الوقت- تسعى العقوبات الثانوية، على عكس العقوبات الأساسية، إلى معاقبة الأطراف الثالثة التي تتعاون مع بلد يخضع للعقوبات، وبعبارة أخرى في العقوبات الأساسية، تصادر الدولة التي تفرض العقوبات الأصول المالية للبلد المستهدف أو أن تلك الدولة تمنع شركاتها ومواطنيها من التجارة مع كيانات أو أشخاص تابعين للبلد المستهدف، لكن في العقوبات الثانوية، تفرض الدولة التي تصدر العقوبات ضغوطاً على أطراف من دول أخرى لإنهاء تعاونها مع الطرف الذي فُرضت عليه العقوبات.
وحول هذا السياق، تعتبر العقوبات الأمريكية على إيران مثالاً جيداً على العقوبات الثانوية، يذكر أن حكومة أمريكا حذّرت الدول الأخرى مراراً وتكراراً من ضرورة اختيار التجارة مع أمريكا أو مع إيران، وأكدت أيضاً بأنه إذا ما استمرت تلك الدول في العمل والتعاون مع المؤسسات الإيرانية التي تم فرض عقوبات عليها، فإنها لن تكون قادرة على استخدام النظام المالي العالمي أو أسواق أمريكا.
وفي هذا الصدد كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، شدد يوم الجمعة الماضي، العقوبات على إيران لتصبح "العقوبات الأقسى على الإطلاق" التي تفرض ضد دولة في المنطقة.
وأعلن "ترامب" فرض عقوبات جديدة على المصرف المركزي الإيراني، ما يعزز الضغط على النظام الإيراني من النواحي المالية، ويعمّق أزمته الاقتصادية التي لم تتوقف عن التفاقم في الآونة الأخيرة.
يذكر أن واشنطن فرضت مجموعة عقوبات على طهران بعدما انسحب الرئيس الأمريكي في مايو من العام الماضي من الاتفاق النووي المبرم بين طهران والدول الكبرى.
الجدير بالذكر هنا بأن العديد من بلدان العالم احتجت على هذه الأنواع من العقوبات التي فرضتها مؤخراً أمريكا على طهران، وعلى سبيل المثال، وصفت الصين العقوبات الأمريكية الثانوية بأنها "صلاحيات قضائية طويلة الذراع" وأما الدول الأوروبية فقد وصفت تلك العقوبات بأنها "صلاحيات خارج الحدود الإقليمية".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تلك العقوبات تعتبر محاولة من جانب أمريكا لتوسيع نطاق قوانينها المحلية خارج حدودها.
وحول هذا السياق، تم إجراء مقابلة صحفية مع المفكر والفيلسوف "نعوم تشومسكي"، أحد أعظم المفكرين في القرن العشرين، للإجابة على بعض الأسئلة حول التطورات العالمية والإقليمية الأخيرة وكذلك العقوبات الأمريكية التي فرضتها ضد إيران.
"المراسل الصحفي": فرض الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عقوبات جديدة على طهران، مدّعياً أن طهران متورّطة في هجمات 14 سبتمبر على المنشآت النفطية السعودية، ما رأيك ؟
"تشومسكي": كما قلت مراراً، كانت العقوبات غير قانونية وغير شرعية منذ البداية، ويعزى ذلك إلى حدّ كبير إلى أنها جزاءات ثانوية مفروضة على دول أخرى بسبب هيمنة أمريكا على النظام المالي العالمي وعلى عناصر القوة الأخرى في العالم.
وهذا يعني أن هذه العقوبات في الواقع، هي نوع من الحصار (الاقتصادي) الذي يمكن اعتباره عملاً حربياً بموجب القانون الدولي. وبسبب القوة الكبيرة التي تمتلكها أمريكا، لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد هذه العقوبات الثانوية من قبل المجتمع الدولي ولكن إذا ما تم اتخاذ مثل هذا الإجراء من قبل دول أخرى، فإن ذلك الإجراء سيواجه احتجاجاً دولياً عارماً، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
"المراسل الصحفي": يبدو أن أمريكا تواجه نوعاً من الالتباس السياسي في مواجهة إيران لأنها لم تعد قادرة على التأثير على المعادلات الإقليمية، ما رأيك بهذا الشيء؟
"تشومسكي": لدى أمريكا قوة هائلة، لكن ليس لها قوة مطلقة، وفيما يتعلق بإيران، أوضحت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أنها تريد تدمير اقتصادها، كما أنها تعتزم إثارة تمرّد محلي وإقامة نظام يتصرّف مثل شاه إيران السابق وفقاً لمطالب وأطماع أمريكا، ولكن مخططي الحرب يدركون جيداً مخاطر أي هجوم عسكري على إيران.
"المراسل الصحفي": يجادل العديد من الخبراء بأن الهيمنة الأمريكية على وشك الانهيار، حيث أصبحت الصين قوة عظمى ونهاية تلك الهيمنة الأمريكية تعني نهاية الليبرالية، ما هي وجهة نظرك حول هذا الموضوع؟
"تشومسكي": بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت أمريكا قد اكتسبت مستوى غير مسبوق من السيطرة على العالم وفي سبعينيات القرن العشرين، كان الاقتصاد العالمي يتمحور في ثلاثة أقطاب: الأول في أمريكا الشمالية بقيادة أمريكا وفي أوروبا بقيادة ألمانيا وفي آسيا بقيادة اليابان.
وفي الواقع، لقد بذلت الصين الكثير من الجهود منذ ذلك الحين للحصول على مكانة عالية في الاقتصاد العالمي، لكنها لا تزال بلداً فقيراً يقل فيه نصيب الفرد من ثروة الفرد الذي يعيش في الغرب ولديه الكثير من المشكلات الداخلية غير معروفة.
وتحتل الصين المرتبة 86 في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، أي أقل من الجزائر وتايلاند.
وبطبيعة الحال، فإن القوة العسكرية للصين تفوق بكثير تلك الموجودة في البلدان الأخرى.
وردّاً على سؤالك، استمرت الهيمنة الأمريكية في الاتجاه التنازلي خلال الـ 75 عاماً الماضية، بينما ازدادت قوة الصين خلال تلك السنوات.
لكن يبدو أن هيمنة أمريكا العالمية ستتم المحافظة عليها نسبياً في المستقبل، فالكلمة الأخيرة مهمة للغاية ما لم يفكر العالم بجدية في حل أزمتين قائمتين هما الاحتباس الحراري العالمي والحرب النووية.