الوقت- تشهد المنطقة منذ مدة حروبا وصراعات وأزمات تهدد أمن دول المنطقة ومصالحها السياسية والاقتصادية مما يستدعي من دول المنطقة المبادرة والسعي لإيجاد آلية فعالة قادرة على حل هذه الأزمات ومعالجتها بالطرق السلمية والحوار، دون اللجوء الى العنف واستخدام القوة.
من هنا يبرز دور سلطنة عمان التي لعبت دورا مهما في حل الكثير من أزمات المنطقة وساعدت في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتخاصمة حيث كانت لاعباً هاما في تقريب وُجهات النظر بين السداسية الدولية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وقامت بتقليل مخاوف وقلق السداسية من البرنامج النووي الإيراني.
كما أنها تميزت بموقفها المخالف للعديد من الدول العربية بالنسبة للأزمة السورية وكيفية الحل فيها، حيث أنها لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا ودعت الى حل سياسي فيها والبدء بحوار واسع يشمل كافة أطياف الشعب السوري؛ هذا الموقف قاربه موقف الحكومة المصرية من أن الحل العسكري في سوريا مستحيل ولا جدوى منه وأن الأولوية للحوار والقضاء على الإرهاب.
هذا التقارب بين رؤية الحكومة المصرية وسلطنة عمان أدى الى زيارة تاريخية لوزير خارجية عمان يوسف بن علوي الى القاهرة حيث اعتُبرت هذه الزيارة من أهم الزيارات لرأس السياسة العمانية الى القاهرة نظراً لتوقيتها ولنوعية الملفات التي ناقشها الطرفان بالإضافة الى اقتراب وجهات نظرهما من بعض فيما يخص ملفات المنطقة كالملف السوري.
وتعتبر هذه الزيارة الاولى من نوعها بعد الاعتراف الدولي بحق ايران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية وتخصيب اليورانيوم، ونظرا للدور الإيجابي الذي لعبته عمان في حل هذا الملف المعقد يأتي الآن دورها في لعب الوسيط بين الدول العربية من جهة وايران من جهة أخرى، فهي تسعى الى إقناع العرب من البوابة المصرية بقبول ايران كلاعب أساسي وفعال في المنطقة، والخوض في حوار مع ايران يمكن أن يجنب المنطقة الدخول في المجهول.
كما وتتصف السياسة العمانية والمصرية بالمرونة والمداراة حيث تبتعدان عن التشدد والتعنت في مواقفهما من بعض أزمات المنطقة والتي تغاير تماما سياسة بعض الدول العربية كالسعودية وقطر اللتين تتصفان بالتشدد والحدة في المواقف بالنسبة لبعض الأزمات كالأزمة السورية واليمنية والبحرينية.
إذ ترى عمان أنه يمكن لمصر أن تلعب دورا هاما في الملف اليمني، فعلى الرغم من تأييد الحكومة المصرية في البداية للعدوان السعودي على اليمن وإبراز الاستعداد للمشاركة فيه إلا أن الحكومة المصرية اليوم باتت مقتنعة تماما بأنه لا حل لأزمات المنطقة إلا بالحوار والتفاهم ولذلك يمكن لعمان ومصر أن تقنعا السعودية بالنزول من على الشجرة، وإيقاف العدوان على الشعب اليمني والحد من تدمير البنى التحتية، لاسيما وأن العدوان الذي يشنه السعوديون وحلفاؤهم على اليمن منذ اكثر من 4 اشهر لم يجن الثمار المرجوة سعوديا ولا خليجيا.
أما بالنسبة للملف السوري الأكثر تعقيدا وسخونة فالقاهرة ومسقط تتفقان على أن الحل في سوريا يجب أن يكون بالحوار ولا يوجد مخرج للأزمة السورية إلا بالطرق السلمية والسعي لإيجاد صيغة تجنب هذا البلد المزيد من الدمار وتخريب البنى التحتية وهدر الطاقات البشرية والمادية.
حيث أن تقارب سياسة كلا البلدين يمكن أن يجعل منهما مفتاحاً لحل جميع أزمات المنطقة، مما يؤدي الى فتح باب للحوار بين ايران والمحور الذي تمثله من جهة وبين السعودية والدول العربية وخاصة الخليجية من جهة أخرى لمناقشة وحل أزمات المنطقة الممتدة من العراق مروراً بسوريا ولبنان واليمن والبحرين.
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على السياسة الحكيمة التي تأخذ بعين الاعتبار المصالح الوطنية والاستراتيجية التي تقوم على احترام الآخر والابتعاد عن المواقف المتشنجة والمتشددة واتباع استراتيجية الوسط في التعاطي مع الملفات الساخنة.
فهل يمكن للرؤية العمانية المصرية الموحدة أن تترجم على أرض الواقع؟ وهل لها أن تلقى آذانا صاغية من الأطراف المتخاصمة؟ هذا ما ستحدده الأيام القليلة المقبلة.