الوقت- بعد مدة من التكهنات بشأن احتمال حدوث انفراجة في العلاقات بين قطر ودول المقاطعة وانهاء مرتقب لأزمة استمرت عامين في مجلس تعاون الخليج الفارسي، يتم حالياً تداول اخبار وأدلة دامغة تتحدث عن صحة تلك التكهنات. ففي أهم حدث وقع وسط الاسبوع الحالي أعلنت وزارة الخارجية القطرية عن دعوة الملك السعودي للشيخ تميم بن حمد آل ثاني للمشاركة في اجتماع مجلس تعاون الخليج الفارسي في شهر ديسمبر دون الاشارة إلى طبيعة رد الدوحة.
وكانت السعودية ومصر والبحرين والامارات قد اغلقت مجالها الجوي وحدودها البرية امام قطر وفرضت حظراً اقتصادياً على الدوحة بتهمة دعم الارهاب معلنين 13 شرطاً ابرزها اغلاق قناة الجزيرة وانهاء العلاقات مع طهران واغلاق القاعدة العسكرية التركية ايضاً.
ومع ذلك، لا ينبغي ان ننسى ان دعوة العاهل السعودي لأمير قطر هي ليست الاولى خلال فترة انقطاع العلاقات بين البلدين بل كان الملك السعودي ايضاً قد دعا، في يونيو الجاري، أمير قطر بشكل رسمي للمشاركة في الاجتماع الطارىء لمجلس التعاون الخليجي في مكة حيث رفض الشيخ تميم عن المشاركة في ذلك الاجتماع وناب عنه وزير الخارجية اذ اتضح مبكراً جداً ان الظروف لم تتوفر لعودة العلاقات بين الدوحة والرياض.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وهو ما هي الاحداث التي وقعت منذ الاجتماع السابق لقادة مجلس التعاون حتى اللحظة حتى تتزايد الآمال في تسوية الازمة غير المسبوقة في هيكلية مجلس التعاون خلال الاجتماع القادم لزعماء هذه المؤسسة.
دلالات مهمة على المصالحة
إن الجانب الذي يميز دعوة الملك سلمان الاخيرة لأمير قطر عن الدعوات السابقة هو ملاحظة وقوع احداث نادرة في علاقات الجانبين منذ عام 2017 فصاعداً، الحدث الاول هو اعلان المشاركة في كأس دول الخليج الفارسي لكرة القدم في اللحظات الاخيرة من التحضير لإقامة هذا الحدث الرياضي المهم حيث كان دول المقاطعة قبل عامين قد امتنعت عن المشاركة في الدورة السابقة من هذه المسابقات.
والاشارة الايجابية الاخرى التي يمكن التطرق لها هي المواقف الصريحة والواضحة للمسؤولين الكويتيين حول التقدم في مفاوضات معالجة الخلافات، فالكويت حاولت منذ بداية الازمة لعب دور الوسيط وحل تلك الازمة وفضلت عدم نشر تفاصيل الجهود على وسائل الاعلام وتقدمت بها بشكل سري لتحقق نتيجة افضل لأنها كانت ترى الصخب الاعلامي عائقاً في هذا الشأن. إلا ان الكويت تخلت عن تحفظها السابق تقريباً وكشفت عن حدوث تقدم بالمفاوضات، ففي هذا السياق قال نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله الشهر الماضي، ان قرار دول المقاطعة المشاركة في كأس الدوحة هو "دليل واضح على التقدم نحو حل ازمة الخليج الفارسي"، هذا في وقت تولت فيه الكويت بشكل قانوني ترأس اجتماع قادة التعاون الشهر المقبل، وبالنظر الى ان السعوديين قادة دول الحصار يمكن ان يكون هذا الامر خطوة اخرى من قبل الكويت لتسوية النزاع.
كما وقد نُشرت اخبار لم يتم تأكيد ونفيها حول تبادل الزيارات بين مسؤولين سعوديين وقطريين رفيعي المستوى فكان أهمها خبر الزيارة السرية لوزير خارجية قطر الى السعودية ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يدير ملف قطر.
ما هي التنازلات التي يمكن ان تقدمها قطر؟
دلالات المصالحة تثير هذا السؤال التالي، ما هو سبب مرونة الرياض المحتملة لإنهاء مقاطعة قطر وما هي التنازلات التي يمكن أن تقدمها الدوحة؟
صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت في تقرير لها عن الزيارة السرية لوزير الخارجية القطري إلى الرياض أن "آل ثاني أبدى من أجل تحسن العلاقات مع الرياض، رغبته في قطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين مقابل استئناف العلاقات بين قطر والرياض، وردا على ذلك ، قالت الرياض إنها سيدرس هذا المقترح".
لم يتم تأكيد مزاعم هذه الصحيفة، والشك في صحتها ممكن للغاية – وذلك بالنظر إلى التحالف القوي للمحور الإخواني في المنطقة اي تركيا والدوحة الذي ظهر جلياً خلال زيارة أردوغان الأخيرة إلى قطر – هذا الموضوع كاف ايضاً لندرك قبول فشل وتراجع السعودية والتراجع عن مواقفها الصلبة والمتشددة تجاه قطر. لأن الدوحة رفضت منذ بداية الأزمة بشدة الإذعان لأهم الشروط الـ 13 التي اعلنتها دول المقاطعة وهي اغلاق قناة الجزيرة وقطع العلاقات مع إيران وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في اراضيها.
من جهة أخرى، إن الوضع الراهن في المنطقة يظهر مدى المأزق الذي وضعت فيه المملكة العربية السعودية وفشل سياسات محمد بن سلمان العدوانية تجاه القضايا الإقليمية والمنافسين الاقليميين، حيث رفعت التكلفة الباهظة لهذه السياسات أصوات مؤيدي ولي عهد السعودية في الداخل والخارج. لتجبره على إعادة النظر في وجهات نظره السابقة للحفاظ على مكانته.
وبناء على ما تقدم ينبغي أن نتوقع ولادة شكل جديد من أشكال العلاقات في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث ستهبط مكانة السعودية ، في نمط التغيير هذا، من القيادة ولعب دور الشقيق الأكبر إلى مكانة أدنى.