الاثنين الماضي، أعلنت السعودية عن تشكيل تحالف جديد من ثماني دول تحت عنوان مجلس الدول المطلة علی البحر الأحمر وخليج عدن.
في اتفاقية تأسيس هذا التحالف، تم انتخاب الرياض مقرًا لمجلس الدول المطلة علی البحر الأحمر. وتأتي هذه الخطوة وسط جهود السعودية لتعزيز وجودها في البحر الأحمر على مدى السنوات القليلة الماضية، للعب دور رئيسي في البحر الأحمر وائتلافاته.
أهداف تشکيل مجلس الدول المطلة علی البحر الأحمر
البحر الأحمر، الذي تبلغ مساحته 438 ألف كيلومتر مربع، هو خامس عشر أكبر بحر في العالم، وتحيط به تسع دول هي السعودية ومصر واليمن وجيبوتي وإريتريا والسودان والصومال والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة. من ناحية أخرى، ضاعف وجود مضيقي "السويس" و"باب المندب" الهامين على جانبي البحر الأحمر، أهميته الإستراتيجية.
في أعقاب حصار قطر وإضعاف مجلس التعاون، بذلت السعودية جهودًا كثيرةً لإنشاء مجلس موازٍ بأهداف جديدة. ومنذ ديسمبر 2018، أرسلت السعودية رسائل إلى الدول الساحلية المطلّة علی البحر الأحمر من أجل إنشاء تحالف سياسي.
من ناحية أخرى، كان وجود دول مثل تركيا في البحر الأحمر وسعي دولة الإمارات للحضور في القرن الإفريقي، الدوافع السياسية للسعودية لتواجد أكبر في البحر الأحمر.
ولكن في خضم حرب اليمن، وفَّرت السعودية التمهيدات لهذا الحضور، ومن خلال "الهدف التمويهي" المتمثل في الحد من نفوذ إيران في البحر الأحمر(تحت ذريعة أن أنصار الله اليمنية تتبع إيران)، تخفي دوافعها الرئيسية.
وفي هذا الصدد، عقدت السعودية المؤتمر الأول لوزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر في الرياض في ديسمبر 2018. وأعلنت في ذلك الوقت أنها تسعى إلى إنشاء نظام قانوني يهدف إلى حماية التجارة العالمية والملاحة الدولية والأمن والاستثمار والتنمية في البلدان المطلة علی البحر الأحمر.
وکان ذلك في حين أنه قبل تسعة أشهر من هذا الاجتماع، وقعت تركيا عقدًا مع السودان لاستئجار جزيرة "سواكن"، لکن الرياض دعت السودان لحضور المؤتمر لإحباط جهود تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، بالنظر إلى الجهود الإسرائيلية الجديدة للتأثير على معادلات الطاقة والسياسة في البحر الأحمر، وكذلك منافسة الکيان مع تركيا، فإن السعودية وعلی الرغم من أنها لم تدع الکيان الإسرائيلي لحضور هذا المؤتمر بسبب العقبات الدبلوماسية والسياسية، ولكن بتشكيل المجلس تبعث برسالة واضحة لمواءمة وتطبيع العلاقات مع الکيان.
منذ البداية كتبت صحيفة "العربي الجديد" القطرية في هذا الصدد: "بالنظر إلى وصول "إسرائيل" إلى سواحل البحر الأحمر، فإن تشكيل هذا المجلس يمكن أن يكون خطوةً سريةً لتطبيع العلاقات مع هذا الکيان".
ولتعزيز هذا التحالف السياسي، أجرت السعودية حتی الآن مناورتي "الموجة الحمراء 1و2" على مدار العامين الماضيين، بمشاركة قوات من السعودية ومصر والسودان وجيبوتي والحكومة اليمنية المستقيلة.
وأُعلن أن الهدف من التدريبات هو تعزيز مستوی الأمن البحري والتعاون العسكري ومواجهة التهديدات وتبادل الخبرات. لكن السعودية ومن خلال إشراك دول ضعيفة مثل اليمن(الحکومة المستقيلة في عدن) وجيبوتي، تسعى للهيمنة السياسية والعسكرية علی هذه البلدان وتعزيز نفوذها في البحر الأحمر.
ومن ناحية أخرى، تسعى السعودية في هدف مزدوج إلى عزل أنصارالله والإمارات بشكل متزامن في المعادلات الجيوسياسية للبحر الأحمر وخليج عدن، من خلال إشراك الحكومة اليمنية المستقيلة. کما تسعى السعودية من خلال تشكيل المجلس المذکور في البحر الأحمر، إلى التقليل من أهمية الخليج الفارسي في نقل الطاقة أيضًا.
آفاق التعاونات في البحر الأحمر
على الرغم من الجهود السعودية لإظهار مواءمة المصالح الإقليمية في هذا المشروع، ولکن لا تزال هناك عقبات كبيرة.
فمن ناحية، البحر الأحمر هو نقطة اتصال القارات الثلاث أي إفريقيا وآسيا وأوروبا، وهي إحدى الطرق لنقل الطاقة من بحر العرب وخليج عدن إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا. لذلك، فإن البلدان غير المتشاطئة مثل الإمارات وقطر وتركيا والاتحاد الأوروبي، تشعر بقلق عميق إزاء النظام القانوني وأي ائتلاف قد يتعارض مع مصالحها. وکان الاتحاد الأوروبي قد اقترح في السابق نظامًا قانونيًا مرنًا في البحر الأحمر استنادًا إلى نموذج "مجلس بحر البلطيق"، لمراعاة مصالح البلدان غير المتشاطئة.
ومن ناحية أخرى، تسعى مصر إلى تعزيز آليات لمنع وجود إثيوبيا في البحر الأحمر، وذلك بسبب نزاعها الخطير مع إثيوبيا حول سد النهضة.
إثيوبيا بحاجة إلی الحضور في البحر الأحمر، ولأنها لا تشاطئ هذا البحر فعليها الوصول إليه عبر إريتريا. وحالياً بالنظر إلی وجود مصر وإريتريا في مجلس الدول المطلة علی البحر الأحمر، فإن مصر تستخدم ذلك كأداة سياسية ضد إثيوبيا.
نظراً إلى ذلك، فإن إثيوبيا وبسبب هذه المعضلة الجيوسياسية، ستتخذ خطوتين تضفيان طابعاً جديداً للمنافسة في البحر الأحمر، وتشكلان تحدياً كبيراً لمجلس الدول المطلة علی البحر الأحمر، وهما:
الأولی، تعزيز الاتحاد الأفريقي في البحر الأحمر. لقد شكلت الدول الإفريقية مجموعة عمل منفصلة لتحقيق مصالحها في البحر الأحمر منذ سبتمبر 2019، بسبب النزعة السعودية الأحادية في البحر الأحمر.
والخطوة الثانية لإثيوبيا هي عن طريق جيبوتي، حيث أجرى وفد عسكري من إثيوبيا محادثات مع جيبوتي الشهر الماضي، لبناء قاعدة عسكرية قبالة خليج عدن مطلة على خليج عدن. ومن خلال الإجراءات الإثيوبية، ستهيمن الدول الإفريقية على الضفة الغربية للبحر الأحمر.
من بعد آخر، فإن الإمارات وإذ تدرك هدف السعودية الخفي المتمثل في منع تسللها إلى البحر الأحمر والقرن الأفريقي، أشأت قاعدةً عسكريةً في إريتريا وأخرى في منطقة "بربرة" في الصومال، حتی لا يفوتها قطار المنافسة. أما تركيا فبالإضافة إلى قاعدة في السودان، أنشأت قاعدةً بقيمة 50 مليون دولار في الصومال.
بالنظر إلی جهود السعودية ومصر في إنشاء المجلس الجديد للحد من تأثير المنافسين، ستبذل البلدان غير المطلة مثل تركيا والإمارات مزيدًا من الجهود في المستقبل، لإنشاء قواعد متنوعة في بلدان مختلفة، والمزيد من التواجد في البحر الأحمر؛ كما بذلت بلدان أخرى جهوداً مماثلةً.
حيث للولايات المتحدة قاعدة في اليمن وقاعدة في جيبوتي. کما أن للصين قاعدةً في جيبوتي أيضاً. ولكل من الکيان الإسرائيلي واليابان قاعدة في إريتريا. لذا، فإن مجلس الدول المطلة علی البحر الأحمر بمرکزية السعودية ومصر، سيدشن مرحلةً جديدةً للتنافسات في البحر الأحمر.