الوقت- استهدف تنظيم "داعش" الإرهابي حواجز أمنية متنقلة في قطاع غزة خلال الأسبوع الماضي، وجاء الاستهداف في وقت حساس يمرّ فيه القطاع، إذ يتم تناقل أخبار بأن الكيان الاسرائيلي يحضّر نفسه لاستهداف حركة "حماس" في قطاع غزة، وهذا الأمر وضع علامات استفهام حول كيفية اختراق القطاع من قبل عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي.
علاقة حماس مع التنظيم الإرهابي علاقة عدائية، وهذا أمر طبيعي لأن "داعش" يحارب كل من يحارب الفكر الأمريكي والإسرائيلي، وجميع التقارير الغربية تؤكد أن تنظيم "داعش" الإرهابي وغيره يتلقون دعماً مباشراً من كيان الاحتلال ومن أمريكا، ورأينا هذا الدعم بشكل واضح خلال سنوات الحرب السورية، حتى إن الكيان الإسرائيلي استقبل عناصر التنظيمات الإرهابية في مستشفياته وعالجهم وكان يمدّهم بالمعلومات اللازمة، وكل ذلك لأنهم كانوا يساهمون في إضعاف الدولة السورية ويدمّرون سوريا، وبعد أن احترقت ورقتهم في سوريا لم نعد نسمع باستقبال حافل لهم في "إسرائيل".
وتكنُّ المجموعات التكفيرية عداء خاصاً لـ "حماس" حتى قبل ظهور داعش، إذ تعتبر حماس من أوائل الجهات التي واجهت مخاطر التكفيريين منذ قضاء الحركة على مجموعة عبداللطيف موسى، الذي أعلن إنشاء إمارة مستقلة في مسجد ابن تيمية بالقطاع عام 2009، بعد أن كفَّرت جماعته التي كانت تدعى جند أنصار الله، حركة حماس.
والمفارقة في ذلك الوقت، أن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس انتقدت قضاء حماس على الحركة التكفيرية، التي كان يمكن -إذا تُركت- أن تؤدي إلى تفاقم ظاهرة التطرف في القطاع المحاصر.
وبصفة عامة فإن غزة توجد بها عدة مجموعات متطرفة لا تزيد أعدادها على العشرات، ولا يمكن أن يطلق عليهم ظاهرة، وأبرز هذه المجموعات: جيش الإسلام- كتائب التوحيد والجهاد، جيش الأمة- أهل السُّنة والجماعة، كتائب سيوف الحق-جيش القاعدة، جند الله، الجبهة الإسلامية لتحرير فلسطين، أبناء أهل السنة والجماعة، مجموعات "جلجلت".
يبدو اليوم أن كيان الاحتلال يحاول أن يوصل رسائل جديدة لحركة حماس عبر التنظيم الإرهابي "داعش" بأنه قادر على اختراق قطاع غزة من الداخل، وأن الأمن في غزة ضعيف وغير قادر على صدّ هجمات الإرهابيين، لكن الحقيقة غير ذلك لأن العملية استهدفت حواجز أمنية طيارة متنقلة، وليس نقطة أمنية أو شرطية دائمة تتخذ فيها التدابير الكافية، الحالة الأمنية في غزة مستقرة، ويبدو أن منفذي التفجيرات، ومن يقف خلفهم، أرادوا استغلال هذا الاستقرار لتعكير صفوه، عبر تضخيم العملية، واعتبارها اختراقاً أمنياً.
الاحتلال الاسرائيلي وصل إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن القضاء على حركات المقاومة من خلال المواجهة المباشرة، ولقد امتحنت ذلك في الحروب الثلاثة الماضية، لذلك تعمد اليوم إلى تمويل ودعم تنظيمات إرهابية وتحاول دفعها لاستنزاف حركات المقاومة وإبعاد جمهورها عنها، وبالتالي إضعافها وإظهارها عاجزة عن الوقوف في وجه جماعات إرهابية صغيرة فكيف هو الحال خلال الحرب مع كيان الاحتلال، إلا أن هذه المخططات الصهيونية باءت بالفشل أيضاً، وقد حاولت أن تستخدم التجربة نفسها مع حزب الله اللبناني ولم تصل إلى أي نتيجة لأن عناصر الحزب قضوا على جميع الإرهابيين في جرود عرسال وغيرها.
قد يسأل البعض لماذا نعتقد بأن "إسرائيل" هي من يقف خلف هذه الجماعات الإرهابية المسلحة، هنا يمكن أن نجيب على هذا التساؤل بسؤال آخر، هل حدث واستهدفت هذه الجماعات الإرهابية المسلّحة كيان الاحتلال أو قواعده العسكرية أو حتى قواعد الأمريكيين؟.
بكل الأحوال هناك آراء تقول بأنه لا يجب تضخيم دور وقوة التنظيم الإرهابي "داعش" في قطاع غزة لأن حماس قادرة على القضاء عليه في حال أراد استهدافها بشكل مباشر، وحالياً ينتشر أفراد وزارة الداخليّة بغزّة بين حين وآخر على الطرق والشوارع العامّة، ويقيمون الحواجز الميدانيّة؛ تحسّباً لحدوث أيّ هجوم تنفّذه العناصر المحسوبة على تنظيم الدولة.
وحول التفجيرات الأخيرة التي استهدفت قطاع غزة قال إبراهيم حبيب، عميد البحث العلمي بكلية العودة للعلوم الأمنية، إن "تفجيرات غزة تشير بصورة واضحة إلى تورّط عناصر تابعة لتنظيم داعش، مع تقاطع مصالح للسلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، وأجندات خارجية"، حسب قوله.
مسؤول في حماس، رفض الإفصاح عن هويته، قال إن "التفجيرين نفذهما انتحاريان، ممن وصفهما بأصحاب الفكر المنحرف، الأول بتفجير دراجة نارية في حاجز للشرطة عند منطقة الدحدوح غرب غزة، أسفر عن شهيدين، والثاني انتحاري فجّر نفسه عند حاجز الشيخ عجلين أسفر عن شهيد ثالث، وإصابة 9 آخرين، بينهم طفلان وسيدة، وهي حوادث مرتبطة بتفجيرات سابقة شهدها قطاع غزة".
وأضاف إن "الأجهزة الأمنية تبذل جهوداً حثيثة لتعقُّب المتورطين في التفجيرات، واعتقلت عدداً منهم".
تطرح تفجيرات غزة أسئلة عمن لديه مصلحة بإحداث حالة من الفوضى الأمنية في القطاع، وكيف نجح المنفّذون في تحضير عبوات ناسفة لتنفيذ عمليات انتحارية ضد مقار شرطية وأمنية، ولماذا لا توجّه هذه العناصر عملياتها ضد "إسرائيل"، وما مدى قوتهم وانتشارهم، وهل بمقدور حماس احتواء آثارهم، ومصادرهم في السلاح، وما صحة فرضية تورّط أجهزة دول حدودية بدعمهم لإضعاف حماس، وارتباط توقيت التفجيرات بانشغال حماس بالانخراط في التصعيد القائم بالمنطقة.