الوقت - كلما كان هناك حديث عن حركات الاستقلال الإفريقية ، فإن الحركة التحررية المناهضة للاستعمار "عمر المختار" ضد المستعمرين الإيطاليين في أوائل القرن العشرين تأتي في المقدمة. لكن بعد ما يقرب من قرن من إعدام عمر مختار, تستقطب ليبيا قوى مختلفة من شرق وغرب العالم، وتستمر آفاقها المستقبلية في التدهور. وعلى نفس المنوال قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس خلال كلمة ألقاها في اليوم الدولي لحقوق الإنسان في جامعة بيلكنت أنقرة حول تطورات الشرق الأوسط: "سنرسل قوات عسكرية الى ليبيا في حال طلبها". هذا الموقف الواضح والأمني من أنقرة يدل على أن نقل السلطة والمنافسة في ليبيا قد وصل إلى مرحلة حرجة، مع تزايد المنافسة الأجنبية على النفوذ في ليبيا تدريجياً.
بعد الإطاحة بالقذافي في عام 2011 ، ظهرت اتجاهات جديدة في المناخ السياسي المضطرب في ليبيا. أدت المصادمات المستمرة منذ أربع سنوات في ليبيا إلى تشكيل مجموعات سياسية قائمة على مجموعات الائتلاف الليبرالية تحت مسمى "الوفاق الوطني". بعد الاتفاق سياسي في ليبيا في عام 2015 ، تم انتخاب فايز السراج ، الذي كان له سجل في وزارة الإسكان الليبية، رئيسًا للمجلس الرئاسي الليبي. بعد وصول سراج إلى طرابلس في عام 2016 ، قام باقتراح حكومة لم تتمكن من الحصول على ثقة في البرلمان. واستؤنفت الحزبية وإعادة المنافسة في ليبيا. وكانت حكومة الوفاق الوطني مدعومة من قبل مجلس الأمن والمؤسسات الدولية. حيث قامت الحركات سياسية القريبة من جماعة الإخوان المسلمين، بحل نفسها بعد تشكيل الوفاق الوطني والانضمام اليه.
في هذه الأثناء، في شرق ليبيا، في مدينة البيضاء، تم تشكيل حكومة مؤقتة بمساعدة الجنرال حفتر وتعيين "عبد الله الثني"، رئيساً للبرلمان. ونظّم حفتر قواته تحت اسم "الجيش الوطني الليبي". ودعت هذه المجموعة المدعومة من قبل مصر والسعودية والإمارات وروسيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية، إلى تشكيل حكومة مماثلة لحكومة عبد الفتاح السيسي في مصر. وعلى النقيض كانت كل من تركيا والجزائر وبعض الدول الأخرى تدعم حكومة الوفاق الوطنية. وهذا الدعم ليس بسبب التنسيق مع المؤسسات الدولية، ولكن بسبب المصالح والقدرة التنافسية لمختلف البلدان في القرن الإفريقي التي دعمت كل القوى السياسية في ليبيا بحيث لم تتمكن ليبيا من تحقيق الاستقرار منذ عام 2011 حتى الان على الرغم من وجود الاتفاق السياسي. لكنها بدأت تتحول الى سوريا أخرى.
نمط سوريا في ليبيا
تعد ليبيا التي تملك احتياطي نفط مسجل 47 مليار برميل واحدة من أكبر عشر دول غنية بالنفط في العالم وأكبر دولة غنية بالنفط في إفريقيا. لذلك فإن ربط القضايا الاقتصادية الجيولوجية بالمصالح السياسية للقوى الأجنبية قد عرض ليبيا الى حروب بالوكالة، حيث حذرت صحيفة صن البريطانية مؤخرًا من أن تصبح ليبيا سوريا اخرى.
في أعقاب زيارة الجنرال حفتر للسلطات السعودية في الرياض في 27 مارس، شنت القوات المدعومة من قبله هجمات واسعة النطاق بغية الاستيلاء على طرابلس. وكتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير حول هذه القضية: "تعهدت السعودية بصرف عشرات الملايين من الدولارات لحفتر لبدء عمليات الاستيلاء على مدينة طرابلس." وفي سياق مواصلة دعمها للمتمردين الليبيين بقيادة حفتر أصدرت السعودية 1750 تأشيرة لدعم الأسر المتمردة. وقال المتحدث باسم القوات التابعة للجنرال حفتر العقيد "أحمد المسماري" في مقابلة مع صحيفة العربي الجديد: "بناءً على التنسيق مع سلطات الرياض في رمضان الماضي، صدرت 1700 تأشيرة لقواتنا للمشاركة في الحج هذا العام ولقد كُرست جميعها لعائلات القتلى في عملية كرامة (طرابلس)".
من ناحية أخرى، كانت تطورات حفتر الجديدة تجاه طرابلس مصدر قلق لتركيا. وفي إشارة إلى قلق تركيا، قال رجب طيب أردوغان أمس: "كما نرى، فإن روسيا ومصر والإمارات تدعم حفتر وقواته بكل الوسائل الممكنة. في مثل هذه الحالة، إذا طلبت منا حكومة الوحدة الوطنية الليبية إرسال قوات لمساندتها، فسنفعل ذلك بقرارنا المستقل ولن نسمح لأحد". قامت تركيا، التي كانت تربطها علاقات وثيقة مع القذافي في السابق، باستثمارات خاصة في ليبيا بعد تولي حكومة الوحدة الوطنية السلطة. هذا النهج التركي مستوحى مما بعد الحداثة الأخيرة في السياسة الخارجية التركية. وفقا لتقرير بلومبرغ، اتفقت الشركات التركية مع الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها على مشاريع البنية التحتية التي تزيد قيمتها على 18 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، حددت تركيا سياستها الجديدة في منطقة شرق البحر المتوسط الحساسة في المحور الليبي. تقع تركيا على بعد 600 كم من ليبيا. في 27 نوفمبر / تشرين الثاني ، قدم أردوغان وفايز السراج مذكرتي تفاهم حول التعاون الأمني والعسكري ، فضلاً عن تعيين المناطق البحرية المتوسطية والتقسيمات البحرية التي أدت إلى توتر العلاقات اليونانية مع حكومة الوحدة الوطنية وطرد السفير الليبي من أثينا. لكن أردوغان يدعم الصفقة بقوة. وقال في بيان صدر مؤخرا "ان اتفاق تركيا مع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا يضمن حقوق البلدين وقد أرسلنا نسخة من الاتفاقية إلى منظمة الأمم المتحدة." كان الاتفاق التركي الليبي أقوى رداً على جهود اليونان وقبرص بتطبيق حصار على تركيا في شرق البحر المتوسط. كما تستطيع تركيا وليبيا استكشاف موارد الطاقة بشكل مشترك في شرق البحر المتوسط".
بالإضافة إلى ذلك، زاد أردوغان من مغامراته الدولية بسبب فشل بعض السياسات الداخلية لتركيا، مثل فقدان اسطنبول في الانتخابات البلدية. تمامًا كما كانت إعادة الإمبراطورية العثمانية الجديدة واحدة من دوافع تركيا في بداية الحرب الأهلية السورية، فهي الآن جاهزة لمواجهة بعض المخاطر الجديدة في ليبيا، وفي أعقاب استعداد تركيا لإرسال قوات إلى ليبيا ، رددت الجماعات القريبة من السعودية، مثل مجموعة أبناء ليبيا والحركة من أجل ليبيا، شعارات ضد أردوغان. يقول المحلل في صحيفة يني تشاغ "جاهد أرمغان ديلاك"، حول سياسة تركيا الخارجية تجاه ليبيا: "تركيا تكرر خطأ سوريا في ليبيا" كما ان تنافس القوى الكبرى مثل أمريكا وروسيا على ليبيا في ازدياد.
النفوذ الروسي والأمريكي في ليبيا
من ناحية أخرى، بما أن بوتين مدين بسلطته وموقعه منذ عام 2002 لارتفاع أسعار النفط وعائدات النفط الروسية ، فقد دعم سرا وبشكل علني أي توترات قد تحيج السوق العالمي للنفط الروسي. كما تضع روسيا مصالحها المتوسطية وسياساتها في إفريقيا على حساب أوروبا على أساسين هما الطاقة والهجرة. زادت روسيا من نفوذها في ليبيا منذ العام الماضي؛ ونقلت صحيفة صن البريطانية عن مصدر رفيع في الحكومة البريطانية قوله: "لقد دعمت موسكو خليفة حفتر، الذي يرأس الجيش الوطني الليبي في تأمين الجنود والتجهيزات الثقيلة" ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمنيين بريطانيين قولهم "الحقيقة هي أننا معرضون بشدة لتدفق المهاجرين وصدمة النفط الليبية وستكون عواقبها على الديمقراطية الغربية كارثية."
وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص للشؤون الليبية "غسان سلامة" قبل يومين في مقابلة مع صحيفة "كوريير ديلا سيرا" الإيطالية: "الهجوم على طرابلس أصبح أكثر حدة منذ أن أصبحت قوات حفتر تحت الرعاية الروسية". من ناحية أخرى، يحاول حفتر إقناع بوتين من خلال إقامة علاقات وثيقة مع روسيا للمساعدة في رفع العقوبات المفروضة على الجيش الوطني الليبي بناءً على قرارات مجلس الأمن.
ترامب، من ناحية أخرى، يتبع سياسات متضاربة بشأن ليبيا. وكتبت صحيفة الغارديان في تقرير صدر في يونيو / حزيران: "قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد شهرين من إعلان دعمه للجنرال حفتر، التراجع عن هذا القرار"، لكن أمريكا تراقب بعناية التحركات الروسية في ليبيا. يرى الكثيرون زيادة في اهتمام الأمريكيين بليبيا بسبب الوجود الروسي هناك. حيث سافر وفد أمريكي مؤخرًا إلى ليبيا وعبر خلال لقائه حفتر عن قلقه البالغ من "استغلال روسيا للصراع في ليبيا". ومنذ يومين، كانت القوات الروسية في ليبيا قد استهدفت طائرة أمريكية من دون طيار، وكان لأمريكا وروسيا وجود ملموس في ليبيا من قبل، ولكن مع مرور الوقت واشتداد حساسية المنافسة، أصبحت التحركات الروسية والأمريكية في ليبيا واضحة.
بشكل عام، مع انتهاء الأزمة السورية، واعلام تقارير سعي المجموعات الإرهابية مثل داعش لنقل الناجين منها إلى مناطق أخرى، بما في ذلك ليبيا، يبدو أن المنافسات في ليبيا تزداد حدة، وهذا ما أثار قلقًا عالميًا من ايجاد كارثة أخرى من قبل المستعمرين الدوليين الجدد كما حدث في سوريا.