الوقت- شهدت المناطق الوسطى والجنوبية العراقية منذ أوائل شهر أكتوبر الماضي خروج الكثير من الاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة التي طالبت الحكومة العراقية بتحسين الاوضاع الاقتصادية والقضاء على البطالة وتحسين مستوى الخدمات العامة ومكافحة الفساد الإداري المنتشر في الكثير من المؤسسات والوزارات العراقية وإصلاح القوانين الدستورية وإجراء انتخابات جديدة.
يذكر أن هذه الاحتجاجات الشعبية حظيت بدعمِ من السلطات والحكومة والقوات المسلحة والتعبئة الشعبية وكانت في بداية الأمر سلمية، لكن التدخل الخارجي غيّر مجرى هذه الاحتجاجات بمعدل 180 درجة وقام بتقديم الدعم المالي لبعض التيارات المتشددة (الصرخيون والبعثيون، واليمانيون، والطائفة الشيرازية و ...) وذلك من أجل مهاجمة المراكز الحكومية والعسكرية والاقتصادية وتغيير خط سير التظاهرات السلمية وحرفها عن مسيرها.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن الهجوم على ميناء "أم القصر" الاستراتيجي الواقع في محافظة البصرة جنوب العراق، يُعدّ أحد الجهود التي يبذلها التحالف العربي الصهيوني الغربي بقيادة الأمريكيين والسعوديين والإمارات للضغط على الحكومة العراقية والإضرار بها اقتصادياً.
ولفتت تلك المصادر إلى أن ميناء "أم القصر" يقع بالقرب من الحدود المشتركة مع الكويت ويُعدّ أيضاً أكبر ميناء بحري في العراق؛ حيث يتم تفريغ ونقل حوالي 80 ٪ من البضائع المستوردة إلى العراق والقادمة من بلدان أخرى، وهذا الأمر ضاعف من أهمية هذا الميناء الاستراتيجي، ويعتبر ميناء "أم القصر" هو الشريان الاقتصادي المهم للعراق بأكمله، حيث تقوم الحكومة أيضاً بنقل وبيع النفط عبر هذا الميناء الاستراتيجي، وهذا الأمر جعل بعض التيارات الموالية لبعض القوى الخارجية ببذل الكثير من الجهود لإغلاق هذا الميناء المهم.
ووفقاً لبعض المصادر الميدانية العراقية، فلقد قامت بعض التيارات العراقية المتطرفة المدعومة من قبل وسائل الإعلام التابعة لبعض الأنظمة الرجعية في المنطقة خلال الفترة الماضية بتحريض المتظاهرين والمحتجين في محافظة البصرة على إغلاق ميناء "أم القصر".
ولفتت تلك المصادر الميدانية، أن تلك التيارات والجماعات المتطرفة والكثير من المتظاهرين تمكّنوا قبل عدة أيام من إغلاق الطرق المؤدية إلى ميناء "أم القصر" وقاموا بعد ذلك بمنع الموظفين من الوصول إلى هذا الميناء، وفي أعقاب ذلك قامت قوات الأمن العراقية، التي لم تسعَ إلى الاشتباك مع المتظاهرين والدخول في مواجهات عنيفة معهم، ببدء محادثات مع تلك الجماعات التي سيطرت على ميناء "أم القصر" من أجل حل هذه الأزمة دون نزاع، لكن تلك الجماعات قالت بأنها لن تخرج من ميناء "أم القصر" إلا بعد استقالة الحكومة العراقية.
يذكر أن تلك الجماعات المتطرفة التي لم ترغب في إنهاء هذه القضية بسلام، أعلنت الحرب بشكل غير مباشر على الحكومة العراقية وألحقت أضراراً باقتصاد العراق بلغت قيمتها 6 مليارات دولار.
وفي سياق متصل، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأنه بعد انتهاء الصبر الاستراتيجي للحكومة العراقية ومرور أكثر من تسعة أيام على المفاوضات التي لم تؤتِ ثمارها، قررت قوات الأمن العراقية التدخل بشكل سريع وفعلاً تمكّنت في 18 نوفمبر من إعادة فتح ميناء "أم القصر" الواقع في محافظة البصرة.
ولكن الجماعات والتيارات المتطرفة عادت في 27 نوفمبر وحاولت مرة أخرى إغلاق ميناء "أم القصر"، وبالفعل تمكنت هذه الجماعات والتيارات الموالية لبعض الانظمة الرجعية في المنطقة من اغلاق هذا الميناء الاستراتيجي وإلحاق أضرار مادية جسيمة بالحكومة والشعب العراقيين، وعقب هذه الحادثة، عادت قوات الأمن العراقية في الاول من كانون الأول إلى تلك المنطقة وقامت بالاشتباك مع تلك الجماعات المتطرفة وتمكنت من فتح الطريق أمام وصول الموظفين والشاحنات إلى ميناء "أم القصر"، وتمكنت أيضاً من فرض سيطرتها الكاملة على الأوضاع في هذا الميناء الذي يبعد حوالي 60 كيلومتراً من مركز محافظة البصرة العراقية.
ووفقاً لبعض المصادر الميدانية، لا تزال الاحتجاجات والاشتباكات في بعض الأجزاء الجنوبية العراقية مستمرة حتى هذه اللحظة ولفتت تلك المصادر إلى أن الجماعات المتطرفة لا تزال أيضاً تبذل الكثير من الجهود لكي تقوم بمهاجمة ميناء "أم قصر" مرة أخرى وذلك من أجل زيادة الضغط على الحكومة العراقية المركزية.
وحسب المعلومات التي تم الحصول عليها، تم نشر قوات الأمن العراقية في ميناء "أم القصر" والضواحي القريبة وذلك من أجل منع أي محاولة للتيارات والجماعات المتطرفة لإغلاق الطرق المؤدية إلى هذا الميناء.
الجدير بالذكر أنه إذا خرجت الأوضاع في جنوب محافظة البصرة عن السيطرة وتم إغلاق ميناء "أم قصر" الاستراتيجي، فإن الحكومة العراقية ستضطر إلى استيراد السلع الأساسية من البحر الأبيض المتوسط إلى ميناء "الإسكندرون" التركي ثم بعد ذلك تقوم بإرسالها إلى الاقليم الكردي ومن ثم تقوم بتوزيعها على كل المناطق العراقية المختلفة وهذا الأمر سوف يؤدي إلى حدوث خسائر مادية كبيرة لحكومة بغداد وسيخلق لها الكثير من المشكلات الاقتصادية.
ووفقاً للعديد من المصادر الإخبارية، فإن المسافة بين ميناء "الإسكندرون" التركي ومنطقة كردستان (أربيل) وصولاً إلى العاصمة بغداد تبلغ حوالي ألف وثلاثمئة كيلومتر، أي أقل بكثير من الطريق القادمة من ميناء "أم القصر"، وعلى الرغم من أن الطريق العابر للأراضي التركية والكردية أقصر وأرخص، إلا أن الحكومة العراقية لا ترغب في أن تستفيد حكومة أنقرة ورؤساء المنطقة الكردية من هذه التنقل التجاري وتحقيق مكاسب مالية كبيرة، ولقد أكدت الحكومة العراقية خلال الفترة الماضية بأنه إذا لم يتم إجبارها على القيام بذلك، فإنها ستعمل على استيراد البضائع من ميناء "أم القصر".
في الوقت الحالي، تقوم الحكومة العراقية بنقل البضائع من البحر الأبيض المتوسط إلى قناة السويس ثم عبر البحر الأحمر وصولاً إلى مضيق "باب المندب" وإلى بحر عمان ومضيق "هرمز" والخليج الفارسي، وأخيراً إلى ميناء "أم القصر" الواقع في محافظة البصرة الجنوبية.
يذكر أن الحكومة العراقية اختارت ميناء "أم القصر" لاستيراد البضائع، على الرغم من التكلفة الإضافية، لأنها لا تريد أن يقع شريانها الاقتصادي الرئيس في أيدي الحكومة التركية والمنطقة الكردية، ولا تريد أن تقدّم المزيد من التنازلات في المستقبل للجهات الأجنبية وعلى رأسها أمريكا، حيث تظهر التطورات الميدانية أن أمريكا وبعض الأنظمة الرجعية في المنطقة بذلت الكثير من الجهود خلال الفترة الماضية من أجل قطع الشريان الاقتصادي في العراق وذلك لاستكمال الانقلاب والإطاحة بالحكومة العراقية.