الوقت- على الرغم من أن زيارة أردوغان إلى واشنطن التي جاءت قبل أسابيع قليلة ماضية، حملت معها العديد من القضايا الجانبية، وحتى كادت الزيارة ان تُلغى بشكل كبير، فقد شقّ الرئيس التركي طريقه إلى أمريكا للقاء الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وكان أردوغان يأمل أن يجتمع مع ترامب، للسيطرة على حجم المعارضة الأمريكية المتزايدة لأنقرة من ناحية، ولأجل بعض التنازلات في هذا المجال، والمعادلات السياسية في سوريا، ومناقشة تسليم فتح الله غولن وغيرهم من الملفات، من ناحية أخرى، ومع ذلك فقد أظهرت نتائج الزيارة والتطورات التي تلت الزيارة، أن الرئيس التركي فشل في تحقيق جميع أهدافه.
وفي الحقيقة، على الرغم من وجود دلائل كثيرة قبل زيارة أردوغان، تشير إلى أن الأخير لن يتمكن من تحقيق إنجاز مهم وملحوظ، فقد أصرّ على تقديم بعض الأدلة لترامب والسياسيين الأمريكيين الآخرين لكسب بعض الامتيازات، ولكن مع عودة أردوغان من أمريكا، تحدّثت وسائل الإعلام المؤيدة لحزب العدالة والتنمية بحماس كبير عن النجاح والإنجاز الكبير الذي حققه أردوغان خلال زيارته، في حين لم تكن حصة أردوغان من الزيارة سوى بعض الصور التذكارية مع دونالد ترامب.
وكانت رصاصة الرحمة التي تلقتها وسائل الإعلام المقرّبة من الحكومة وحزب العدالة والتنمية، تتمثل في البيان الختامي لاجتماع "المجموعة المصغّرة" من قبل وزراء الخارجية حول سوريا، والتي تضم أمريكا والسعودية ومصر وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والأردن، حيث ركّزت فيها الدول الأعضاء بقيادة واشنطن على منع حدوث تغيير ديموغرافي قسري في سوريا، نتيجة العمليات العسكرية لتركيا في شمال سوريا لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة.
أردوغان وترامب.. تبادل الانتقادات والشكاوى
بنظرة عامة على زيارة الرئيس التركي المثيرة للجدل الى واشنطن، يمكن وصف المفاوضات التي حصلت خلال الزيارة بين أردوغان وترامب، بأنها نقاشات دون اتفاق، وفي الواقع، فقد حوّل قادة البلدين طاولة المفاوضات إلى مكان للتذمّر والشكوى من الآخر بدلاً من مناقشة وجهات نظرهم حول القضايا المختلفة والمشتركة، ومن جانب آخر، انتقد أردوغان الأمريكيين لهجومهم على شمال سوريا وحاول إظهار أنه وحكومته المتعاطفة لا يُعادون الأكراد بل إنهم معارضون لحزب العمال الكردستاني فقط.
كما سعى أردوغان في زيارته إلى الحد من شدة موقف الكونغرس الأخير حول الإبادة الجماعية للأرمن من قبل الجيش التركي خلال الحرب العالمية الأولى، ومن ناحية أخرى، لم يشر ترامب إلى حصول أي اتفاق بين أنقرة وواشنطن، بل اشتكى من أن شراء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخي من روسيا S-400أدّى إلى تعقيد العلاقات بشكل أكثر بين البلدين، وتُظهر مجمل المجريات أن ما حدث ليس اتفاقاً بين الطرفين، بل نوعاً من تبادل الانتقادات بينهما، وأن أردوغان لم يحقق بالفعل أي نتيجة ملموسة، وكان أردوغان في بداية الأمر يسعى أن يظهر لترامب وأعضاء مجلس الشيوخ أن أكراد سوريا إرهابيون كي يكسب تعاطفهم، كما كان في الوقت ذاته حريصاً على أن يغض نظر البيت الأبيض حول عملية شراء منظومات الدفاع الصاروخية، وقد بدا قبل زيارة الرئيس التركي لواشنطن، أن الجمع بين هذين النقيضين أمر غير ممكن، وقد أظهرت آراء ترامب وأعضاء مجلس الشيوخ تجاه أردوغان، أنه لن تتغير وجهة نظر أمريكا حول قضية التعاون مع الأكراد السوريين وأنها لن تدعم عملية نبع الفرات.
"اس – 400" مصدر الخلاف الرئيس
يمكن اعتبار الخلاف بين واشنطن وأنقرة حول شراء منظومة الدفاع الصاروخي S 400 أكثر أهمية من قضية الأكراد بين كلا الطرفين. ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد، أنه بعد فترة وجيزة من عودة أردوغان من أمريكا، أكد أن بلاده لن تتخلى عن شراء أنظمة S-6 حتى لو اشترت منظومة باتريوت الأمريكية، هذا الأمر يدل على أن كِلا الرئيسين يهتمان بقضية اس 400 قبل أن يتوصلوا إلى أي اتفاق مسبق بينهم، وفي الواقع، إن شراء منظومة صواريخ دفاعية من روسيا هو خط أحمر القيادة الأمريكية لأنقرة وأردوغان، ويبدو أن البيت الابيض لم يبدِ أي ليونة وتساهل حول الموضوع حتى الآن. وفي المقابل، لا يرغب أردوغان في قبول الاقتراح الأمريكي باستبدال منظومة الدفاع الصاروخية بنظيرتها الأمريكية باتريوت.
لقد أظهر الاتجاه الدبلوماسي التركي على مدى السنوات القليلة الماضية أن التقرّب من الشرق هو على رأس الخطط الحكومية التركية، ومن المحتمل أن نرى في المستقبل ابتعاد تركيا عن الغرب بشكل أكبر وقربها المتزايد من روسيا والصين، لذلك، تبدو معارضة أردوغان لمقترحات دونالد ترامب أمراً طبيعياً، وطالما أصرّت تركيا على هذه المواقف، فمن غير المرجّح أن يتم توقّع التوترات المستقبلية بين أنقرة وواشنطن.
عندما تخيّب "المجموعة المصغرة" لواشنطن مهمة أردوغان
على مستوى آخر، شهدنا فور مغادرة الرئيس التركي لأمريكا، صدور بيان من المجموعة المصغرة والتي تضم أمريكا والسعودية ومصر وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والأردن، أشار بوضوح إلى أن أردوغان غادر واشنطن خالي الوفاض، هذا بالإضافة إلى إحباط أردوغان من تغير مواقف أمريكا تجاه الأكراد السوريين وقضية إس 400. وفي الواقع، أكد وزراء خارجية الدول الأعضاء في "المجموعة المصغرة" حول سوريا في بيان مشترك على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وسيادتها ووحدتها ومعارضة التغيير الديموغرافي القسري، كما أدانوا أي إجراء عسكري في شمال وشمال شرق سوريا.
هذا البيان يظهر بوضوح أن أردوغان خسر أوراقه، حيث تغيرت العملية تماماً بعد ساعات قليلة فقط من مغادرته أمريكا، وأصبحت تجري عكس الرغبات التركية، وفي الحقيقة، يعدّ هذا البيان رسالة واضحة إلى أردوغان مفادها أن أمريكا ودول أخرى في المجموعة لا تؤيد عملية نبع السلام في شمال وشمال شرق سوريا، وأنها تعتبر إجراءات تركيا خطوات لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة، كما أن التأكيد على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية يمثل تهديداً غير مباشر لتركيا، والتي ستعتبر الوجود العسكري للجيش التركي في شمال سوريا في المستقبل احتلالاً.