الوقت- في الانتخابات الرئاسية التونسية التي جرت يوم الأحد 21 أكتوبر، فاز "قيس سعيد" كمرشح مستقل بعد التغلب على منافسه بعد منافسة شرسة، وكان التركيز الرئيس لشعاراته الانتخابية على القضايا الاقتصادية.
ومع ذلك، منذ عام 2011 شهد توازن القوى السياسية في تونس العديد من التغييرات، لذلك، يحتاج سعيد إلى قدر كبير من المرونة والمبادرة للتغلب على المشكلات الاقتصادية في تونس.
التيارات السياسية في الانتخابات التونسية
كانت الانتخابات الرئاسية لعام 2019 هي الثالثة في تونس منذ سقوط بن علي في عام 2011، في هذه الانتخابات، تنافس 26 مرشحاً من مجموعات وأحزاب مختلفة، من بينهم سيدتان.
واحدة من المجموعات الرئيسة في تونس هي حزب "النهضة" الإسلامي، الذي خاض الجولة الأولى للانتخابات الماضية، وكان لديه مرشح في كلتا الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
منافس حزب النهضة هو "يوسف الشاهد" رئيس الوزراء التونسي الحالي والعضو السابق في حزب "نداء تونس"، لكن الناس لم يبدوا رغبةً تجاهه، فبسبب تنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي، يعتبره الناس السبب الرئيس للصعوبات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة.
أما الشخصية البارزة الثالثة في الانتخابات فكان رأسمالياً شهيراً يدعى "نبيل قروي"، المعروف باسم "برلسكوني تونس، إنه مدير قناة "نسمة" التلفزيونية ورئيس حزب "قلب تونس"، قُبض عليه وسُجن لفترة بتهمة غسل الأموال عشية الانتخابات.
في الجولة الأولى التي عقدت في سبتمبر، من بين 26 مرشحاً، حصل قيس سعيد على 18.4٪ ونبيل قروي على 15.6٪ من الأصوات.
وفي الجولة الثانية من الانتخابات، من أصل 7 ملايين ممن يحق لهم التصويت، شارك 56.8٪ وفي النهاية فاز قيس سعيد بنسبة 72.71٪ ، على نبيل القرعي مع 27.29 ٪.
من هو قيس سعيد؟
قيس سعيد البالغ من العمر 61 عاماً، من مواليد مدينة بني هيار في محافظة نبيل في المنطقة الساحلية بتونس، أكمل دراسته في القانون والقانون الدولي والدستور، وكانت عائلته واحدة من المناضلين السياسيين في الثورة التونسية.
يشتهر بخبرته العلمية وعضويته في الجمعية الدستورية التونسية من 1990 إلى 1995، وكان أيضاً رئيس قسم القانون بجامعة "سوسة" وخبير قانوني في جامعة الدول العربية والمعهد العربي لحقوق الإنسان.
في عام 2014، كان عضواً في لجنة الخبراء وأحد واضعي الدستور التونسي، ويُعرف هذا الدستور باسم "الدستور الأكثر ديمقراطيةً في العالم العربي".
دخل السباق الانتخابي كمرشح مستقل وحمل شعار "الشعب يريد"، ورفض التحالف مع أي حزب سياسي خلال الحملة الانتخابية، وقام بتوفير مبلغ قدره 10 آلاف دينار عن طريق الاقتراض من عائلته للترشح في الانتخابات.
كما أنه لم يقبل المنحة الخاصة بالانتخابات الرئاسية التي قدمتها الحكومة للمرشحين، ورفض القيام بحملات انتخابية مثل الاجتماعات والملصقات الدعائية، ويصفه الناس بأنه مرشح أخلاقي، وكان لذلك تأثير كبير على شهرته وفوزه.
التحديات المقبلة
ركّز قيس سعيد أنشطته على إرادة الناس، كما أن القضية الفلسطينية هي أيضاً واحدة من أولوياته.
وحول هذين الموضوعين قال: "نسعى لدعم المسائل والقضايا العادلة، والقضية الفلسطينية في طليعتها، يعتمد برنامجنا على الحرية، لقد دخل الشعب التونسي مرحلةً تاريخيةً جديدةً وسوف يستلهم الآخرون منها، أولى محطاتي الخارجية ستكون الجزائر وأتمنى أن أزور ليبيا وتحية لأبناء فلسطين".
على الرغم من أن قيس سعيد لديه سجل جيد في الحياة الاجتماعية والسياسية التونسية، ولكن هناك العديد من التحديات المقبلة أمامه أيضاً: والتحدي الأول هو مدى سلطة الرئيس في تونس، لأن رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، وهذا يجعل بعض الناس يعتقدون أن الرئاسة لها سلطة محدودة.
أدى الأداء الضعيف لرؤساء الجمهورية بعد عام 2011 إلى تشكيل عرف غير مكتوب في تونس، بأن يسعى الآخرون إلى الحصول على السلطة الرئيسة في البرلمان ورئاسة الوزراء، ويكون لديهم أمل أقل برئاسة الجمهورية.
لذا فإن التحدي الأول الذي يواجهه قيس سعيد، هو استعادة السلطة الحقيقية للرئيس بموجب الدستور؛ لأن الرئيس في تونس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وله القدرة على انتخاب وتعيين المسؤولين العسكريين، وهذا شيء إيجابي سيساعد قيس سعيد على إحياء مكانة رئاسة الجمهورية.
والتحدي الثاني الذي له أهمية كبيرة، هو الوضع الاقتصادي في تونس، حيث دفع الركود الاقتصادي والبطالة وضعف الخدمات الاجتماعية، المرشحين الذين كانوا يميلون لابن علي إلى الترشح للانتخابات.
لقد بلغ الدين الدولي لتونس 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وكان هذا الرقم أقل من 40٪ في عهد بن علي، ومعدل البطالة 30٪، وقد تضرّرت صناعة السياحة بشدة وقلّصت عوائدها نتيجة بعض الهجمات من قبل الإسلاميين على المناطق السياحية.
وصول قيس سعيد ونبيل قروي إلى الجولة الثانية للانتخابات(بسبب المحتوى الاقتصادي لشعاراتهما) وفوز قيس، يظهر أن اهتمام الشعب التونسي الحالي منصب على الوضع الاقتصادي، لذلك إذا فشل قيس سعيد في حل هذا التحدي، فسوف يواجه مشكلات خطيرة.
أما القضية الثالثة التي تواجه قيس سعيد فهي البرلمان التونسي، إذ يعتبر قيس مرشحاً مستقلاً ولم يصل إلى منصبه رسمياً من حزب موافق معه في البرلمان.
من ناحية أخرى، ركّزت العديد من الأحزاب والناشطين السياسيين في تونس، مثل حزب النهضة، على البرلمان منذ البداية، بحيث إن "راشد الغنوشي" وهو الشخصية البارزة الأولى للإسلاميين وحزب النهضة، ترشح من البداية للانتخابات البرلمانية، وفاز بأربعين مقعداً وكسب بالتالي المركز الأول في البرلمان.
كما أن حزب "قلب الشعب" برئاسة نبيل قروي منافس قيس سعيد أيضاً، حصل على المركز الثاني في البرلمان التونسي مع 38 مقعداً.
ثم حزب "الدستوري الحر" مع 6.8 برئاسة السيدة "عبير موسى"، التي تميل إلى ابن علي أيضاً، أحد الأحزاب التي وصلت إلى البرلمان.
لذا فإن قيس سعيد ومن أجل الحصول على ثقة البرلمان، بحاجة إلى الحوار مع التيارات المختلفة، واختيار شخص قوي لمنصب رئيس الوزراء.
بالنظر إلى تصريحات قيس سعيد الذي جعل فلسطين إحدى أولويات حكومته، وتصريحات راشد الغنوشي في أول خطاب له بعد الفوز، والذي تحدث عن أولوية حل المشكلات الاقتصادية، فهناك إمكانية حصول تفاهمات بين قيس سعيد وحركة النهضة.
بشكل عام، إن الظروف الداخلية وتعدد الأحزاب التي وصلت إلى البرلمان، تسير نحو تقليص سلطة الرئيس، لكن إلمام قيس سعيد بالقضايا القانونية التونسية، سوف يسمح له بضبط قوة المجموعات الأخرى، ويتم تقييم فرص نجاحه في محاربة الفساد وكسب دعم المجتمعات الاقتصادية الدولية لتحسين الاقتصاد التونسي، بشكل إيجابي.