الوقت- تتوالی قضية العميل الإسرائيلي عامر الياس الفاخوري فصولاً، فبعد أن قضى العميل الفاخوري أربعة أيام في التوقيف الاحتياطي، أصدرت قاضي التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا مذكرة توقيف وجاهية بحق العميل الفاخوري بناء على الجرائم المُسندة إليه في ادّعاء النيابة العامة العسكرية، وهي الانضواء في صفوف العدو والاستحصال على الجنسية الإسرائيلية وتعذيب لبنانيين والتسبّب بقتلهم.
القاضية أبو شقرا رفضت حضور المحامية الأمريكية للعميل الفاخوري جلسةَ الاستجواب بسبب عدم استحصالها على إذنٍ من نقابة المحامين في لبنان، الأمر الذي دفع برفض محاميه اللبناني حضور الجلسة أيضاً في انتظار استحصال زميلته الأمريكية على الإذن.
كما هو حال الوضع السياسي اللبناني تواصل واشنطن ضغوطها على لبنان الذي يريد محاكمة عميل إسرائيلي تسبّب بقتل أبرياء لبنانيين، وقد وصل وفد من السفارة الأمريكية أيضاً إلى المحكمة العسكرية لكنهم مُنعوا من الدخول.
وبين ممارسة واشنطن الضغوط على القضاء اللبناني، وإصرار اللبنانيين على محاكمة العميل الفاخوري تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: إن أي تساهل مع عميل كالفاخوري، وكل عميل خان وطنه ووقف إلى جانب العدو الإسرائيلي، يمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين اللبنانية ولمشاعر مئات الآلاف من اللبنانيين الذين عانوا من بطش الفاخوري وأمثاله.
لن تتوقف اعتراضات أهالي الشهداء والمعذبين على الاعتصام والمطالبة بإنزال أشد العقوبات بآمر معتقل الخيام الجزار الفاخوري، بل إن أيّ تساهل سيفتح الباب على ضرب الانصهار الوطني من جهة، والانتقام المباشر من الجزار الفاخوري وأمثاله من جهة أخرى.
ثانياً: هناك أيضاً من يحاول التبرير لهؤلاء العملاء في الداخل لغايات سياسيّة، ورغم أن هناك شبه إجماع وطني على عدم عودة هؤلاء العملاء الذين أذاقوا اللبنانيين إبان الاحتلال الإسرائيلي الأمرّين، لكن من يريد العودة منهم فعليه أن يواجه القضاء وأشدّ العقوبات.
وبما أن بعض الأحكام سقطت بالتقادم، يتوجّب على كل اللبنانيين الذين تلوّعوا من هؤلاء العملاء بالتوجه إلى القضاء وتقديم دعاوى ضدهم.
يجب ألّا تتوقف الدعاوى عند حدود الفاخوري، كثيرة هي الشهادات ضد هؤلاء العملاء، ليس آخرها المناضلة اللبنانية والأسيرة المحررة سهى بشارة التي شدّدت على أن العميل الفاخوري كان المسؤول العسكري عن معتقل الخيام طوال فترة اعتقالها، بين العامين 1988 و1998.
وأوضحت أن جميع قرارات التعذيب التي كانت تنفذ بحق المعتقلين كانت تصدر عن القيادة العسكرية لهذا المعتقل، محملة العميل الفاخوري المسؤولية المباشرة عن استشهاد العديد من المعتقلين تحت التعذيب في معتقل الخيام.
وقالت بشارة : "بكل وضوح، نحن نعتبر عامر إلياس الفاخوري المسؤول المباشر عن قتل الكثير من المعتقلين داخل سجن الخيام تحت التعذيب وعلى رأسهم الشهيد بلال السلمان والشهيد علي عبد الله حمزة".
ثالثاً: إن التحرّك الشعبي اليوم يشكل ورقة قوة بيد القضاء لإنزال أشدّ العقوبات بالعميل الفاخوري، وبالتالي إن إصدار القضاء لعقوبة عادلة بحقّ الفاخوري ستمنع من تكرار مثل هذه الحوادث، التي ستؤثر على جيل بأكمله، فكيف سينظر شباب لبنان إلى وطنهم وهم يرون خائناً له يسرح ويمرح على أراضيه، كيف لهم أن يقدّموا أرواحهم فداءً لتراب هذا الوطن؟ إن محاكمة الفاخوري تتعدى مسألة شخص "خائن" وتمثل تحدياً لأهم القيم الوطنية، بل لمعنى الوطن، وبالتالي تستحق بذل الجهود بكل أشكالها.
رابعاً: هناك جهات سهّلت عودة الفاخوري، لذلك لا بدّ من النظر إلى القضية هذه بعين الشكّ والريبة، قد تكون بعيدة عن صفقة القرن في الشكل، لكنها قريبة في المضمون حيث هناك من يسعى أن تصبح الخيانة للوطن وجهة نظر وبالتالي التأسيس لمفهوم جديد ينسف العداء للعدو الإسرائيلي، بل لا يعتبره عدوّاً في الأساس.
إن التساهل في ملف جزار الخيّام خيانة كبرى توازي خيانة الفاخوري كون أن هناك أضراراً جسيمة وقعت على أشخاص بشكل مباشر وعلى أمن الوطن، فضلاٌ عن كون هذا الأمر اعتداء سافر على كل القوانين اللبنانية.
اليوم، تبقى هذه القضية التي أشعلت الرأي العام اللبناني وشغلت مواقع التواصل الاجتماعي محطّ أنظار اللبنانيين كافّة، لاسيّما أهالي الشهداء والأسرى، فهل سينال الفاخوري عقابه عبر المسار القانوني، أم إن الضغوطات الخارجيّة ستكون أقوى؟ وفي حال صحّ الخيار الثاني كيف سيردّ أهالي الشهداء على الفاخوري؟ باختصار، لا بدّ من إنزال أقسى العقوبات بالعميل الفاخوري صاحب السجل الحافل بالعمالة والقتل والتعذيب ليكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه التعامل مع العدو.