الوقت- بعد مرور ساعات قليلة فقط على زيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ومجلس وزرائه ومئات السياسيين المحليين والأجانب وعشرات الآلاف من الناس لقبر "مصطفى كمال أتاتورك" للاحتفال بالذكرى السنوية الـ96 لتأسيس الجمهورية التركية، قام مجلس النواب الأمريكي بفتح بعض الملفات التاريخية التي حدثت في السنوات الأخيرة للإمبراطورية العثمانية وقام باتخاذ إجراءات قد تخلق حواجز وعقبات جديدة للعلاقات الأمريكية التركية.
قرار غير ملزم ولكنه يثير القلق
كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن مجلس النواب الأمريكي اعترف رسمياً قبل عدة أيام بما وصفها بـ"الإبادة الجماعية" بأغلبية 405 من الأصوات مقابل 11 صوتاً معارضاً وقد تبنّى المجلس هذا القرار في خطوة رمزية غير مسبوقة، ما أثار غضب تركيا في ظل العلاقات المتوترة أصلاً بين البلدين.
ولفتت تلك المصادر الإخبارية أن النواب الأمريكيين وجّهوا بعد قرارهم هذا صفعة ثانية إلى أنقرة من خلال تبنّي قانون يفرض عقوبات على تركيا بسبب عمليتها العسكرية ضد الأكراد في شمال شرق سوريا.
وحول هذا السياق، قالت رئيسة مجلس النواب "نانسي بيلوسي"، إنه "يشرفني الانضمام إلى زملائي في إحياء ذكرى واحدة من أكبر الفظائع في القرن العشرين، القتل المنهجي لأكثر من مليون ونصف مليون أرمني من رجال ونساء وأطفال الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية".
وأشارت "بيلوسي" إلى أن حقيقة الجريمة الوحشية تم إنكارها في معظم الأوقات، حيث قالت: "اليوم دعونا نذكر بوضوح الحقائق في هذا المجلس ليتم حفرها إلى الأبد في سجل الكونغرس: الهمجية التي ارتكبت بحق الشعب الأرمني كانت إبادة جماعية"، ويعتبر الأرمن أن القتل الجماعي الذي تعرّضوا له بين 1915 و1917 كان حملة إبادة، وهذا ما تعترف به ثلاثون دولة فقط، فيما تنفي تركيا بشدة الاتهامات بارتكاب إبادة وتقول إن الكثير من الأرمن والأتراك قتلوا نتيجة للحرب العالمية الأولى وتقدر أنقرة حصيلة القتلى بمئات الآلاف.
يذكر أن هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها مشروع قانون للاعتراف بمزاعم "الإبادة الأرمنية" إلى التصويت في الكونغرس بعد محاولات عدة سابقة كانت تبوء بالفشل، ما يبدو أنه مزيد من الضغط على الحكومة التركية بسبب عملية "نبع السلام" التي قامت بها للدفاع عن أمنها القومي، ومنع قيام مشروع انفصالي في المناطق الشمالية من سوريا.
الخلفية التاريخية لمزاعم الأرمن
كشفت العديد من التقارير الإخبارية بأن أرمينيا وبعض اللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم طلبت خلال العقود الماضية من تركيا الاعتراف بما جرى خلال عملية التهجير عام 1915 على أنه "إبادة عرقية"، وبالتالي دفع تعويضات، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه بحسب اتفاقية 1948، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح "الإبادة الجماعية"، يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عنصرية أو دينية، ولكن الجانب التركي أكد خلال السنوات الماضية على عدم إمكانية إطلاق صفة "الإبادة العرقية" على أحداث 915، بل وصفها بـ"المأساة" لكلا الطرفين، ودعا الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى تناول الملف بعيداً عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور الذاكرة العادلة، الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة الأحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف.
كما اقترح "أردوغان" القيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراكاً وأرمن، وخبراء دوليين.
ردة فعل تركيا
ذكرت وسائل إعلام تركية، أن الرئيس التركي "اردوغان" هاجم يوم الأربعاء الماضي، قادة البيت الابيض بعد تبنّي مجلس النواب الأمريكي قراراً بإدانة الأرمن في العهد الثماني بتركيا.
وقال "أردوغان" أمام نواب حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي: "هذه الخطوة لا تمثل أي قيمة لنا، نحن لن نعترف بها وذلك لأنها جاءت من دولة لديها تاريخ ملطخ بأعمال الإبادة الجماعية والعبودية والاستغلال ليس لها الحق في أن تقول أي شيء لتركيا أو تعلمها درساً، ونأسف لأنه يتم القبول بتشويه بلادنا في برلمان هذه الدولة"، مؤكداً أن الإبادة الجماعية محرمة تماماً في الإسلام، كما وصف ذلك القرار الأمريكي بأنه يعتبر بمثابة خطوات تهدف إلى الاستهلاك السياسي المحلي فقط.
وفي السياق ذاته، أدانت وزارة الخارجية التركية القرار غير الملزم بشأن الأرمن، الذي تم تمريره بواقع تأييد 405 نواب مقابل رفض 11 نائباً في المجلس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، وعلى خلفية هذا القرار، استدعت الخارجية التركية السفير الأمريكي بأنقرة.
كما قالت الخارجية التركي إن "هذه الخطوة لا تتفق مع اتفاق الهدنة الذي توصلت إليه أنقرة وواشنطن في 17 أكتوبر الحالي بشأن وقف الهجوم التركي في شمال سوريا"، ومن جانبه رد وزير الخارجية التركي، "مولود تشاووش أوغلو"، على ذلك القرار وقال: "إن هذا القرار مخز خاصةً وأنه صدر من قبل أشخاص يستغلون التاريخ في السياسة".
وفي سياق متصل كتب السفير التركي لدى واشنطن "سردار قليج"، على حسابه بموقع "تويتر": إن "مثل هذه القرارات لا تلحق أي أذى بتاريخنا المشرف، لا سيما أنها قرارات جاءت تحت ضغط اللوبيات المعروفة بشكل يفتقر إلى الحيادية، وبعيد كل البعد عن الحقائق التاريخية التي تقتضي إجراء عملية بحث في أرشيفات الدول المعنية"، وبدوره علق رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، "فخر الدين الطون،" قائلاً: "إن مشروع القرار هذا يعدّ تطوراً يثير قلق كل من يقدّر العلاقات التركية الأمريكية وإن الذين صوتوا على المشروع بنعم سيتحمّلون مسؤولية تدهور العلاقات الحساسة من الناحية الاستراتيجية في منطقة مضطربة".
وفي الختام يمكن القول بأن قرار مجلس النواب الأمريكي بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن بعد مرور أقل من ساعات على إعلان الرئيس التركي "أردوغان" بأنه سيلتقي مع نظيره الأمريكي "ترامب" بعد أسبوعين، يعتبر خطوة مهمة أثارت المخاوف بين القادة والمسؤولين الأتراك في أنقرة، ولهذا فلقد أصبح من غير الواضح كيف سيتعامل الرئيس "ترامب" وفريقه الحكومي مع هذا القرار الذي أصدره مجلس النواب الأمريكي وأصبح من غير الواضح ما إذا كان هذا القرار قد يؤثر على برنامج "أردوغان" للسفر إلى واشنطن.