الوقت- تنتشر ظاهرة الإرهاب والتطرّف في منطقتنا بشكل غير مسبوق، ووجدت هذه الظاهرة طريقها إلى الشرق الأوسط من خلال مجموعة من الثغرات التي نتجت عن وجود بيئات حاضنة لهذا التطرف بالإضافة إلى عدم تضافر جهود الدول في استخدام أنظمة الإنذار المبكر وتبادل المعلومات في مجال رصد هؤلاء المتطرفين، يضاف أيضاً الفقر وغياب العدالة الاجتماعية وعدم وجود منهجية واضحة من المجتمع الدولي لتجفيف منابع الإرهاب.
ولكون سوريا كانت من أكثر دول العالم التي تعرّضت للإرهاب والفكر من المتطرف، كان لا بدّ من اتخاذ خطوات جدّية وفاعلة في هذا المجال، خاصة وأن الحرب تقترب من نهايتها، لذلك فإن بقاء مجموعات داخل البلاد تحمل هذا الفكر سيشكّل خطراً على مستقبل البلاد، ولأن سوريا جادة في تجفيف منابع الإرهاب، افتتح الرئيس السوري، بشار الأسد، يوم الاثنين الماضي، مركز الشام الإسلامي الدولي لمواجهة الإرهاب والتطرّف التابع لوزارة الأوقاف.
ويضمّ المركز عدداً من الأقسام بينها "المعهد الوطني لتأهيل الأئمة والخطباء في كل محافظات القطر"، و"المعهد الدولي للعلوم الشرعية والعربية للراغبين في الحصول على العلوم الشرعية من علماء بلاد الشام الوسطية"، و"قسم رصد الأفكار المتطرفة والفتاوى التكفيرية عبر شبكة الإنترنت وكيفية تحليلها ومعالجتها"، و"قسم مكافحة الفكر المتطرّف ومركز البحث العلمي".
كما يتضمّن مكتبة وعدداً من قاعات المحاضرات التي سيتم فيها تدريب وتأهيل رواد المركز وفق منهج علماء الشام الوسطي المعتدل.
وألقى الرئيس الأسد كلمة خلال اللقاء الذي جمعه مع كبار علماء دمشق، وقال: " الشعب السوري كله يكافح الإرهاب والتطرّف من خلال الصمود أولاً.. جيشنا الباسل كان يكافح الإرهاب الناتج عن التطرف.. علماؤنا كانوا يكافحون التطرف المنتج للإرهاب لذلك لا أتوقع أنكم تفترضون أنني سأجلس الآن معكم لأقول لكم إن مكافحة التطرف تبدأ من الاعتدال.. هذه بديهيات وأن الإسلام بريء من التهم المنسوبة له، وأن بلاد الشام تاريخياً معتدلة في الإطار الديني وفي الإطار الاجتماعي.. أو أن أقول لكم إن الله أراد أن نكون أمة وسطاً وأن الرسول نهانا وحذرنا من الغلو في الدين".
وتابع الأسد:" التطرف الديني ليس منتجاً دينياً بل هو منتج اجتماعي.. التطرّف هو منتج اجتماعي ينشأ من المجتمع.. ولكن يأخذ أغطية ويستخدم أدوات ويستخدم عناوين.. الدين هو عنوان من عناوين التطرف.. هو مظهر من المظاهر.. هناك تطرف ديني وتطرّف سياسي وهناك تطرف عقائدي لعقيدة غير دينية.. لعقيدة حزبية.. هناك تطرف قومي.. هناك تطرف اجتماعي بحت يرتبط بالعادات والتقاليد.. هناك أشكال كثيرة من التطرف.. واحدة منها هي التطرف الدين".
لماذا تم افتتاح هذا المركز؟
أولاً: الحرب في سوريا تكاد توشك على نهايتها وبقاء هؤلاء المتطرفين داخل البلاد سيشكّل خطراً كبيراً على مستقبل سوريا، ولاسيما أن هؤلاء تتم تغذيتهم بشكل دائم ومستمر من جهات خارجية تدفع لهم الأموال، وتشحنهم بالفكر المتطرف، ولدى هؤلاء أساليب ذكية لإغراء الشباب كما فعلت وتفعل "داعش" عبر المال وتقديم الوعود بالجنة وإلى آخره من التفاصيل التي سبّبت انضمام عشرات الشباب إلى هذه الجماعات الإرهابية.
ثانياً: يجب على الحكومات أن تتخذ خطوات جدية منظمة ومؤسساتية وتشارك جميع أطياف الشعب بمكافحة الإرهاب، وليس فقط المؤسسة العسكرية، لأن العسكر يستطيع أن يحلّ جزءاً من هذه المعضلة أما المشكلة الأكبر فتكمن في انتشار هذه الظاهرة "فكرياً" وهنا لا بدّ من الاستعانة بالإسلام الوسطي وتضافر جهود المجتمع بكل شرائحه للحيلولة دون انتشار هذه الظاهرة.
ثالثاً: كثير من الإرهابيين الذين قتلوا في سوريا هم من الأجانب، وفي ظل غياب وجود إرادة سياسية حقيقية لدى حكومات العالم لإيقاف تدفق هؤلاء الإرهابيين إلى الشرق الأوسط، كان لا بدّ من أن تتخذ حكومات هذا الشرق خطوات فاعلة لإيقاف هذا التدفق، وخلال الأزمة السورية تدفّق عشرات الآلاف من المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى سوريا وكان ظاهرة غير مسبوقة على الصعيد العالمي سواء بأعداد هؤلاء أو أعداد الدول التي خرجوا منها.
يقول مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري:" إن التقارير الأممية التي أثبتت أن عشرات الآلاف من المقاتلين الإرهابيين الأجانب قد تدفقوا إلى سوريا والعراق من 101 دولة من الدول الأعضاء مبيناً أن أعداد الإرهابيين الأجانب ممن يحملون الجنسيات الأوروبية فقط والذين قاتلوا في سوريا بلغ أكثر من 12 ألف إرهابي جلّهم من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وإسبانيا".
رابعاً: سيساهم هذا المركز في حال تضافر جهود الحكومة ورجال الدين وغيرها من المؤسسات في تجفيف منابع الإرهاب وتخليص المنطقة من هذا الفكر المتطرف عن طريق مواجهة إيديولوجية هؤلاء وتوعية الشباب إلى مغبّة التورّط بهذا النوع من الفكر.
خامساً: قد يساهم هذا المركز في تقوية الجبهة الداخلية للبلاد من خلال إقامة حوار جادّ وبنّاء ونزيه بين كل الفرقاء السياسيين الموجودين على الحلبة الوطنية، وكذلك إشراك كل القوى الحية من مجتمع مدني وشركاء اجتماعيين وفاعلين اقتصاديين في صياغة مصير الوطن وإقامة مشروع مجتمع يرى فيه الكل ذاته.
في الخلاصة... إن التطرّف والإرهاب يحتاج مواجهة فكرية ودينية وليس عسكرية فقط، وهنا يجب على الدول جميعها أن تساهم في إيقاف هذا العنف والتطرّف عن طريق تبادل المعلومات الأمنية لأن خطر هؤلاء الإرهابيين قد يمتد إلى أي دولة من دول الجوار وفي أي لحظة ما لم تتم مواجهته.