الوقت- كثيرة هي المحاولات التي بذلها أعداء العراق لتمزيق وحدة وسلامة أراضيه، منذ احتلال عاصمة بلاد الرافدين من قبل القوات الأمريكية عام 2003 حتی يومنا هذا. لكن جميع المؤامرات التي استهدفت وحدة وسيادة العراق باءت بالفشل نتيجة الوعي الشعبي والإحساس بالمسؤولية من قبل رموز العراق، سنة وشيعة، عربا وأكراد، وعلی حد سواء من قبل الاقليات والاكثرية، فالكل ينادي بوحدة العراق ولله الحمد. لكن اضحينا الیوم نسمع تحذيرات جدية من قبل المرجعية الدينية العلیا في العراق، حول خطر تقسيم هذا البلد في حال عدم اتخاذ قرارات مدروسة من قبل الزعماء السياسيين، للحيلولة دون وقوع ذلك. فما هي مخاطر تقسيم العراق وكيف يمكن التصدي لها؟
جميعنا نعلم كيف استطاعت الدول الاستعمارية، خلال القرن المنصرم، تقسيم دول المنطقة الی دويلات عبر مخطط «سايكس بيكو» وبالتحديد في عام 1916 من القرن الماضي، بعد ذلك تم احتلال هذه الدويلات من قبل بريطانيا وفرنسا، وأصبحت لدينا العديد من الدول حديثة المولد بعد ان كانت أراضيها موحدة مع دول اخری. حيث كان العراق آنذاك في قلب هذه العاصفة، وعلی ما يبدو فان مؤامرة التقسيم لم تنته ولازالت تطارد العراق في حال لم یتم الإنتباه الیها، حيث سمعنا قبل أيام كيف صرح رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنزال «ريموند أوديرنو»، عن إعتقاده بان تقسيم العراق هو الحل لانهاء الازمة في هذا البلد، حسب زعمه!. حیث كانت مواقف الزعماء العراقيين وعلی رأسهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، مواقف مشرفة من خلال رفضهم لمثل هذه التصريحات الوقحة من قبل المسؤولين الامريكيين، لكن ليس من الوارد ان تنتهي هذه التصريحات الامريكية السافرة، حيث سبقتها تصريحات مشابهة من قبل وزير الدفاع الامريكي الأسبق «رامسفيلد» بانه لايمكن تحقيق الديمقراطية في العراق، وبعد ذلك جاءت تصريحات المرشح الرئاسي «دونالد ترامب»، الذي زعم ان القضاء علی داعش يستوجب تدمير مصادر النفط التي يسيطر علیها هذا التنظيم الارهابي.
مثل هذه التصريحات من قبل المسؤولين الامريكيين ورغم خطورتها، لعلها لا تثير الاستغراب كثيرا، وذلك بسبب أنه من الواضح جدا أن واشنطن تبحث عن تقسيم العديد من دول المنطقة، ليس العراق فحسب، لصالح أمن الكيان الإسرائيلي، ولسهولة السيطرة علی هذه الدول، لنهب ثرواتها وخيراتها، دون أن تكون لها القوة الكافية للدفاع عن نفسها أمام الاطماع الاجنبية. وصحيح أن الاحداث في منطقتنا متتالیة وكثيرة ولعل المرء ينسی بعضها بسبب كثافتها وسرعة حدوثها، لكن ورغم كل ذلك فاننا لم ننس كيف دخل الجيش الأمريكي الی العراق وهو ينادي بانه سوف يجعل من هذا البلد، نموذجا يحتذی به في الديمقراطية والتقدم والرخاء والازدهار!، فعلی الامريكيين أن يجيبوا الشعب العراقي، ماذا حل بتلك الوعود، حتی صاروا الیوم ينادون أن الحل الوحيد، لإحلال الامن والاستقرار في العراق، هو "التقسيم"؟
وفي هذا السياق حذر المرجع الديني الأعلى في العراق آية الله السيد «علي السيستاني» قبل ايام انه «إذا لم يتحقق الإصلاح الحقيقي من خلال مكافحة الفساد بلا هوادة وتحقيق العدالة الاجتماعية على مختلف الأصعدة، فإن من المتوقع أن تسوء الأوضاع أزيد من ذي قبل، وربما تنجر إلى ما لا يتمناه أي عراقي محب لوطنه من التقسيم ونحوه لا سمح الله». واكد اية السيستاني خلال اجابته علی أسئلة وجهت الی مكتبه من قبل وكالة الانباء الفرنسية أن «الذين حكموا البلاد خلال السنوات الماضية يتحملون معظم المسؤولية عن ما آلت الیه الأمور، فإن كثيراً منهم لم يراعوا المصالح العامة للشعب العراقي، بل اهتموا بمصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية والعرقية، فتقاسموا المواقع والمناصب الحكومية وفقاً لذلك لا على أساس الكفاءة والنزاهة والعدالة، ومارسوا الفساد المالي وسمحوا باستشرائه في المؤسسات الحكومية على نطاق واسع».
هذه التحذيرات التي صدرت عن المرجعية، هي تحذيرات أبوية تصدر من قبل شخص يخاف علی مستقبل العراق والمنطقة، ويجب الانتباه الیها جيدا، خاصة من قبل الحكومة والشعب العراقي، حيث لا مجال للتسويف والتأخير في تنفيذ ما دعا الیه سماحة السيد السيستاني، وياتي تنفيذ الاصلاحات الحقيقية ومكافحة الفساد علی رأس المطالب التي تمت الدعوة الیها. إذن علی الحكومة العراقية الاسراع في تنفيذ هذه الاصلاحات ان ارادت الحيلولة دون مواجهة خطر التقسيم لا سمح الله.
ومن يتابع تحذيرات السيد السيستاني يجد أنه حذر من استمرار الفساد بجميع أشكاله ودوره التخريبي علی جميع أنحاء شؤون حياة المواطن العراقي. لذا أصبح من الواجب جدا علی المسؤولين العراقيين خاصة رئيس الوزراء، القيام بخطوات هم أعرف بنوعيتها، لكي يشعر المواطن العراقي، أن ظروف حياته تحسنت في جميع المجالات بدءاً من الناحية الاقتصادية، وصولا الی الناحية الأمنية، دون أن ننكر الصعوبات الموجودة من أجل بلوغ هذه الغاية، وعلی رأسها تواجد المجموعات الإرهابية في البلاد. حيث أن السيد حيدر العبادي قام خلال الايام الماضية باصلاحات شاملة في تشكيلة الحكومة العراقية، وطبعا هذه خطوة مهمة، لكن الاهم من ذلك، النتائج التي يجب أن تترتب علیها، وينتظرها الشارع العراقي.
وفي النهاية لم يبق سوی ان نذكر بان الشعب العراقي ادی ما علیه من واجب في الدفاع عن وحدة العراق، بطرق مختلفة كان آخرها مشاركته بمئات الآلاف في قوات الحشد الشعبي، وبموازاة ذلك كانت ولازالت مواقف المرجعية الدينية حصنا منيعا لحفظ وحدة العراق، فباتت الكرة الیوم في ملعب الحكومة العراقية للقيام بكامل مسؤولياتها، للحفاظ علی سلامة ووحدة العراق، فما هي فاعلة لذلك؟ ما علینا إلّا الانتظار لنری ما ستقوم به الحكومة العراقية علی أرض الواقع، علما أن الشعب والمرجعية سيظلان داعمين رئيسيين لحكومة حيدر العبادي في محاربة الإرهاب والفساد.