الوقت- لم تقتصر أرقام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان القياسيّة على توليه ولايتي العرش الثانية والأولى في سنّ صغير، بل يبدو أنّه يتّجه لتتويج نفسه كأسرع ديكتاتور في العالم.
ابن سلمان الذي صعد إلى ولاية العهد السعودية رافعاً شعارات الحريّة والتحرّر، بات اليوم أحد أبرز الرموز التي تقوّض الحريات وتشنّ الحروب ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم.
فقد وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في مقال للكاتب جاكسون ديل، الأمير "ابن سلمان" بالديكتاتور القاسي، مشبّهاً إياه بصدام حسين.
يقول الكاتب إن الرهان الذي وضعته أمريكا على صدام حسين قاده إلى غزو الكويت عام 1990، ومن هنا بدأت "الحروب التي لا تنتهي" في الشرق الأوسط، التي تشتكي منها بشكل عام مؤسسة السياسة الخارجية.
ويضيف ديل قائلاً: "بعد 30 عاماً، النخبة والساسة الذين يقدمون لها التقارير يقومون بتكرار الخطأ نفسه، رغم قولهم إنهم يمقتون جرائم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بما فيها الجريمة الشنيعة لقتل الصحافي جمال خاشقجي، وتعذيب وسجن النساء المطالبات بحقوق أوسع للمرأة، ويرون الحملة العسكرية في اليمن أنها كارثة مثقلة بجرائم الحرب".
ويرى الكاتب أن تصميم الساسة وصناع السياسة للتمسك بهذه الرؤية الضيّقة يمكن رؤيتها من خلال المحاولة الفردية التي تقوم بها المقررة الخاصة في الأمم المتحدة لقضايا القتل خارج القانون والإعدام التعسفي، أغنيس كالامار.
وتابع: "مثل صدام حسين قبله، فقد استنتج محمد بن سلمان أنه محصّن، فالنساء أمر بتعذيبهن في السجن، وطائراته تواصل قصف اليمن، ويقوم باتخاذ الخطوات الأولى للحصول على أسلحة نووية، لأن الحكومات الغربية لا تعمل على وقفه، لكنها ستقوم لاحقاً بذلك عندما يكون الثمن أغلى".
كلام الكاتب الأمريكي جاء بعد أيام على تقرير کالامار التي اعتبرت أن خاشقجي كان "ضحية إعدام مدبّر ومقصود وقتل خارج القانون تتحمل مسؤوليته الدولة السعودية"، وأن محمد بن سلمان متواطئ في العملية ومحاولة التغطية التي أعقبت الجريمة، تزامن أيضاً مع موقف جديد للخارجية الفرنسية التي جدّدت دعوتها إلى كشف كل الوقائع المتعلقة بقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وطالبت بمحاكمة المسؤولين عن الجريمة.
وقال المتحدّث باسم الخارجية الفرنسية إن موقف فرنسا من قضية خاشقجي معروف جيداً، فقد طلبنا تحديد الوقائع بوضوح في هذه القضية بالغة الخطورة، واستكمال جميع التحقيقات اللازمة -بما في ذلك احتمال وجود بُعد دولي- ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة ومعاقبتهم".
اليوم بات الأمير محمد بن سلمان ديكتاتوراً مع وقف التنفيذ وذلك بسبب الدعم الذي يحصل عليه مقابل تقديم المليارات من أموال الشعب السعودي للدول الغربية، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: إن ما يحصل يكشف حجم النفاق الدولي، ففي جريمة واضحة كهذه لا تتم معاقبته.
هنا يعلّق الكاتب في صحيفة واشنطن بوست بالقول: في القمة الأخيرة لمجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية، التي نظمت الأسبوع الماضي، تجمعوا مبتهجين حوله، وليس الرئيس دونالد ترامب فقط، لكن أيضاً رؤساء الوزراء والرؤساء من الدول الديمقراطية الأوروبية، وليس هؤلاء فقط، بل أيضاً قادة الهند وكوريا الجنوبية واليابان، الذين استقبلوا محمد بن سلمان بحرارة في الأشهر الستة الماضية".
ويلفت ديل إلى أنه "عندما تسألهم عن السبب فإنك تحصل على الجواب المألوف: "ولي العهد، المعروف أيضاً باسم (أم بي أس) هو الفرصة الأفضل لتحديث السعودية، وهو يخوض حرباً ضد التشدد الإسلامي، وهو متحالف معنا ومع "إسرائيل" ضد إيران، والبدائل عنه أسوأ".
ثانیاٌ: إن جريمة خاشقجي لا تعادل واحداً على ألف من الجرائم المرتكبة بأمر من "ابن سلمان" بحق الشعب اليمني.
وبالتالي، يجب أن يعاقب ابن سلمان وكل المتورطين في الجرائم بحق الشعب اليمني، ليس في دماء خاشقجي فسحب، بل بدماء الآلاف من الشهداء.
الشعب اليمني لا يعوّل على المنظمة الأممية التي لم تفعل شيئاَ طوال السنوات الماضية، بل سيقتص من ابن سلمان بنفسه.
ثالثاً: هناك خطوات عملية ضد ابن سلمان من مؤسسات دولية، فقد قررت جامعة هارفارد الأمريكية وقف التعامل مع مؤسسة "مسك" الخيرية التي يملكها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وقال المتحدث باسم الجامعة جوناثان سوين إنها ستوقف العمل بمئة منحة دراسية صيفية للطلاب كانت ترعاها مؤسسة "مسك" الخيرية السعودية.
ويأتي قرار الجامعة العريقة بعد قرار صدر في نيسان 2018 من مجلس مدينة كامبريدج حاضنةِ الجامعة، ويقضي بإنهاء علاقة الجامعة بالحكومة السعودية.
وكانت مؤسسة "بيل وميليندا غيتس" الخيرية -التابعة للملياردير الأمريكي بيل غيتس- قطعت علاقتها مع جمعية يرأسها ولي العهد السعودي على خلفية جريمة خاشقجي.
رابعاً: هناك العديد من الدول باتت تحذّر من لقاء ابن سلمان "سيّئ الصيت"، فقد انتقدت مسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة الملكة الهولندية ماكسيما بعد لقائها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مجموعة العشرين نهاية الأسبوع الماضي دون ذكر اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.
فقد ردّت مسؤولة الأمم المتحدة على سؤال حول لقاء ولي العهد مع الملكة ودورها كسفيرة للأمم المتحدة: "أن تقابل هذا الرجل شيء، وأنه تقالبه دون أي ذكر لجريمته شيء آخر".
في الختام، بات الأمير ابن سلمان رمزاً للديكتاتورية رغم أنه كان بإمكانه أي يفعل العكس تماماً، ولا شكّ أن سقطات ولي العهد السعودي بعد العدوان على اليمن ومقتل خاشقجي هي عبرة للمستبدين.