الوقت- دائماً نسمع عن سياسة الإمارات الخارجية بالسلب والإيجاب ولكن ما يجري داخل الإمارات لا يتم تداوله بكثرة نظراً لتقييدها لحرية الصحافة التي تنشر أشياء من داخل الإمارات لا تتوافق مع سياستها، وحسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود بشأن مؤشر حرية الصحافة لعام 2018 فقد تراجعت الإمارات إلى المرتبة 128 من أصل 180 بعد أن كانت في المرتبة 119 العام الذي سبقه.
طبعاً الأمر لا يتعلق بالصحافة فقط بل تعدّى ذلك إلى عالم السياسة وبالتحديد "المجلس الوطني" وما يدور في رحاه على اعتبار أن هذا المجلس هو المكان الوحيد الذي يمكن من خلاله للإماراتيين إيصال صوتهم ونقد سياسة الدولة ولكن يبدو أن الإماراتيين محرومون حتى من هذه الفسحة للتعبير عن مواقفهم مما يجري داخل البلاد، وغالباً هذا هو السبب الذي دفع كلّاً من غيث عبدالله ومريم الشحي للانسحاب من الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وحول أسباب الانسحاب قال المرشح عبدالله في تغريدة على حسابه في "تويتر"، الاثنين (16 سبتمبر الحالي): "بدأت حملتي الانتخابية بمناقشة قضايا وطنية جادة، كتطوير المجلس الوطني بصلاحيات تشريعية، ورفع سقف حرية التعبير والنقد البناء".
واستطرد يقول موضحاً سبب انسحابه: "في أول أسبوع وجدت قيوداً على طرح هذه القضايا كمرشح، لذلك قررت الانسحاب بدل السير بحملة انتخابية تقليدية، أشكر من تفاعل معي ودعم ترشحي".
وجاء في بيان نشره على صفحته بتويتر: "من غير المعقول عدم السماح لمرشح سياسي بطرح قضايا سياسية ووطنية جادة".
أما الشحي فقد انسحبت بعد تلقيها "أمراً من الدولة"، واشتكت الشحي في عدة مقابلات من عقابها على خلفية "دعوتها إلى تغيير شامل في الدولة يضمن إطلاق الحريات العامة، وتعزيز التوطين، والتصدي للنفوذ الأجنبي فيها".
وعلقت الفيدرالية الدولية للحقوق والتنمية (إفرد) على هذا الموضوع ودعت في بيان لها، اللجنة الوطنية للانتخابات في دولة الإمارات إلى التحقيق في تعرّض مرشحين للانتخابات المقررة في الخامس من أكتوبر المقبل، لضغوط على خلفية برامجهم الانتخابية.
وأعربت الفيدرالية الدولية التي تتخذ من روما مقراً لها، عن بالغ قلقها من دفع عدد من المرشحين لانتخابات المجلس الوطني في الإمارات للانسحاب، بسبب ما أعلنوا أنه ضغوط من الدولة.
وأبرزت الفيدرالية الدولية أن مثل هذه التدخلات من الدولة تشكّل "انتهاكاً لمبادئ الديمقراطية والتنافس الحر، وبمنزلة قيود للوصول إلى مجلس وطني يمثل السلطة وليس إرادة الإماراتيين".
وأشارت إلى تدخّل السلطة في تحديد أعداد قوائم الهيئات الانتخابية واقتصارها على 337 ألفاً و738 عضواً فقط من سكان الدولة (نحو 9.5 ملايين نسمة)، فضلاً عن الضغط على المرشحين للانسحاب من السباق الانتخابي.
الفيدرالية اعتبرت أن "انسحاب المرشحين لشكواهم من ضغوط تمارسها السلطة عليهم يزيد من الشكوك القائمة أصلاً بشأن شفافية انتخابات المجلس الوطني في الإمارات، ومستوى الترشح والانتخاب الحر فيها".
ورأت أن الانتخابات المقبلة في الإمارات "تجري في بيئة سياسية غير ديمقراطية، ولن تفضي إلى انتخابات حرة، خاصة في ظل القيود الحكومية وتجاهل الحاجة لإصلاح القوانين التي تكفل المشاركة الكاملة في حق الترشح والاقتراع، فضلاً عن الحاجة إلى الإفراج عن نشطاء الرأي والمعارضين في الدولة".
وطالبت الفيدرالية الدولية السلطات بالوفاء بالتزاماتها بموجب القوانين والمواثيق الدولية، التي تدعو إلى صيانة الحق في التداول السلمي للسلطة، وضمان حرية الرأي والتعبير، ومن ذلك إنهاء الحظر على المعارضين ووسائل الإعلام المستقلة.
إن عدم اعتماد أو تضمين المرشحين في برامجهم الانتخابية ما تواجهه بلادهم من انتقادات دولية؛ بسبب سياستها الخارجية التي شوهت سمعتها، والوضع الاقتصادي المتراجع، لا يعني موافقتهم على سياسة حكومة البلاد.
فقد أعلن مرشحان انسحابهما من الترشح بسبب برنامجهما الانتخابي، الذي بدا أنه "لا يروق لنظام الحكم في الإمارات"؛ وهذا ما يفسر السرّ الذي يكمن وراء عدم تبنّي المرشحين للقضايا الحقيقية.
يبدو أن الإمارات تضع نفسها دائماً في مواقف محرجة بين الفِعل ونقيضه، فهي تتفاخر بالديمقراطية وتمنع المواطنين من الانتخاب وتنزع صلاحيات المجلس الوطني (البرلمان)، وتبعث متحدثاً باسم حقوق الإنسان والقانون الدولي، ولديها أكبر سجل سيء في حقوق الإنسان في الدول الخليجية مقارنة بعدد السكان.
في مؤشر الديمقراطية الدولي2018، جاءت الإمارات في الترتيب 147 من أصل 167 دولة، ضمن قوائم الدول الاستبدادية، ما يعني أن الديمقراطية تكاد تكون معدومة تماماً.
وحصلت الإمارات ضمن هذه المعايير في العملية الانتخابية والتعددية على (صفر) من (10) وفي أداء الحكومة على (3.57) من 10، وفي المشاركة السياسية (2.2) من 10، والثقافة السياسية (5) من (10) وهذه النتيجة تُظهر الفجوة بين الوعي السياسي للإماراتيين وبين مشاركتهم في الانتخابات والمشاركة السّياسية. وفي الحريات المدنية حصلت الدولة على نتيجة (2.65) من (10).
أما حرية التعبير فالإمارات غير حرة حسب منظمة فريدوم هاوس، كما أن النظام الإماراتي يبقي المجلس الوطني الاتحادي كهيئة استشارية منزوعة الصلاحيات في مصادرة لحقوق المواطنة الإماراتية في المشاركة عبر الآليات المعروفة بالتمثيل السياسي ومناقشة أوضاع المواطنين وأحوالهم وطموحاتهم ومواقفهم من قرارات الدولة وسياستها.
فالمجلس الوطني الاتحادي لا يملك صلاحيات دستورية بل له دور استشاري، أما مشاركة الوطنين في صنع القرار، فلا يمكن للإماراتي إبداء رأيه في الشأن العام مهما كان بسيطاً، وتمتلئ سجون الدولة بعشرات المعتقلين الذين عبروا عن آرائهم بحرية، واعتبرته السلطات "تهديداً للأمن القومي" وليس مساهمة في مسيرة التنمية المتوازنة الشاملة.
وتستعد فيه الإمارات لتجربة جديدة من الانتخابات للمجلس الوطني الاتحادي، للتنافس على 20 مقعداً من أصل 40 حيث يتم تعيين النصف الآخر من قِبل الحُكام، إلا أن استمرار تهميش "المجلس الوطني الاتحادي" بعدم وجود صلاحيات للقيام بدوره كممثل للشعب الإماراتي، مع أنه ضمن سُلم السلطات المكونة للاتحاد، يشير إلى "ديمقراطية زائفة" لتحسين الصورة.
ويحلّ اليوم العالمي للديمقراطية، فيما أحمد منصور الناشط الحقوقي البارز مضرب عن الطعام منذ أسابيع نتيجة الانتهاكات التي يتعرّض لها ومحاولته الضغط من أجل الحصول على أبسط حقوقه الإنسانية والقانونية في سجن الرزين سيء السمعة، بعد أن حكمت على السلطة الأمنية في محاكمة سياسية هزيلة بالسجن عشر سنوات بسبب تعبيره عن رأيه في تويتر ودعمه للمعتقلين السياسيين الآخرين.