الوقت- ما يجري اليوم بين الأردن وكيان العدو يجب أن يكون رسالة واضحة لجميع المطبعين الخليجيين الذين يحضّرون إلى اتفاق مع "إسرائيل" يمهّد للتطبيع الكامل مع الكيان الإسرائيلي بدعم من الإدارة الأمريكية، وحديث التطبيع ليس بالجديد إلا أن "إسرائيل" بأمسّ الحاجة هذه الأيام لإظهار أي علاقة خاصة مع أي دولة عربية، في ظل وضعها السياسي المتردي وفشل نتنياهو على جميع الجهات، ناهيك عن الضربة القاصمة التي وجهها الأردن للصهاينة بضغط شعبي.
الأردن والكيان الإسرائيلي
استعادت الأردن منطقتي الباقورة والغمر من قبضة كيان الاحتلال بعد أن كان الأخير يدير هاتين المنطقتين بموجب عقد آجار بين الطرفين الإسرائيلي والأردني، إلا أن الأردن رفض هذه المرة تمديد عقد الإيجار بعد مرور 25 سنة على تواجد العدو الإسرائيلي في هاتين المنطقتين، ولا يستطيع أن ينكر أحد أن هذا الحدث يدل على خلاف عميق بين "إسرائيل" والأردن هو الأول من نوعه منذ اتفاقية وادي عربة التي تمت برعاية أمريكا.
الخلاف بين الأردن وكيان الاحتلال لم يتوقف هنا إذ استدعت عمان سفيرها في تل أبيب على عجل على خلفية اعتقال سلطات الاحتلال مواطنين أردنيين اعتقالاً إدارياً، وتعكس هذه التوترات التي أنذرت بأزمة دبلوماسية "السلام البارد" بين طرفي الاتفاق التي تبخرت الأغلبية الساحقة من بنوده عدا البند المتعلق بالتعاون الأمني، وسبقت التوتر الأخير سلسلة أحداث هزّت اتفاق وادي عربة القائم أصلاً فقط في المستوى الرسمي في ظل رفض شعب الأردن له وتنكر "إسرائيل" لمحتوياته الوردية عن التعاون الاقتصادي وغيره علاوة على جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني والقدس، حيث هناك وصاية أردنية على المقدسات فيها، وتتجلى الأزمة بعدم دخول الأردنيين إلى "إسرائيل" عدا مجموعات من العمال تعمل في إيلات فيما يشكل فلسطينيو الداخل الأغلبية الساحقة من السائحين الوافدين من "إسرائيل" للأردن، ومن آخر هذه الأحداث الناجمة عن توترات متراكمة والتي يؤججها أكثر فأكثر تصميم الأردن على رفض الطلب الإسرائيلي بتمديد البند الخاص باستئجار منطقتي الباقورة والغمر واستعادة أراضيه.
لا للتطبيع مع "إسرائيل"
هناك استنكار ورفض شعبي عربي لأي نوع من التطبيع مع كيان العدو، إذ لا يزال الشارع العربي حتى الخليجي منه يرفض الاعتراف بـ"إسرائيل" ولا يزال الجيل العربي الشاب يعتبر "إسرائيل" دولة احتلال ولم يستطع بعض الساسة المارقين تغيير وجهة النظر هذه لدى شباب العرب، واعترف بهذا الأمر نتنياهو نفسه عندما غرّد في أحد المرات على تويتر كاتباً: "إن أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام لا تتمثّل في زعماء الدول التي تحيط بنا، بل في الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرّض على مدار سنوات طويلة لدعاية قدمت إسرائيل بصورة خاطئة ومنحازة".
نقول لنتنیاهو أنه لم يقدم أي أحد دعاية خاصة تجاه "إسرائيل" لأن أفعالها هي دعايتها واجرامها هو دعايتها واحتلالها للأراضي الفلسطينية والسورية وغيرها من الانتهاكات التي نشاهدها يومياً على شاشات التلفزة هي حقائق وليست "دعاية".
استغباء الشعوب هو مرض إسرائيلي لا يمكن الخلاص منه، وربما بعض الأجيال القديمة تعرّضت لشيء منه إلا أن الجيل الشاب الجديد يرفض بشكل قطعي كل ممارسات الصهاينة ويعتبر التطبيع معها "ضحك على اللحى"، لأن جميع معاهدات السلام التي وقعتها الدول العربية مع "إسرائيل" باءت بالفشل وكانت لمصلحة الصهاينة فقط على حساب الشعوب.
الأردن أول المستجيبين لصوت الشارع الأردني والعربي، وها هو يستعيد الباقورة والغمر ويبسط سيادته عليهما، وفي هذا السياق قال محرر الشؤون العربية في القناة الإسرائيلية 12 المحلل إيهود يعاري أن الحكومة الإسرائيلية لم تتفاجأ بالقرار الأردني القاضي بإلغاء ملحقين خاصين بتأجير منطقتي الباقورة والغمر، ورأى يعاري، أن الخطوة الأردنية تعبّر عن "العلاقة المعقّدة جداً" بين الحكومة الإسرائيلية وملك الأردن عبد الله الثاني والتي اعتبرها في "تراجع مستمر"، واعتبر العلاقة بين عمان وتل أبيب تشهد "بروداً مثيراً جداً" على الرغم من أن العلاقات ظاهرياً تبدو واضحة المعالم ومستقرة. زاعماً أن الملك عبد الله حاول استرضاء الشارع الأردني، في ظل المطالبات لاستعادة المناطق المؤجرة لـ "إسرائيل" واعتبار استمرار السيطرة الإسرائيلية عليها تخلّياً سافراً عن السيادة.
وما زالت العلاقات المُترديّة بين "إسرائيل" والأردن تحتّل عناوين الإعلام العبريّ، وخصوصًا لأنّ الأزمة بينهما وقّعت في الذكرى السنويّة الـ25 لتوقيع اتفاق السلام بينهما، في العام 1994، حيثُ قال الجنرال في الاحتياط، عاموس غلعاد، إنّه يتحتّم على الكيان المُحافظة على اتفاق السلام مع الأردن لأنّه يُعتبر بمثابة كنزٍ استراتيجيٍّ للدولة العبريّة، ولفت الموظّف الإسرائيليّ الرفيع، الذي كان مسؤولاً عن الدائرة الأمنيّة والسياسيّة في وزارة الحرب الإسرائيليّة، إلى أنّ انهيار السلطة الفلسطينيّة يُهدِّد قدرة الأردن على المحافظة على اتفاقية السلام، على حدّ قوله.
وأوضح أنّ تدهور العلاقات الأردنيّة الإسرائيليّة هو درسٌ يجب أنْ نتعلّمه من العلاقات الإسرائيليّة القادِمة مع الدول الخليجية، فيجب ألّا ندفع أثماناً مقابل التنسيق الأمنيّ السريّ معها، أو بسبب حالات العناق الدافئة في الغرف المُغلقة، خاتِماً مقاله بالقول إنّ السعوديّة تحولّت إلى صديقةٍ لـ "إسرائيل" دون أنْ نعطيها أراضٍ كالأردن، أوْ نتنازل لها عن ثرواتٍ طبيعيّةٍ كما فعلنا مع المملكة الأردنيّة، لأنّ السعودية تعلم أنّ مفتاح الاستقرار في المنطقة هو "إسرائيل".
بالمحصلة؛ لقد أخذ الرأي العام الأردني والعربي يتعاظم قلقه بسبب عدم إحراز تقدم، بل حتى الانحدار، فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية. وكانت مشاريع الاستيطان التي أُطلقت في القدس الشرقية مؤذية على نحو خاص، إذ لم يعتبرها الأردن انتهاكاً فحسب لنص وروح اتفاقية أوسلو، بل لالتزام إسرائيل إزاء الأردن بموجب المادة التاسعة من معاهدة السلام، وقد تسبب هذا في حدوث احتكاكات بين قيادة المملكة والحكومات الإسرائيلية، أخذت تضعف من الثقة المتبادلة بين الطرفين.
إذن وفقاً لإعلامهم الاستخباراتي هكذا يبدو الأردن من منظور إسرائيلي، ويبدو أن النخب الإسرائيلية لم تعد تكترث كثيراً بمصالح الأردن، وستجعل منه، الضحية، فالخلافات حادة بين الجانبين، من الحدود والأمن والقدس والأماكن المقدسة والمياه والبنية التحتية وقناة البحر الاحمر الميت والغاز، الاتفاق هش، لكنه قائم، مع ما يشهده الشرق الأوسط من اشتعال غير مسبوق وإن استقرار الأردن يشكّل مصلحة مهمة، خشية صعود نظام سياسي جديد في عمان، سواء أكان فلسطينياً أم آخر، يكون معادياً لإسرائيل، ويعمل على إشعال التوتر على الحدود الطويلة، بعد أن أحبط اتفاق السلام أي تهديدات قادمة عبر هذه الحدود.