الوقت-يستبعد التسريب الوحيد من تقرير المحقق الأمريكي الخاص، روبرت مولر، توجيه اتهامات جديدة في قضية تدخل الروس المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة. لكن رغم هذا فقد شهدت واشنطن جدلاً حادّاً سرعان ما انفجر بشأن نشر نتائج التقرير أو حجب أجزاء منه سواء عن الكونغرس أم الشعب الأمريكي، هذا إلى جانب إمكانية إطلاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نتائج التحقيق قبل الجميع أو التعامل معه كطرف في القضية، فليس من حقه أن يحظى بأي معاملة خاصة.
يشبه الموقف الذي تمرّ به أمريكا هذه الأيام فترة الانتخابات، لكن الترقّب في واشنطن اليوم ليس توقاً لمعرفة اسم الرئيس بل لمعرفة شبهة تورّط الرئيس ترامب وحملته الانتخابية مع الروس بما أوصله قبل عامين ونصف العام الى البيت الأبيض. قرابة عامين من التحريات الحساسة والمعقدة في تلك المزاعم يطويهما المحقق الخاص روبرت مولر، الذي قدّم خلاصته يوم أمس إلى وزير العدل ويليام بار، الذي يؤكد امتلاكه صلاحيات انتقاء أجزاء من التقرير ليطلع عليها الكونغرس وأنه سيقرر إن كان سيضع التفاصيل كاملة في متناول الأمريكيين جميعاً.
ومن أجل ذلك، يدفع المشرعون الأمريكيون، لاسيما منهم الديمقراطيون ذوو الأغلبية في مجلس النواب، والقادرون على استدعاء مولر إلى جلسة استماع علنية تحت القسم ليكشف ما انتهت إليه تحقيقاته. ولا يستبق هنا الديمقراطيون الأحداث، وإذ كانوا يتأهبون لمعركة سياسية مع البيت الأبيض، حيث يقولون إنه لا أحد فوق القانون وإن عدم الإفصاح عن نتائج عمل فريق مولر سيثير أسئلة عمّا يراد إخفاؤه، كما يطالبون أيضاً بعدم إطلاع ترامب على نتائج التقرير مسبقاً قبل نشرها على الملأ.
وفي هذا السياق قالت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، يوم أمس السبت: "إن نشر خلاصة فقط عن تقرير المحقق الخاص روبرت مولر أمر غير كافٍ"، وطالبت في بيان بمدّ المشرعين بالتقرير كاملاً حتى تتمكن اللجان من ممارسة صلاحياتها، كما طالبت بتقديم إحاطة بشأن التقرير في الكونغرس. وفي السياق ذاته حذّر رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي جيري نادلر مسؤولين في الإدارة الأمريكية من أن إخفاء أو إتلاف أجزاء من محتويات تقرير المحقق الخاص روبرت مولر قد يمثل جريمة.
وقام ندلر وتسعة مشرعين آخرين من الحزب الديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ بإرسال رسالة إلى جهات حكومية عديدة، من بينها المستشارون القانونيون في البيت الأبيض ووزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة المخابرات المركزية سي آي أي وجهات حكومية أخرى، يطالبون فيها بحفظ تقرير مولر وجميع الأدلة المرفقة به وكل المواد والسجلات والوثائق المرتبطة بتحقيقات المحقق الخاص. في الظاهر حتى الرئيس الأمريكي لا يمانع نشر النتائج، وإن كان يصف التحقيق برمّته بالهراء، ويواصل محاولاته في التشكيك في نزاهة المحقق مولر وربطه بالديمقراطيين، فماذا يمكن أن يكتشفه الأمريكيون والعالم؟.
وبحسب مصادر أمريكية مقرّبة من مولر، فإن التقرير يتضمن حديث الشهود السري لهيئة المحلفين أثناء التحقيقات وكذا نتائج تحريات مكتب التحقيقات الفدرالي التي ستكون تحت طائلة السرية. وهنا نذكر أن مهمة المحقق الخاص روبرت مولر وفريقه هي التقصّي إذا ما كان أحد من حملة الرئيس دونالد ترامب قد تآمر مع الروس بشأن التدخل في انتخابات 2016 وفيما إذا قام الرئيس الأمريكي بما يؤدي إلى عرقلة سير العدالة في هذا الشأن. ووثّق المحققون كما يقولون اتصالات عديدة بين الروس وأفراد مقربين من الرئيس ترامب، وجرى توجيه اتهامات أيضاً لعدد من أقرب مساعديه، لم تشمل شبهة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ووفقاً لتسريبات أولية فإن المحقق مولر، والذي يعيب البعض عليه عدم إصراره على استجواب الرئيس، لن يوجّه أي اتهامات إضافية في القضية، لذلك يتساءل قانونيون عما إذا كان تقرير مولر بما يعرضه من وقائع وشهادات يمكن أن يفضي إلى قضية جنائية.
أما بالنسبة للساسة الأمريكيين، فإن الخشية من أن يحدث التفاف على مخالفات كبيرة تكون قد وقعت، فمحيط الرئيس بدى مطمئناً وإن في حذر بأن التقرير لن يفجّر فضيحة كبرى، لكن حتى وإن لم يفعل فإن ترامب لا يزال يواجه تحقيقات من المدعي العام في نيويورك لمحاولته إسكات فنانتين لمنع التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها. أما التحقيقات والتحريات الفيدرالية في نيويورك وواشنطن وفي ولاية فرجينيا فلن تتوقف بانتهاء تحقيقات مولر، إذ إنها تتعلق بأعمال ترامب وشركاته وقروضه المالية وتلك في اعتقاد قانونيين قد تكون من الناحية الجزائية أكثر خطورة.