الوقت - تعدّ زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الإمارات في 27 يوليو 2019 (5 أغسطس 1398)، ولقاؤه الخاص بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات، أحد الأحداث ذات الأهمية الخاصة على مستوى المعادلات السياسية العربية.
وجاءت زيارة العاهل الأردني في حين لم يمضِ سوى شهر على هروب أخته من دبي، لذلك فإن التركيز على الأهداف والافتراضات المحتملة المحيطة بهذه الزيارة في وقت تم فيه إثارة قضية حل القضية الفلسطينية بشكل علني، بناءً على "صفقة القرن" التي وضعها دونالد ترامب، يجعل القضية أكثر حساسيةً، وعلى هذا الأساس، من الممكن دراسة الأبعاد الخفية والظاهرة لزيارة الملك عبد الله إلى أبوظبي في محورين أساسيين:
لغز هروب أخت العاهل الأردني والدور الخفي لولي عهد أبو ظبي
إن هروب "هيا بنت الحسين" الزوجة الرابعة لحاكم دبي محمد بن راشد، أخت العاهل الأردني غير الشقيقة، كان يبدو في البداية قضيةً عائليةً وعاطفيةً بين شخصين، تداخلت فيها بعض الدوافع الاقتصادية والعاطفية، ولكن بعد حوالي شهر من هذا الحدث، يبدو الآن أن سيناريو سياسياً معقّداً كان يجري خلف الكواليس وممثله الرئيس هو محمد بن زايد.
لقد هربت "هيا" قبل شهر من دبي سرّاً وفرَّت من الإمارات، وذهبت بدايةً إلى ألمانيا وطلبت اللجوء هناك، ثم في تنقُّل غريب ذهبت الزوجة الرابعة لحاكم دبي محمد بن راشد إلى بريطانيا، ووفقاً لتقرير صحيفة ديلي ميل البريطانية، تعيش الأميرة "هيا" مع طفليها الآن في منزلها الذي يقدّر ثمنه بـ 85 مليون جنيه إسترليني بالقرب من قصر كينجستون في لندن.
هنالك الآن افتراض جدّي حول هذا الهروب والانتقال المكاني، مفاده أنه أثناء هروب هيا من الإمارات، كان الدور الرئيس في البداية لولي عهد أبو ظبي، ثم تعاون معه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أيضاً.
أساس القصة هو أن "هيا" كانت تنوي بالتعاون مع محمد بن راشد، القيام بانقلاب ضد شقيقها الملك عبد الله الثاني، ولكن بعد انكشاف الأمر، اضطر حاكم دبي إلى ترحيل زوجته إلى أوروبا للبقاء آمناً والحفاظ على ماء الوجه.
في هذه الأثناء ثمّة نقطتان معقدتان، إحداهما أن هروب "هيا" إلى ألمانيا وطلبها البقاء في لندن، قد تزامن مع وفاة خالد القاسمي ابن حاكم الشارقة البالغ من العمر 39 عاماً في لندن، والأخرى هي الأهداف التي يسعى محمد بن زايد لتحقيقها.
الاستدلال الأكثر أهميةً في هذا الصدد هو أنه بعد فضح انقلاب هيا ضد شقيقها، أمر ملك الأردن بإقالة بعض قادته العسكريين والأمنيين بمن فيهم رئيس المخابرات، ومغادرة سفير الإمارات في عمان "مطر الشامسي" والرئيس السابق لقوات أمن أبو ظبي.
وبعد إثبات تورّط الأميرة الأردنية في الانقلاب، سارع محمد بن راشد زوجها وحاكم دبي، وخوفاً من أن يستغل محمد بن زايد هذه القضية للابتزاز منه ومن ملك الأردن، إلى تمهيد الطريق لهروب زوجته سرّاً إلى أوروبا.
الحقيقة هي أن العاهل الأردني وبعد اكتشافه للأبعاد المعقدة للقضية، يبدو أنه قام بأول زيارة له إلى الإمارات لمعرفته إمكانية أن يستغل ولي عهد أبوظبي الانقلاب وهروب "هيا بنت الحسين" كوسيلة لممارسة الضغط عليه، الأمر الذي يمكن البحث عن جذوره في "صفقة القرن" الترامبية.
مخاوف الأردن من صفقة القرن
الشيء الأكثر أهميةً والذي يبدو أنه أقلق الملك الأردني بشأن هروب أخته "هيا" إلى أوروبا، يرتبط بإمكانية استخدام هذه القضية كورقة ضغط من قبل محمد بن زايد لقبول الملك ومحمد بن راشد بصفقة القرن.
والحقيقة هي أنه منذ إثارة صفقة القرن من قبل إدارة ترامب، فإن الأردن الذي يستضيف عدداً کبيراً من اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون 55٪ من سكانه، لديه مخاوف کبيرة بشأن هذه الصفقة، وقد تبنّى موقفاً معارضاً حيالها حتى الآن.
والعلامة الواضحة على ذلك يمكن رصدها في زيارته إلى أبو ظبي، بعد استقباله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في عمان، وإعلان الأخير تعليق جميع الاتفاقات الموقّعة مع الكيان الإسرائيلي. من وجهة نظر الأردن، فإن صفقة القرن ستؤدي من ناحية إلى نهاية خطة حل الدولتين، ومن ناحية أخرى، فإن الكيان الاسرائيلي سوف يسيطر بالكامل على الضفة الغربية، وسيكون له وجود أمني دائم في منطقة غور الأردن (وهي منطقة تقع بين الضفة الغربية والأردن)، كما ستكون القدس عاصمةً للكيان الإسرائيلي.
لذلك، قد تكون صفقة القرن تهديداً مباشراً للأردن، لأن أمريكا تنوي إنهاء القضية الفلسطينية بأي طريقة ممكنة، وذلك بحيث يتم فرض التكلفة الرئيسة على الأردن.
ونتيجةً لذلك، شهدنا أيضاً خلال زيارة العاهل الأردني إلى أبو ظبي، أن عبد الله الثاني وفيما يتصل بالقضية الفلسطينية، قد أكد على إنهاء الصراع بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، بالاعتماد على حل الدولتين وتشكيل الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وهذا يشير إلى أن الملك عبد الله قد بادر إلى زيارة أبو ظبي بهدف تخفيف ضغوط ولي عهد أبو ظبي وربما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لقبول عمان بصفقة القرن.